الصحراء المغربيةالواجهة

قراءة مغايرة لمجريات الأحداث المتسارعة في الفضاء المغاربي و دول الساحل و الصحراء ( باي باي ماما فرنسا )

بقلم أبو أيوب

    بداية الحرب بالصحراء الغربية المغربية عنوانها الأساس استكمال طوق الحصار على النفود الفرنسي بشمال غرب إفريقيا و دول الساحل و الصحراء … رغم كونها تدور بين المغرب و من نسميهم نحن مرتزقة الجزائر و قطاع الطرق .

    و من المتوقع جدا أن تسفر الحرب عن غلق موريتانيا لحدودها البرية الشمالية , باعتبار أن المنطقة غدت ساحة حرب , و حتى لو تم تأمين معبر الكركرات أمام الحركة التجارية … من وجهة النظرة الإقتصادية تبقى بدون مفعول في ظل حدود مغلقة , ما يفقد تأمين المرور عبر المعبر معناه و يفرغه من محتواه ..

    قلت أحكام الطوق على فرنسا و هي ليست بما كانت عليه بالأمس , لا سيما إذا ربطنا ما يقع حاليا بالصحراء بغض الطرف عن الدواعي و الحيثياث … مع ما وقع في ليبيا من تقهقر الدور الفرنسي … و ما تعيشه حاليا الشقيقة مالي من تمرد على الوصاية الفرنسية … كما علينا أن نستذكر أبضا النأي بالنفس التونسي عن مجمل السياسات الفرنسية بالمنطقة … فضلا عما يعتري علاقات الجزائر و فرنسا ( إسقاط المروحيتين على الحدود مع مالي و مقتل 13 عسكري فرنسي / حرب المخابرات مثال ) .

    بالتالي يكون الحصار قد أطبق و أحكم على نفود فرنسا بمنطقة شمال غرب إفريقيا و دول الساحل و الصحراء … ترقب انتشار العدوى و توسع الرقعة في ما تبقى من نفوذ بالمستعمرات الفرنسية السابقة , بوركينافاصو و ساحل العاج و جمهورية إفريقيا الوسطى من الدول المرشحة لبداية قلاقل و اضطرابات اجتماعية … أصبح في حكم المتوقع الأكيد , نتائجه قد تؤدي إلى تكرار التجربة المالية و الخروج للشارع في مظاهرات شعبية تنديدا بسياسات فرنسا الإفريقية ….

    من هذا المنظور و استقراء للأحداث المتسارعة , سواء من خلال الموقف الرسمي الذي عبرت عنه رئاسة الإتحاد الإفريقي بخصوص اندلاع الحرب بالصحراء … أو ما جاء به نص البيان العسكري رقم 1 لما يدعى بوزارة الدفاع الصحراوية التي نعت اتفاق وقف إطلاق النار الى مثواه الأخير … أو التصريح الرسمي المغربي على لسان وزارة الخارجية و بيانات إدارة الدفاع للقوات المسلحة الملكية … ينضاف لها تصريح وزارة خارجية أشقاء الشرق … و ما عبرت عنه من موقف رسمي علني مناوئ و قامت به الشقيقة الجنوبية موريتانيا ….

    قلت من هذا المنظور , وقف إطلاق النار تم خرقه على غرار مرات عديدة سجلتها الأمم المتحدة نفسها … لكنها لم تكن بنفس الحدة كما هي عليه الآن , الحرب اندلعت حقيقة أصبحت تعيش عل وقعها المنطقة … و هذه مجرد بدايتها , أليس كذلك ؟ لكن في المقابل لا أحد باستطاعته التكهن بنهايتها . و هذا أمر أكيد ….

    قد تطول و قد تقصر … لكن نهايتها المؤكدة و التي لا لبس فيها مهما طال أمد الحرب , جلوس المتحاربين إلى طاولة المفاوضات تحت مظلة المنتظم الدولي ( الأمم المتحدة و منطق الحرب “نهاية الحرب مفاوضات” فمع من سنتفاوض ؟ ). سؤال منطقي , أليس كذلك ؟

    لقد انطلقت المناوشات بين المغرب و قطاع الطرق و المحتجزين و المرتزقة العملاء … بالكركرات جنوبا و بالمحبس بالشمال الشرقي للصحراء الغربية المغربية , و هذه مجرد بدايتها و حقيقة في حد ذاتها دونتها بعثة الأمم المتحدة و قد أجمع عليها الكل ….

    نعيش حاليا بدايتها لكننا لا نستطيع التكهن بنهايتها , و الشيء الوحيد المؤكد أن نهايتها الحتمية , مفاوضات بين الأطراف المتحاربة على الأرض و ضرورة جلوسهم إلى الطاولة … و إلا أمست الحرب كحرب دون كيشوت مع طواحين الهواء …

    بالتالي و بحسب نفس المنظور قد تصبح الحرب حربا عبثية , إذ لا يمكن تقبل مفاوضات مباشرة بين المغرب و قطاع طرق و انفصاليين و مرتزقة و محتجزين و مغرر بهم … كما دأبنا الوصف … اللهم إلا إذا انخرطت الجزائر و موريتانيا في الأعمال الحربية ..
آنذاك يمكننا القول بتعدد الأطراف المتحاربة ؟ غير هذا , تبقى الحرب محصورة بين جانبين … شئنا أم أبينا … هذا ما أكده بيان وزارة الخارجية المغربية و بيانات إدارة الدفاع الوطني .. و كلتاهما أشارتا إلى قيام القوات المسلحة الملكية بتأمين الطريق التجاري و إخلاء المنطقة من قطاع الطرق و البلطجية و الإنفصاليين الإرهابيين و الخونة العملاء …..

    كسب معركة في العلوم العسكرية ليس حسما للحرب .. بالتالي هي تأخذ منحى تصاعديا و محاولات قص أظافر و تحجيم قوة و استنزافها و هذا يتطلب النفس الطويل و القدرة على الإستمرار , قبل أن تنتقل إلى عمليات كسر عظام …..

    و الضمانة الوحيدة لإفساح المجال أمام تحقيق المكاسب … الحاضنة الشعبية بحسب فلسفة الإستراتيجية العسكرية للعبقري الصيني سانسو في كتابه ( L’ art de la guerre ) , بالمناسبة هو كتاب لا زال يدرس في كبريات المعاهد و الكليات العسكرية عبر العالم , و بالخصوص في المعاهد الغربية … فماذا عن حاضنتنا الشعبية ..؟

    سؤال يطرح في مختلف الأوساط بعيدا عن التأويلات الديماغوجية من شتى الأصناف … هل حاضنتنا الشعبية بقادرة على تحمل نفقات و تكلفة الحرب التي اندلعت ..؟ أكيد أننا كلنا مؤمنون مساندون و مقتنعون بعدالة القضية … لكن هذا وحده لا يكفي … طالما أننا لم نتمكن بعد من تقدير مدى تحمل حاضنة شعبية أجمع الكل على سوداويتها , و العاطفة الجياشة لن تفي بالمطلوب في ظل أوضاع مزرية …

    لا حديث اليوم في الأوساط السياسية إلا حدث وقف العمل باتفاقية وقف إطلاق النار و بداية المناوشات العسكرية … إجتماع رئيس الحكومة المغربية مع الأحزاب السياسية بحضور وزير الداخلية و مستشار العاهل المغربي …. حدث و حديث . تصريحات الأطراف الغير معنية مباشرة بالنزاع و الأطراف الإقليمية الجهوية و الدولية كذلك حدث و حديث …..

    منطقة شمال غرب إفريقيا على صفيح ساخن حقيقة أجمع عليها الكل … كما هي حقيقة المستجدات في القرن الإفريقي ( إثيوبيا و دخول إرتيريا و السودان على الخط مثال/ الملف الليبي/ مالي و دول الساحل و الصحراء ….) .

    ملفات متشابكة و صراع غرب و شرق على النفود عنوانه الوحيد , تمدد محور و حلفاء على حساب حلف و أدوات و هذا ما أسفرت عنه بالضبط نتائج الرئاسيات الأمريكية ( أعادة رسم جغرافيا العالم وفق المنظور الصيني الروسي لمشاكل و أزمات العالم ) .

    من الدول المرشحة إفريقيا في المستقبل المنظور من حيث تهاوي القلاع الفرنسية , جمهورية إفريقيا الوسطى و ساحل العاج و الكونغو الديموقراطية و بوركينافاصو …, قلاقل اجتماعية و انغلاق الأفق السياسي و مظاهرات شعبية على غرار ما وقع بدولة مالي … القاسم المشترك بينها مزيدا من إحكام الطوق على النفود الفرنسي بإفريقيا …

    و ضمن نفس المنظور بحسب بعض المتابعين للتطورات بالمنطقة , تدخل حرب الصحراء الآن و ما سوف يتلوها من تداعيات قد تكون دراماتيكية , لكنها بالضرورة ستصب في خانة واحدة و توطئة لبداية مفاوضات و تقديم تنازلات مؤلمة سواء من هذا الطرف أو ذاك … و ما أظنها بتقييمي إلا على حساب النفود الفرنسي بالمنطقة …

    فرنسا اليوم في عهد ماكرون ليست هي فرنسا في عز قوتها الإقتصادية و العسكرية أيام الجنرال دوغول و جيسكار ديستان و ميتران … قص أجنحة فرنسا بدأ منذ انطلاق الخريف العربي … لا سيما ما تعلق منه بالملف الليبي .

    تركيا مثلا و موقفها من النزاع على ضوء الصراع بين الجانبين … فضلا عن مشكل قبرص و اليونان و غاز المتوسط , مرورا بالعلاقات المتشنجة بين أول قوة عسكرية إفريقيا و ثاني قوة فلاحية عربيا , و الأكبر مساحة بالقارة السمراء .

    من اختارتها الصين كمعبر لمشروع طريق الحرير , و اختارتها روسيا كحليف قوي في منطقة أصبحت حيوية للأمن القومي الصيني الروسي على حد سواء ( الأبيض المتوسط أصبح بحيرة صينية روسية شرقا و غربا ) , في مواجهة السياسات الغربية و على رأسها فرنسا … دليل الفزع الفرنسي الزيارات المكوكية للمسؤولين الفرنسيين للقطر الشرقي الشقيق ( ثلاث زيارات رسمية لوزير الخارجية الفرنسي مثال …) ..

    النفود الفرنسي اليوم يتحسس رقبته في شمال غرب إفريقيا و منطقة الساحل و الصحراء … و الحرب التي اندلعت بالصحراء واحدة منها رغم تباين الرؤى بين مختلف الأطراف على حد سواء … حرب رمال متحركة من خلالها سيتبلور تموقع جيوستراتيجي لمحور و حلفاء يتمدد على حساب حلف و أدوات يتبدد … و ما هي إلا مسألة وقت ….

    مسألة وقت لمن أوصى بالتدخل العسكري و الشأن نفسه لمن أعلن انتهاء صلاحية اتفاقية وقف إطلاق النار و أعلن الحرب … لن تدوم الحرب طويلا و لن تتحملها المنطقة لفترة أطول … أسرتنا الإفريقية ستتدخل … الأمم المتحدة كذلك … مخرجاتها مضمونة بحكم الشرعية الدولية و منطق الحرب ….

    و خلاصتها الجلوس إلى طاولة المفاوضات مهما طالت الحرب … آنذاك سنكون طوعا أو كرها مجالسين لقطاع طرق و إرهابيين و مرتزقة و عملاء مهما كان وضعنا ( منتصرون في الحرب مثال و هذا أمر جد مستبعد في المسقبل المنظور ) … و وضعية التفاوض المباشر تحت إشراف دولي ….

    تحليل منطقي تبدو معه الحرب عبثية … و لعلها حقيقة المخفي المتخفي من وراء الحرب .. فهل سنفاوض الجزائر رغم كوننا لم نعلن عليها الحرب ..؟ و هذا أمر جد مستبعد من النقاش … أم من البديهي أن نعلنها حربا على الجزائر حتى يكون هناك طعم للمفاوضات ؟

    زوار موقع الجديدة نيوز , كانت هذه قراءة مغايرة لمستجدات الأحداث الطارئة بالمنطقة المغاربية و دول الجوار , قد تتفق أو تختلف حولها الآراء و وجهات النظر , لكنها تبقى في مجملها سيناريو جد محتمل وقوعه , بالتالي تجسيده على الأرض مسألة وقت فقط … و ما أظنها ستطول … أنعمتم مساء و إلى فرصة أخرى إذا ما استجد جديد …

Abdeslam Hakkar

عبد السلام حكار مدير الموقع وصحفي منذ 1998 عضو مؤسس بالتنسيقية الوطنية للصحافة والإعلام الإلكتروني

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى