أخبار وطنيةالواجهة

سيناريو ما وراء الأحداث …

بقلم أبو أيوب

    القمران المغربيان محمد السادس A و B عمرهما الإفتراضي خمس سنوات , الأول اطلق سنة 2017 و الثاني سنة 2018 , أي لم يتبق أمامهما سوى سنتان من الخدمة بالنسبة للاول , و ثلاث سنوات للثاني , القيمة المالية للقمر الواحد نحو 500 مليون دولار أي مليار دولار لكليهما … شيء جميل و إبهار مغربي بامتياز ….

    الأجمل و الأغرب هو أن مساراهما ( ORBITES ) لا يمران فوق القارة السمراء إفريقيا , بل فوق أمريكا الجنوبية و اللاثينية و المكسيك و الولايات المتحدة و كندا و الألسكا شمال الكرة الأرضية , ليعرجا على شمال أوروبا و روسيا … في مسار يمر فوق باكستان و الهند و إيران في اتجاه مياه المحيط الهندي جنوبا , استكمالا لدورة كل قمر على حدة عبر مياه المحيط الهندي في اتجاه أمريكا الجنوبية … عبر غرب المحيط الأطلسي …

    حيث تبدو القارة الإفريقية تقريبا غير مشمولة بما فيه الكفاية من التغطية قياسا بغيرها من الدول التي يمر عبرها مسار القمرين ذهابا و إيابا في دورتيهما حول الأرض … حقيقة أفاد بها الحاج غوغل في مواقعه المتخصصة في تتبع مسارات كل الأقمار الصناعية المنتشرة في الفضاء … و بالتالي يطرح السؤال عن مدى حجم مردود المنافع و القيمة الإستراتيجية بالنسبة للمصالح المغربية ؟ سؤال يطرح ….

    كما تجدر الإشارة إلى أن القمرين من صنع و إطلاق فرنسي من قاعدة غويانا الفرنسية , و بتمويل عبر صفة اقتناء و طلب مغربي كما يبدو عليه الأمر , فيما بقيت فرنسا هي المتحكمة في مسار القمرين و مصير المعلومات التي يوفرانها …

    معلومات تقطرها قطرة قطرة للمغرب بما يتناسب مع مصالحه و مصالحها دون الجرأة على بيعه التيكنولوجيا و أحقية التحكم فيها و استغلالها بحرية … اليوم المغرب بأمس الحاجة إلى خدمات قمريه , لجمع المعلومات و الإستطلاع العسكري و تتبع تحركات المناوئ بالمناطق الواقعة شرق الجدار الدفاعي المغربي … و من شان هذا أن يقلل من وقع المفاجأة و حجم الخسائر في العتاد كانت أم بين صفوف الأفراد , بالتالي توفير الوقت الكافي للاستعداد لصد الهجوم أو الرد و دقة الإستهداف بعد تحييد عنصر المفاجأة … و ما يترتب عن ذلك …

    و بحسب خبراء عسكريين , فسلاح الجو يمكن له توفير المعلومات و تتبع تحركات الخصوم فضلا عن قدراته الهجومية و الدفاعية جوا و برا و بحرا , لكنه يبقى مستهدفا من قبل المضادات الأرضية و عرضة لصواريخ سام التي يتوفر عليها الطرف المناوئ … منظومة صواريخ لا يجب الإستهانة بها , بالتالي قد تشكل خطورة لا بأس بها في وجه السلاح الجوي و هذا ما يحد من فاعليته . و لنا في تاريخ الصراع المحتدم حول الصحراء أمثلة عدة حصلت نهاية السبعينيات و بداية الثمانينيات ( كلتة زمور مثلا خسر المغرب أكثر من طائرة حربية من بينها طائرة شحن عسكرية من نوع هرقل C130 الأمريكية الصنع) , بالتالي يصبح إقحام القوات الجوية الملكية يشكل خطورة وعرضة لخسائر مكلفة لسلاح الجو , لا سيما في المناطق شرق و شمال شرق الصحراء على مقربة من الحدود الشرقية مع الجزائر ….

    بتقديري و بحكم تجربتي التي راكمتها طوال سنوات الخدمة , هناك الخطر المحدق الآتي الذي يتهدد فرنسا , بعدما أصبح الصراع يكتسي طابعا مغايرا لطبيعته الثنائية , بالتالي أصبحت مرجعيته ضمن إطار ما بات يعرف بلعبة الأمم في إدارة الحروب و الأزمات , أي بما معناه , نزاع على النفوذ بين محور الصين روسيا … يتمدد , و حلف أمريكا و الغرب عموما … يتراخى و يتبدد كما أشرت له في مقالات عدة سابقة .

    اليوم و في خضم الأحداث المتسارعة , نستفيق على خبر خطوة تصعيدية و نبأ نشر منظومة بطاريات صواريخ و تعزيز مقدرات جوية على مقربة من الحدود الشرقية للمملكة : الاس 400/ ثلاث أسراب من السو 30 و ثلاث أخرى من السو 34 و سربين من حوامات التمساح أو صياد الليل أو الدبابة الطائرة أو صياد الدبابات و المدرعات و هذه تسمياتها ( الحوامة مي 28 المتطورة من صنع روسي تتفوق على حوامات الأباتشي الأمريكية ) ….

    نشر المنظومة الصاروخية بمثابة تحذير لسلاح الجو المغربي من مغبة أي محاولة لخرق المجال الجوي الجزائري و لو عن غير قصد ( ما حصل للحوامتين العسكريتين الفرنسيتين و مقتل 13 عسكريا كانوا على مثنهما شمال مالي يمكن أن يحصل اليوم مثال ) . بالتالي نشر المنظومة يعد بمثابة إجهاض لأية محاولة مغربية مرتقبة لتفعيل حق المطاردة طبقا لمنطوق القانون الدولي ( Droit de poursuite ) , و إفراغها من سندها القانوني وفق الشرعية الدولية … كما نشر برا بنفس المنطقة العسكرية الثالثة ( تندوف) سلاح الدبابات والمدرعات و المجنزرات و المدفعية المتحركة و حاملات الجند … تم الإعلان عن حالة الطوارئ القصوى تحسبا لأي طارئ ….

    لكن الخطير و الملفت للانتباه ظهور منظومة صواريخ اسكندر ذات القوة التدميرية الهائلة للمواقع المستهدفة و بدقة عالية , مداها يتعدى 500 كلم أي بما معناه خارج حدود المملكة المغربية , و هي رسالة قرأتها فرنسا جيدا من زاوية تغير موازين القوة بشمال غرب إفريقيا و الساحل و الصحراء ….

    كما فهمت فرنسا بأن مجرد قذيفة و لو عن طريق الخطأ داخل التراب الجزائري هو بمثابة إعلان حرب , بالتالي سيكون هناك رد و على البادئ تحمل العواقب …. و خوف فرنسا على مصالحها بالمنطقة في حالة انزلاق المنطقة إلى حرب , و تحول الحرب بين طرفين إلى حرب إقليمية , و إحساسها بقوة الطرف المجابه و ما يمثله من ثقل عسكري (1 افريقيا) و اقتصادي ( 2 عربيا من حيث الإنتاج و الصادرات الفلاحية بعد مصر ) , قلت خوف … من تغير موازين اللحظة الحالية لغير صالحها , بالتالي أصبحت في موقف ضعف و هي عليمة بهذا …

    و لمزيد من الاستدلال , ثقلها في الملف الليبي و المالي و القبرصي و حوض الأبيض المتوسط الذي يتآكل … , خوفها دفعها إلى طلب عقد جلسة طارئة لمجلس الأمن الدولي بخصوص الحرب المعلنة بالصحراء …

    يذكرنا الموقف هذا بآخر مماثل , تبلور من خلال استهداف المروحتين العسكريتين بشمال مالي , و لجوء فرنسا إلى الإتحاد الأوروبي من أجل استصدار موقف رسمي مساند , ثم ضاغط على السياسات الجزائرية بالفضاء المغاربي … فضلا عن تخوفها أيضا من أن تنجر المنطقة إلى حرب قد تتطور إلى حرب إقليمية المنطقة برمتها في غنى عنها , ثم الخوف على مصالحها و هي في موقف ضعف دفعا بها إلى طرق أبواب مجلس الأمن الدولي للنظر في أصل الصراع ..

    فرنسا تعلم جيدا أنها في موقف صعب , هناك روسيا و ثقلها بخاصة بعد ترهل الإدارة الأمريكية و ما تعيشه أمريكا نفسها وفي ظل الإنقسام الحاصل داخليا , فضلا عن موقفها الرسمي المعلن عنه بخصوص نزاع الصحراء المؤيد للطرح الآخر …

    و هناك مناطقيا قوة عسكرية و اقتصادية صاعدة , كما أن هناك دعوات دول أوروبية و نوايا لمحكمة العدل الأوروبية , بمقاضاة كل من يثبت في حقه عدم الإمتثال لحكميها … و هناك بؤرة ملتهبة أخرى في الفضاء المغاربي بالصحراء و كل الأصابع على الزناد …

    برميل بارود … وعلى مجلس الأمن الدولي تحديد المفاهيم و تحمل المسؤولية و فرض الحل طبقا لقرارات الشرعية الدولية … غير هذا مضيعة للوقت و مساهمة في انزلاق المنطقة المغاربية إلى أثون حرب , أوروبا هي المتضررة الأولى إذا ما تطورت الأمور إلى حرب إقليمية … , بالتالي تصبح فرنسا الداعية إلى عقد جلسة طارئة …. غير قادرة على تحمل وزر ما ستؤول إليه أمور منطقة جد حساسة , و ذات أهمية قصوى لمصالح أوروبا الإستراتيجية بالضفة الجنوبية للأبيض المتوسط , دون ذكر تداعياتها (مخلفات الحروب قوافل فارين … مثال ) … و في هذه الحالة قد تضطر لتقديم تنازلات حصرا للخسائر و ربحا للوقت في انتظار تبلور حل و تطابق رؤى وفق ما تقتضيه قرارات الشرعية الدولية و مشيئة الدول الفاعلة و صانعة القرار … و طالما أن بعثة المينورسو للصحراء لم يتغير إسمها لتسمية أخرى , بمنطوق قرار أممي جديد يغير أو يعدل أو يلغي أو … تبقى الأمم المتحدة ملزمة بتطبيق قرار مجلس الأمن الدولي رقم 690 الصادر سنة 1991 و الذي بموجبه تم الإعلان عن وقف إطلاق النار و إرسال بعثة المينورسو … و هي البعثة المكلفة حصريا في شقها المدني بتنظيم استفتاء تقرير مصير كما جاءت به ديباجة القرار , و في شقها العسكري مراقبة التزام المتحاربين بوقف إطلاق النار , و لنكون منصفين و منطقيين , وقف إطلاق النار تم خرقه اليوم وسط اتهامات متبادلة بين أطراف النزاع ….

    من البادئ و من يتحمل الوزر ..؟ سؤال آخر يطرح … و الجواب عليه , أن الأمم المتحدة وحدها صاحبة القرار و هذا ما يؤكد عليه و يعلن عنه الموقف الرسمي المغربي , و على أعلى مستويات صنع القرار بالمملكة , حصرية الدور الأممي لإيجاد حل للصراع المحتدم حول الصحراء , فضلا عن مخرجات و قرار قمة الإتحاد الإفريقي التي انعقدت بالعاصمة الموريتانية نواكشوط ( هذا ما يضفي شرعية قانونية و قيمة مضافة إلى النظرة التشاركية بين الأمم المتحدة و الإتحاد الإفريقي …

    زوار موقع الجديدة نيوز , مفوضية الإتحاد الإفريقي تخرج اليوم بموقف صادم , من خلاله تعبر عن تمسكها بنظرتها إلى الصراع , من حيث كونه مسألة تصفية استعمار بحسب زعم المفوضية نفسها , كما جاء على لسان التشادي موسى فقيه رئيس المفوضية معززا بموقف رئاسة الإتحاد الإفريقي …

    موقفين متزامنين مع ما يقوم به الخصم من تصعيد عسكري متواصل على طول الجدار الدفاعي المغربي , و هو ينشط حاليا عبر مسيرات ليلية بمدن الداخلة و العيون و السمارة … وسط تهجمات على قوات الأمن … كمقدمة لتعبئة عامة قد تتوسع لمناطق أخرى كطانطان و كلميم …. تطورات وسط دعوات تطالب بإرسال الصليب الأحمر الدولي للمنطقة … و أخرى تؤسس لتنظيمات موازية مواكبة … هي في مجملها أنشطة و مواقف الغرض من ورائها إحراج المغرب أمام المنتظم الدولي من جهة , و ردع أو إجهاض ما خفي من مرامي الدعوة الفرنسية إلى انعقاد جلسة طارئة لمجلس الأمن الدولي ….

    بالتالي يتأكد المأزق و يترسخ … بعدما تم توريط الفرقاء المعنيين بالنزاع سواء مباشرة أو بطريقة غير مباشرة لحلحلة الملف الذي طال أمده … و الغلبة للأقوى و في هذه الحالة بحسب منطق الأشياء , اللهم إلا إذا طرأ طارئ يغير مجرى الأحداث …

    كان هذا مجرد سيناريو جد محتمل لخفايا الكواليس , و ما يختمر في دهاليز صنع القرار الدولي بشأن النزاع المستعصي بالفضاء المغاربي , و نظرة تحليلية بتجرد بعيدا عن لغة العاطفة و حب الإنتماء لوطن كلنا معنيون بسلامته و استقراره … لننتظر و نراقب … فالساعات المقبلة قد تكون حبلى بالمفاجآت كما قد تكون حمالة بشائر … فاللهم الطف …

 

Abdeslam Hakkar

عبد السلام حكار مدير الموقع وصحفي منذ 1998 عضو مؤسس بالتنسيقية الوطنية للصحافة والإعلام الإلكتروني

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى