الواجهةمجرد رأي

سعيد يقطين يكتب : المثقفون والتطبيع

بقلم : سعيد يقطين.

عن القدس العربي.

    منذ أن بدأت أمريكا حملتها الترويجية للتطبيع مع إسرائيل وتحويله إلى واقع بدأت حركات عربية تدعو إلى مقاطعة التطبيع، والدعوة إلى اتخاذ موقف منه. لا يمكن إلا أن تُساند أي حركة تدعو إلى إحقاق الحق الفلسطيني كاملا غير منقوص، لكن السؤال الذي يفرض نفسه هو: لماذا جاء رد الفعل ضد التطبيع بالضبط، في الوقت الذي لم يتحرك فيه أي ساكن كلما كانت إسرائيل تقدم على توسيع رقعة المستوطنات، وضم الأراضي الفلسطينية إليها عن طريق الترحيل الجماعي، وتغيير معالم الفضاء الفلسطيني بتحويله إلى أرض إسرائيلية؟ أيهما أكثر أهمية هل تعميق الاستيطان، أم التطبيع؟ أيهما أكثر إيلاما للقضية هل توسيع دائرة الاستيطان؟ أم إقامة علاقات مع إسرائيل؟ أم أن الاستيطان شأن إسرائيلي، والتطبيع قضية عربية ؟

    إن التطبيع ليس سوى ثمرة الاستيطان، فمن خلاله تريد أمريكا وإسرائيل إعطاء شرعية «عربية» لما يتحقق على الأرض. فما الفرق بين دول عربية في المواجهة لم تخض أي حرب ضد إسرائيل منذ 1973، حتى في الحالات التي تقوم هي بقصفها، وتتوعد بالرد بلا طائل، ودول تسعى إلى فتح علاقات معها؟ إن التطبيع المزدوج واحد، وكل منهما يتخذ وجها ضمنا أو مباشرة، فما معنى مواجهة التطبيع ؟ وبأي لغة ؟

    لا أتصور أن الدعوة إلى مواجهة التطبيع تتعدى صور ردود الفعل التي ظلت سائدة في كل المنعطفات التي مرت بها القضية الفلسطينية، في كل تاريخها، والتي لم تؤد كلها إلا إلى المزيد من النكبات والنكسات والضياع. هل بالبيانات والتوقيعات والعرائض يمكننا إحراج الأنظمة ؟ أو التعبير عن تبرئة الذمة ؟ أبهذا يمكننا دعم الشعب الفلسطيني الذي ظل يعاني إلى جانب الآلة الصهيونية من الانقسامات والصراعات الفلسطينية ـ الفلسطينية علاوة على الخلافات العربية ؟
كيف يمكن لمثقف عربي (وأقصد النخب السياسية والإعلامية والفكرية) أن يدافع عن فلسطين العربية، وهو ضد الوحدة العربية التي ظلت حلم الشعب العربي ؟ وأنى لمن يدعو، في المغرب مثلا، إلى انفصال الصحراء، بدعوى مقولة «تقرير المصير»، أو مواجهة الملكية، غير معتبر نضال الشعبي المغربي وتضحياته الجليلة منذ فترة الاستعمار، من أجل وحدته الترابية أن يتبنى القضية الفلسطينية ؟ ويمكن قول الشيء نفسه عمن يرى أن الوحدة العربية مطلب قومجي، وهو يتبنى دعوة قومجية أكثر عرقية؟ ماذا كان موقف المثقفين العرب من تقسيم السودان، و»تقرير مصير» جنوبه ؟ ما هو موقف المثقفين من الحروب بالوكالة والتدخل في الشؤون العربية ليس من أجل وضع حد للصراع، بل من أجل تغذيته تحت شعارات متآكلة ؟ كيف يمكن لإعلام عربي يصطف إلى جانب ضد آخر في الخلافات العربية، أن ينتصر لأحلام الشعوب العربية في الوحدة والديمقراطية؟ ما أسباب تراجع دعم القضية الفلسطينية منذ أواخر تسعينيات القرن الماضي ؟

    إذا كانت هزيمة 1967 قد عرت كل الأنظمة العربية، فإن ما يجري الآن إعلان عن إفلاس كل الأنظمة العربية بلا استثناء.
كل هذه الأسئلة تصب مجتمعة في محاولة البحث عن جذور ما آلت إليه الأوضاع العربية بصفة عامة، والقضية الفلسطينية بكيفية خاصة. لقد انصرف العرب عنها، حكومات وشعوبا، في معارك تتصل بالإرهاب، والإسلام السياسي، وجاءت أحداث الربيع العربي معبرة على لسان الشعوب العربية وشبابها لتقول: كفى من ممارسات امتدت على عقود من الخلاف والعسف. وبدل أن تكون الاستجابة للمطالب الشعبية اعتبرت تلك الأحداث ذريعة لممارسة المزيد من القمع والاستبداد والخلاف. كانت كل هذه الأحداث التي تم فيها تغييب القضية الفلسطينية بالمطلق مناسبة لإسرائيل للاستئساد، وممارسة توسيع حلمها عن طريق ضم المزيد من الأراضي إليها عن طريق الاستيطان، ضاربة عرض الحائط بكل المواثيق الدولية. وبوصول ترامب إلى السلطة، وهو يسعى إلى إعادة صورة أمريكا العظمى، حقق لإسرائيل ما لم تكن تحلم به: فَرْض واقع جديد عن طريق الانتهازية والاستبداد .

    كانت فزاعة إيران مدخلا لادعاء أمن دول الخليج وقد تفكك جراء الاصطفافات التي حدثت مع تطورات الإرهاب والربيع العربي، مناسبة مثلى لفرض التطبيع. وكان انتهاز فرصة التحول الذي عرفه السودان مناسبة لاستحضار الحديث عن قائمة الإرهاب. وتم استغلال فرصة التحول الذي عرفه المغرب، بسياسته الجديدة، منذ عودته إلى افريقيا، وما حصل في الكركرات لإعلان الاعتراف بمغربية الصحراء من لدن أمريكا. إن استغلال هذه الفرص كان من لدن أمريكا لفائدة إسرائيل التي ليست سوى مقاطعة أمريكية في الشرق الأوسط. ويتأكد من مسار القضية الفلسطينية أن التطبيع هو مع أمريكا عبر الخضوع لمخططاتها وتطبيق سياساتها في المنطقة .

    إذا كانت هزيمة 1967 قد عرت كل الأنظمة العربية، فإن ما يجري الآن إعلان عن إفلاس كل الأنظمة العربية بلا استثناء، وكل التيارات السياسية والاتجاهات الثقافية المختلفة، وأرى أن الصراع على السلطة وراء كل هذه التداعيات.. الكل يريد السلطة باسم الشعب، باستغلال أحلامه في الوحدة والديمقراطية، ليمارس العسف عليه، لا فرق في ذلك بين اشتراكي وإسلامي، ومن هو في السلطة ومن يسعى إليها. والكل مستعد لتحقيق ذلك ولو بالتحالف مع الشيطان ضد القضايا الشعبية .

    قضية فلسطين قضية شعب عربي يُطوِّعه إخوانه ليستعبدهما أعداؤهما .

٭ كاتب مغربي.

Abdeslam Hakkar

عبد السلام حكار مدير الموقع وصحفي منذ 1998 عضو مؤسس بالتنسيقية الوطنية للصحافة والإعلام الإلكتروني

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى