الواجهةثقافة وفنون ومؤلفات

في الحاجة إلى عبد الوهاب المسيري : ” إسرائيل” من منظور معرفي (1)

بقلم: محمد همام .

    أفتتح يومي البحثي في مكتبي عادة بأغاني مجموعتي : ناس الغيوان أو إزنزارن. بالأمس إستمعت إلى أغنية سبحان الله صيفنا ولاشتوا. وهي من كلمات العالم الصوفي والفقيه ابن الموقت المراكشي . ( توفي 1949، ومدفون بمقبرة باب اغمات بمراكش) . من أبرز علماء المغرب في النصف الأول من القرن العشرين . عرف بكتابه ( الرحلة المراكشية)، وكتاب( أصحاب السفينة)، وكتاب ( السعادة الأبدية)، وكتب كثيرة في التوقيت، وفي التصوف، وفي النقد الاجتماعي … غنت له ناس الغيوان أغنية : سبحان الله صيفنا ولاشتوا. ويعرف دارسو أغاني ناس الغيوان، والغناء السياسي بعامة في المغرب، أنها أكثر الأغاني تعبيرا عن النقد السياسي، والاحتجاج الاجتماعي في المتن الغيواني، وفيها أيضا نقد لعملية إنشاء ( إسرائيل) على أرض فلسطين. ومن مقاطع الأغنية :

– سبحان الله صيفنا ولا شتوا
– وارجع فصل الربيع في بلدان خريف
– وامضت أيامنا سرقتنا سهوة
– وتخلطت الأديان وشلا ليك نصيف
– قلت ياعجبي ضحت في الدين الرخوة
– ولا الايمان عندنا في العرب ضعيف
-صهيون في غاية العلو دركو سطوة
– واقبلنا ذلهوم عاد الشرق كفيف
– جور الحكام زادنا تعب وقسوة
– لا راحة والعبادة في نكد وتعسيف.

    واليوم، في وردي الغنائي اليومي، وجدت نفسي أستمع إلى أغنية: توزالت/أو الخنجر، من أغاني مجموعة إزنزارن. من كلمات شاعر المجموعة، وكاتب أغلب كلمات أغانيها، الأستاذ محمد الحنفي: شاعر، ونحات، ورسام، ومصمم ديكور، وممثل. اشتهر بكلمات أغنية: يتيم الأم/ إكيكيل، والمعروفة فنيا ب: إمي حنا/ أمي الحنونة.

    عرفت أغنية توزالت في الوسط الفني بأغنية: ” الصهيون”. وبرغم سعي البعض إلى حذف كلمة الصهيون من الأغنية بدعوى أن أصل الأغنية فيها ” غواد”، وليس الصهيون، فإن كل المناسبات التي غنت فيها المجموعة هذه الأغنية، بل وفي التسجيل الرسمي للأغنية، يرد اسم ” الصهيون”، سواء فى مواويل المايسترو والعازف إكوت عبد الهادي، أو في الترديد الجماعي ( الكورال) للمجموعة. ثم إن الأغنية سجلتها المجموعة في سياق أحداث مجزرة ( صابرا وشاتيلا) في لبنان،والهجوم الصهيوني على الفلسطينيين. كما ظهرت في هذا السياق أغنية (صابرا وشاتيلا) لمجموعة ناس الغيوان. ومن مقاطع أغنية ( الصهيون ) لإزنزارن، مايلي :

– صهيون يوسين توزالت ؤكان ءاوا أري قرسي.
– ءيغ ءيلا ؤوقريان لهينت ؤوركن تسلكم إياتي
– ءاركين ءيتنتاع وضاض ؤركن سول ءيسنتل ياتي
– ءاواد ءيسكرن ءيكيكيلن تسلات تيويثميني
– ءامين ءاغار ءيسلداي ءاسنا كن غيني
– ترولا ترولا ترولا ؤوركن تجنجم ؤلا سول تكركاسنكي
– ترزمت ءيووشن غ توزومت ؤولي ءاري قرس
– تكرفت ؤسكاي تكابلت ءاتين ؤريتاغ
– وا مين ءاغار إسلداي ءاسنا كن غيني
– ترولا ترولا ؤوركن تجنجم ؤلا سول تكركاسنكي
– واغواد يوسين توزالت ؤكان ءاوا ءاري قرسي
– واصهيون يوسين توزالت ؤكان ءاوا ءاري قرسي
– الترجمة إلى العربية:
– ياصهيون ياذباح الخلق
– إن كنت تتبجح بقوة السلاح فلست ببالغ شيء
– أصبحت باديا للعيان بعد اختبائك
– ياهذا الذي يتم الأطفال وأبكى الأمهات
– موعدنا يوم تنقض عليك الفخاخ
– لا الهروب ولا الخدعة بمفديك
– أطلقت العنان للذئب ليستفرد بالماشية
– فقيدت السلوقي لئلا يزعجه
– إياك ثم إياك يوم يقبض عليك
– فلا الهروب ولا الخدعة تقيك
– ياصهيوني وياماسك السكين ويذبح (…)

    كان الفن المغربي، في شقه الملتزم، بالتعبير الشائع، في لجة الصراع السياسي، وما يتعلق بالقضية الفلسطينية، باعتبارها قضية وطنية وعربية وإسلامية وإنسانية. والفن كما نعرف جميعا لايقدم مواقف سياسية جاهزة من القضايا التي يتناولها، ولو كانت ذات طبيعة سياسية. بل ينفذ إلى عمقها الإنساني، ليستخرج منها الأبعاد الإنسانية والقيمية المطلقة، والتي يتشاركها الناس جميعا، بعيدا عن زوايا النظر ذات المنحى الاعتقادي أو الأيديولوجي أو السياسي المباشر. لذا تظهر قضية فلسطين في أغاني ناس الغيوان وفي أغاني إزنزارن، باعتبارها قضية إنسانية، وباعتبار ( الصهيوني) حالة غير إنسانية. لذا ليس غريبا أن يرد في أغنية الغيوان وإزنزارن، الغناء عن الأطفال، وعن اليتامى، وعن الأمهات!

    إن الفنان يعبر عن رؤية جمالية( كلية) منحازة للإنسان. هذه الرؤية التي يمكن تجريدها في إطار (رؤية معرفية)، و( نموذج إدراكي)، و( مفاهيم تفسيرية). وهو ما أنجزه المفكر عبد الوهاب المسيري، في تحويله ( إسرائيل) من حالة سياسية وواقعية، إلى موضوع دراسة، من منظور معرفي وتحليلي. ونحتاج اليوم إلى هذا النموذج لفهم (ظاهرة إسرائيل)، وإلى تفكيكها، والخروج من المقاربات ( السياسوية) التجزيئية، التي تدمر الوعي المعرفي بالظاهرة، وتبث حالات الانكسار في النفوس، وتسقط العقل في حالات من التبرير والخجل والاضطراب، كما نراه ونتابعه اليوم، في حركة ووعي وسلوك الكثير من الإسلاميين، ممن اقتاتوا على القضية الفلسطينية، وبنوا مجدهم التنظيمي والأيديولوجي على جثث الأطفال والأمهات والأسر… ونراهم اليوم يعيشون حالة سقوط دراماتيكي سياسي شكلا، وأخلاقي عمقا.

    يجعلنا هذا السقوط المروع للمتاجرين بالقضية، ملزمين بالخروج من (سردية الإسلاميين) في النظر إلى ( إسرائيل)، باعتبارها سردية مخاتلة وأيديولوجية وغير تفسيرية وغير صادقة، إلى سردية معرفية، ذات ركائز في الإدراك، وفي الرؤية، وفي المفاهيم. وهو ماقدمه بنظرنا عبد الوهاب المسيري.

(يتبع).

Abdeslam Hakkar

عبد السلام حكار مدير الموقع وصحفي منذ 1998 عضو مؤسس بالتنسيقية الوطنية للصحافة والإعلام الإلكتروني

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى