أخبار الدار البيضاءالتاريخالواجهة

نبذة عن تاريخ حي الأحباس (الحبوس) بالدار البيضاء / الحبوس .. ولادة تاريخ خالد

    في 13 من شهر مارس سنة 1917 وقع السلطان ’’مولاي يوسف’’ على عقد شريف من خلاله سيتم تفويت الأراضي المسماة ’’بحاير لكرازم’’ إلى إدارة الأحباس .

    هبة على هذه الشاكلة و التي تبلغ 41600 متر مربع من طرف السيد ’’حاييم بن موشي بن دحان’’ وشركاؤه للسلطان , ستكون النواة الاساسية و التي من خلالها سيرى القصر الملكي النور بإشراف المهندسين المعماريين الاخوة Pertuzzio الايطاليين بداية من نفس السنة اي سنة 1917 , و الذي سيليه بعد ذلك بناء كل من ’’درب الحاجب التهامي’’ , ’’درب سيدنا’’ , ’’ درب الحبوس او الاحباس’’ ثم المحكمة او محكمة الباشا بإشراف كل من Edmon Brion و August Cadet هذا الاخير الذي سيصبح المشرف الوحيد على هذا الورش بعد سنة 1935 .

    بناء حي كحي الاحباس بجميع تلاوينه و مرافقه بالتدرج سيدوم منذ سنة 1918 حتى سنة 1955 , هذه المدة الطويلة لورش بهذا الحجم ستتطلب انفا شراء خمس هكتارات اخرى جديدة من لدن ’’ ورثة بن دحان’’ .
هذه المدينة الجديدة والتقليدية ان صح التعبير استطاعت هندسيا بفضل حنكة و خبرة مهندسيها ان تجمع بين ما هو اجتماعي مجتمعاتي حيث انها كانت موجهة اساسا لشريحة خاصة و محددة سلفا , وهي تلك الساكنة ذات الدخل المتواضع و المحدود , ثم ثقافيا وهندسيا حيث ان الشكل الهندسي الفريد لساحاتها و محلاتها المنظمة و المنتظمة و دروبها العجيبة التي عند ارتيادها او التجول بجنباتها تضفي لدى الزائر طابع التيه لشكل المتاهة في ازقتها , الذي تميزت و تتميز به اغلب مدن المغرب العتيقة .

    دروب شبيهة بالمتاهات , ساحات صغيرة و منازل منغلقة على نفسها على الطريقة المغربية العتيقة لهذا الحي و ان صح التعبير هذه المدينة المصغرة و التي احترمت الطابع المحافظ لعائلات المغرب , الحبوس وكما أريد له ان يكون هو حقا قطعة من الزمكان فيها الحياة تنتظم شذرتها بطريقة اصلية اصيلة و فريدة .

حي الأحباس : 1918- 1950 , فترة طويلة .. لحي اسطوري ..

    يقع في المنطقة الجنوبية لمدينة الدار البيضاء , هذا الحي ليس وليد الصدفة و انما جاء نتاج فكرة صاغها ’’ صامويل بيارني’’ samuel Biarney مدير ادارة الاحباس في سنة 1916 بالموازاة مع المخطط الحضاري الاول الذي وضعه Henri Prost للمدينة البيضاء بداية منذ سنة 1915 .

    يأتي هذا الحي ضمن الفكرة المؤسسة للتوسع الديمغرافي الذي بدأت تعرفه مدينة الدار البيضاء في اتجاهات متعددة و خاصة المنطقة الجنوبية و المسماة آنذاك Fort Provost الي كانت اساسا تشمل العديد من مخيمات الاسرى الالمان بعيد الحرب العالمية الاولى ,موقع يقع خارج نطاق الشارع الدائري انذاك و المسمى حاليا ’’ شارع المقاومة’’ .

    موقع حي الاحباس هو موقع فريد من نوعه من الناحية الجغرافية للمدينة حيث انه يقع على هضبة ’’ مرس السلطان’’ و محاد للطريق الوطنية ’’ طريق مديونة’’ و لخط السكك الحديدية, نشير ايضا ان الاراضي التي خصصت لبناء هذا لحي , كانت في ملكية تاجر يهودي غني , يدعى ’’حاييم بن دحان ’’ و صديقا ل ’’صامويل بيارني’’ قدمت في شكل هبة للسلطان آنذاك ’’مولاي يوسف’’.

    بعد هذه الهبة , السلطان مولاي يوسف سيأمر بتقسيم هذه الاراضي ذات 41600 متر مربع الى اربع تجزئات متفاوتة الكبر بحيث ان الاولى ستخصص لبناء قصر ملكي وهو الموجود الى يومنا هذا, الثانية والمسماة ‘’درب سيدنا’’ خصصت لإيواء اليد العاملة بالقصر والثالثة التي ستسمى فيما بعد ‘’درب الحاجب التهامي’’ والمخصصة ايضا لعمال القصر و التي سيتم هدمها في بداية سنوات الثمانينات من القرن الماضي في اطار التوسعة و الصيانة التي شهدها القصر الملكي و هي المنطقة التي عوضت بحدائق القصر الملكي حاليا بمساحة تبلغ اربعة هكتارات ثم اخيرا المنطقة الرابعة و هي حي الاحباس او حي الحبوس كما يصطلح عليه لدى كافة البيضاويين.

    بداية منذ سنة 1916 سيكلف Henri Prost المكلف بالتخطيط الحضري في عهد الحماية الفرنسية بالمغرب , المهندس المعماري Albert LAPRADE لوضع مخطط خاص لحي الحبوس, هذا الشيء الذي لم يكتمل مما ادى الى اسناد المهمة بعده لمهندسيين فرنسيين شابين هما A.Cadet و E.Brion , لإنجاز مخطط متكامل يتوفر على كل المرافق الضرورية لحي يتميز بجواره للقصر الملكي و بخصوصيات فريدة تجمع بين الثقافة العربية الاسلامية المتجلية في شكل الهندسة المعمارية المعتمدة بالإضافة الى مظاهر التحضر و التمدن النادرة في فترة بداية القرن العشرين من ماء صالح للشرب بالمنازل و قنوات الصرف الصحي ومحاولة تطوير ذلك وانجاحه على اكمل وجه خلال التوسع المستمر الذي عرفه حي الاحباس على فترة تجاوزت الثلاثين سنة من البناء و التشييد.

    نتيجة التطور الاقتصادي والديمغرافي السريع الذي كانت تعرفه مدينة كمدينة الدار البيضاء , اصبح لزاما ايجاد حلول هي بالأساس لإيواء ساكنة دور الصفيح التي كانت تنتشر بسرعة ضوئية على الجنبات الهامشية للمدينة, فرغم ذلك سيعرف الحي تنافسا قويا للفوز بإحدى المنازل ليس فقط لما خطط له من اجل ساكنة دور الصفيح المعوزة, ولكن حتى من طرف اغنياء وتجار المدينة من عائلات فاسية, رباطية او نظيراتها خاصة لهوسها بدقة الهندسة المعمارية التي نجح في ابراز مميزاتها كل من A.Cadet و E.Brion لما تحترمه مخططاتهما لخصوصيات العائلات المغربية العريقة على شاكلة المدن العتيقة بفاس, مراكش, الرباط و سلا ومدن اخرى عديدة, الشيء الذي يجمع بين ما هو اصيل ومعاصر في نفس الآن و اللحظة .

القصر الملكي :

Louis-Paul et Félix-Joseph Pertuzziio 1917
Jean-Claude Nicolas Forestier pour le jardin andalou

    على جنبات حي الاحباس تقع البناية الاهم لهضبة مرس السلطان , و هي القصر الملكي المشيد بداية من سنة 1917 من طرف الاخوة Pertuzzio , اضافة لمجموعة من الحدائق ذات الطابع الاندلسي بإشراف خبير الحدائق Jean-Claude Nicolas Forestier هو ما اعطى للقصر الملكي اولوية واضحة ومحترمة جدا مقارنة مع باقي البنايات المشيدة في هذه المدينة الجديدة او حي الاحباس.

    يعتبر قصر الاحباس اليوم الاقامة الثانوية للملك بعد الاقامة الرئيسية بالرباط حيث قد عرف استقبال مجموعة من الشخصيات المهمة عالميا من رؤساء دول و شخصيات دولية شهيرة , ليكون اهم حدث عرفه هذا القصر هو استقبال البابا Jean-Paul II سنة 1985 من طرف الملك المغفور له الحسن الثاني.

المسجد اليوسفي ( مسجد مولاي يوسف ) A.Cadet & E.Brion 1921 :
المسجد اليوسفي اكثر من مجرد مسجد ..

    لبناء مدينة جديدة والتي تشتمل على طعم خاص تمثل في حي كحي الاحباس الشيء الذي اعطى الفرصة لسلاطين مغرب القرن العشرين لإعادة امجاد العمران للعائلات المتعاقبة على حكم المغرب من موحدين ومرابطين وهلم جرا, من خلال اضفاء الطابع الديني للحي وذلك ببناء المساجد خاصة على شاكلة الموحدين .

    فالمسجد اليوسفي او مسجد مولاي يوسف الذي تم تدشينه سنة 1923 من طرف نفس السلطان الذي يحمل هذا المسجد اسمه.

    فما يعطي لهذا المسجد طعما و شكلا هندسيا خاصا هو صومعته الجميلة والتي هي ان لم نقل طبق اصل لصومعة مسجد الكتبية بمدينة مراكش حيث تحيل على عهد الموحدين الذي كان فيه العمران المغربي قد خالج الروعة والجمال والانفراد خاصة في طريقة بناء صومعات المساجد, ذلك انه في عرف العمران المغربي ان الصومعة هي اول و اهم ما يعطي للمسجد رونقه الخاص والفريد من خلال الزخارف وقوة جمال الصناعة التقليدية المغربية البحثة.

    محاولة تقليد صومعة الكتبية لم يكن ابدا وليد صدفة بالطبع, فالمسجد المشيد و القائم منذ سنة 1196 , كان A.Cadet قد قام بترميمه و هو ما جعله مرجعا له لانبهاره العميق والواضح بعد بناء مسجد كهذا, مسجد مولاي يوسف.

مسجد محمد بن يوسف (محمد الخامس) المسجد المحمدي 1934–1936 A.Cadet

    سنتان فقط كانتا كافيتين لتشييد مسجد محمد الخامس بشاكلته التقليدية و مساحته التي تصل ل 4210 متر مربع و المشابهة الى حد كبير لمسجد القرويين بمدينة فاس , فبعد تدشينه من طرف السلطان الشاب في 12 من شهر يونيو 1936 , سيغدو اذن اكبر مسجد بالمدينة البيضاء هو ما سيقمع توهج المسجد المجاور له اي مسجد اليوسفي هذا المسجد الذي كانت له مكانته في قلوب سكان الحي و سكان مدينة الدار البيضاء خاصة في الفترة الاولى للحماية الفرنسية بالمغرب.

    فلتشييد هذه التحفة المعمارية كان ل A.Cadet مرة اخرى ضرورة ان ينهل من ارث الموحدين خاصة لتميز هذا العصر من تألق و سمو في بناء المساجد.

    ونشير خاصة ان صومعة هذا المسجد الفريد صراحة لا من الناحية المعمارية او الجمالية التي وظف خلاله المهندس A.Cadet جل تقنيات الزليج والنقش و الجبس التي تتميز به الصناعة التقليدية المغربية, خاصة في صومعة يصل طولها ل 56 متر اي الاطول والاجمل مقارنة مع صومعة مسجد مولاي يوسف المجاور, على بعد بضع عشرات امتار فقط.

    سنوات بعد ذلك سيصبح مسجد محمد الخامس او المسجد المحمدي, القبلة الاساسية و الخاصة للمصلين نظرا لجمال زخرفته وقيمة العلماء الذين كانوا يرتادونه و يؤمون الناس فيه في الصلوات الخمس او حتى في خطب ايام الجمعة ايضا على مدار السنة.

محكمة الباشا , الدار البيضاء (حي الأحباس) :

    تعتبر المحكمة بمثابة البناية الاساسية و الاكثر قيمة لحي الحبوس , فمن جهة لكبرها مما تتميز به من اسقف هرمية سداسية او رباعية الشكل بالزليج المغربي التقليدي الأخضر الاصيل , ومن جهة اخرى للمسة الخاصة العربية الاندلسية لكل بهو ولكل قاعة استقبال بها , بل وحتى القاعات الاخرى المصطفة والمجتمعة بصورة مثالية محيلة على تاريخ الحضارة العربية الاسلامية بالأندلس.

    محكمة الباشا بحي الاحباس في جعبة تاريخها العديد من الخصائص , فهي البناية الوحيدة في عهد الحماية الفرنسية بالمغرب التي فتح ورشها للبناء خلال الحرب العالمية الثانية , فإحدى عشرة سنة كانت كافية ل A.Cadet لإنجاز هذه التحفة الفنية العجيبة.

    تجدر الاشارة ايضا انه في فترة حرجة كفترة الحرب العالمية الثانية , و نظرا لشح وفرة المواد الاولوية للبناء من قبيل الحديد و الاسمنت , سيقرر A.Cadet خوض عباب المغامرة و طرق غمار التحدي لبناء هذه البناية بطريقة جد تقليدية وذلك بمواد بناء تقليدية محلية لكن بنوعية جد ممتازة : كالحجر الصلب الاصفر من منطقة بن سليمان او بوسكورة , الزليج و القرمود من مدينة فاس , الرخام ايضا من واد يقم , خشب شجر العرعار من غابات اتزر وخنيفرة, جبس مدينة اسفي و مواد متنوعة اخرى من شتى ربوع البلاد …

    محكمة الباشا كان خلالها A.Cadet المهندس المعماري بالمعنى والمدلول الحرفي للكلمة حيث انه كان مايسترو فريق العمل بكل تجلياته واشكاله وخصوصياته والشيء الذي يميزه انه استقطب ‘’لمعلمين’’ المغاربة من فاس و مراكش واسفي و مدن اخرى عديدة مكونين فريقا من العمال التقليديين عملوا معا لمدة طويلة جدا وصلت لثلاثين سنة و نيف.

    حتى لا ننسى فالهدف الاساسي من بناء هذه البناية التي قل ما يمكن القول عنها او وصفها هو انها ‘’حقا تحفة معمارية فريدة من نوعها ‘’, لكي تكون محكمة للمسلمين المغاربة للفصل بينهم في امور دنياهم , ومقرا لاستقبال الشخصيات من طرف باشا الدار البيضاء معوضة بذلك محكمة دار المشور بالمدينة القديمة و التي اصبحت ضئيلة الطاقة الاستيعابية .

    محكمة الباشا حاليا هي بناية تضم واحدة من عمالات الدار البيضاء الثمانية, مقر مجلس “جهة الدار البيضاء سطات” بالإضافة الى مكتب المشور التابع للقصر الملكي.
=======================
المراجع المعتمدة :
· Cadet.A, 1953, La Mahkama de Casablanca, Hartmann.
· Fawzi ABDELLATIF, «Vous reprendrez bien un peu de Habous ?» Trenches de vie et d’hier et d’aujourd’hui recueillies au quartier Habous.
· MEEFFRE G., DELGADO B., 2009, L’architecture marocaine du Xxéme siècle, Edmond Brion et Auguste Cadet, Senso Unico.
· Carnet de bord_HABOUS 2015.

Abdeslam Hakkar

عبد السلام حكار مدير الموقع وصحفي منذ 1998 عضو مؤسس بالتنسيقية الوطنية للصحافة والإعلام الإلكتروني

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى