الواجهة

وادي زم: يسألونك بأي ذنب قتلت؟

محمد صمري أبو ريحانة*
(حقا لا نعلم من باع تضحيات المدينة ؛ولكن رأينا من دفع الثمن وكوفئ بالخصي؛ ومع اقتراب كل يوم من 20 غشت يكبر فينا الألم، وتتمدد ظلال الضيم ،ويتسرب الوقت من بين أيدينا هباء منثورا ،وتنجذب نفوسنا كالممسوسين لاجترار حكايات الخيانة فنذكر الله قعودا وجلوسا وعلى جنوبنا غاضبين آسفين من هول المصاب ونعزي انفسنا بكرة وأصيلا…..) في الصيف تضيق المنازل ،ويستعين السكان بفضائل الصبر،التاريخ يتململ تحت سماء المدينة،شمس جحيمية راجفة ترشح فوق الأسطح، الشوارع مقفرة وكل المساحات مفتوحة للألم بملامح هادئة لاتدل على ضجة الحياة…..يحصدون مواسم أعمارهم على شرفات الوقت المائلة، ذهب الزمان بضوئهم، واصفرت الأعمار في جرات الوقت تغزل من يأسها أحلاما بلا أجنحة …دمع و وجع وغضب.
الدماء في هذه المدينة رخيصة مثل السجائر المهربة،مدينة لها لون الغمامة الخريفية،جسد من نور في سبحة من عقيق كريستاني تهشم فيها ظل التاريخ المصبوب في الافاق أشلاء لتتعفن فصول الحياة وتلمع لالئ العطش ويخبو وجهها المطري في بساتين الغياب والاغتيال…..
وادي زم وضعت في مناقير التاريخ عناوين الخيانة،واختفى صيتها كالصدى في السفوح، تركض من وجعها على ضفاف الملح والصبار بدموع يائسة متكئة على مجاديف الفطام وصرخة الروح المطحونة، مدورة كحدوة بغل يقضم الخطى على رابية كئيبة…كقطعة فضة صك عليها التاريخ صورة شهيد مغدور،انزلق زمن النصر من بين يديه وكوفئ بالخصي…
في وادي زم تنبلج الأفجار مصفرة من عراريم الفوسفاط، ناصبة شراك الموت فوق أرصفة المدينة الجاثية في الأغبرة….منازل ودكاكين و بيوت جانحة تشرف على الغرق بأسماء كالجراح، كل باب وكل عتبة تعانق ألما عميقا، شبابها طحالب وو ليمة للبحر والاصداف و زءام السجون ذكراهم تحبو على سيقان الصمت والغياب على اشواك الخلاء وسهول وضفاف الرماد بعظام
مطقطقة مهروسة في زوارق التكشيرة الأخيرة….
وادي زم الحبيبة التي فقدت مباهج الفرح وهسهات مهاميزه ….شوارعك تعج بالخطى العجولة وبالثرثرات المنثورة على الممرات و الأدراج متدثرة بالسطوة النبيلة للأضرحة الوديعة الباردة الواهنة التي تأسر الكثير من الهرطقة على أغطيتها المرصعة لكل الهاربين من شقاوة الحر والزلط والصراصير ..يرتكنون و يتأبطن قماشه الأخضر ويغزلن فتنة القول تحت رائحة الذبائح وصدى الأدعية التي تلوح في صمت مهادن معتم، يستمرئ العابر تلك النداءات المبللة بالتعب والمغفرة والحلم النائم
على أرض جهمة تقبع فيها أضرحة تنفد من قبتها أشعة تفرش المكان ببقع شوهاء من الضوء تغازل خيوط ابخرة متوهجة شاردة كبهاء رخامي يحمل على جناحيه نفحات من أرواح متمردة اغرقت رؤوسها ذات يوم في صدر حجارته وأغبرته….
وادي زم يا ملكة المقاومة …
ياشرارة البداية
ياسيدة المقاومة وذاكرة المنتهى
يازناد الحرية….ياحديقة الموت
تبْر الموت انت عافه الحناطون
زهرة الجلنار داستها أقدام القوادين والنصابين
والزطاطين…
ياسيدة السروج و الزناد والبارود والصيحة الأخيرة ..
انت والله معنى معاني التضحية
ياقوس الشموس القزحية الراقدة على جسور
التاريخ…
ياراقدة في رماد التاريخ ومنافي الجغرافيا
في رمادك نامت الحكايا والتعاويد
يا نجمة شاردة في غبش الأفجار و سموات الحكايات..
انفخي في ترابنا ،واخرجي من كفن السؤال
وفروة الصمت المهادن.
فانت الختام وأم دم الأحرار وانتقاشة في مرآة التاريخ.
فدماء شهدائك الفوار امانة تصدعت منها الجبال
والدمع من جفن رجالك عزيز
وادي زم مدينة لم تعد تكترث بالموت ولا تزعجها المفاجآت القادمة من المتوسط والمحيط ، فخيام العزاء منصوبة في كل الدروب والأزقة. قلوب تحجرت وآلفت
مراسيم الدفن، وادي زم ألبوم بالأبيض والأسود، جسد منهك يشرب نخب الذبول والصمت ،الناس شاحبون متعبون،هم ضحايا لحرب قديمة كانوا ابطالها وسادتها …هنا في ربوع وادي زم احتفال دائم بالأوجاع على إسفلت النسيان وأغبرة الفوسفاط تعض على أناملها من الغيظ ولم تعد تملك حتى شفتين للضحك على همها…
محمد صمري أبوريحانة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى