ثقافة وفنون ومؤلفات

عبد الله العروي والنَّقد الإيديولوجي.. 

إن المُتتبِّع للمشروع الفكري والنقدي للدكتور عبد الله العروي، والذي وضع لبِناته الأولى منذ منتصف ستينات القرن الماضي في كتاب “الإيديولوجيا العربية المعاصرة”، يُدرِك أن السؤال المركزي الذي تدور حوله كل منجزه هو : كيف يمكن للفكر العربي أن يستوعب مكتسبات العقل الحديث ؟ والعقل الحديث عنده هو تلك المنجزات الفكرية و العلمية التي ظهرت في أوروبا منذ عصر النهضة.

إن الأرضية الصلبة التي يقف عليها هذا المشروع تكمن في المرجعية التاريخية التي ينطلق منها في كل أطروحاته. حيث قام بقراءة شاملة للتاريخ العالمي مقارِناً به التاريخ المحلي، مدعِّماً تلك القراءة بمنظور فلسفي من خلال اطلاعه العميق على الإنتاجات الفلسفية الغربية من عصر النهضة إلى عصر الأنوار مارّاً بالقرن التاسع عشر وما طبعه من فلسفة ألمانية، لعبت دوراً كبيراً في تكوين جزء من تصورات خاصة فلسفة كل من هيجل وكارل ماركس.

يمثِّل كتاب “الإيديولوجيا العربية المعاصرة” أحد أهم وأقوى الكتب المؤسِّسة للفكر العربي المعاصر، حيث مارس فيه نقداً جذرياً لمكونات الفكر العربي، مفكِّكاً أنظمته الفكرية الرئيسية ( الإيديولوجيات ) وهي “السلفية” التي يمثلها الشيخ، و “الليبرالية” التي يمثلها رجل السياسة، و “التقنية” التي يمثلها الداعية التكنوقراطي. مبيناً بأن كل نظام فكري يستوحي دوراً من أدوار التاريخ الغربي الحديث. مشيراً إلى أن الإيديولوجيا مبثوثة في كل برامج الفئات العربية، وفي تطلعات الأفراد وممارساتهم، لكنها تفتقد إلى الانسجام العضوي، فحاول أن يجمع ذلك الشتات ويبين بأن سبب إخفاق السياسات الإصلاحية في الساحة العربية راجع إلى تجزئة التراث الغربي واختيار جزء دون جزء حسب الظروف. وللخروج من هذا المأزق ينبغي التسلح بالنظرة الشمولية إلى الغرب وليس التعامل معه برؤية انتقائية تجزيئية.

يقول العروي : “إن الدور التاريخي الغربي الممتد من عصر النهضة إلى الثورة الصناعية هو المرجع الوحيد للمفاهيم التي تشيَّد على ضوئها السياسات الثورية الرامية إلى إخراج

البلاد غير الأوربية من أوضاع وسطوية ( نسبة إلى العصر الوسيط ) مترهلة، إلى أوضاع صناعية حديثة. ليست هذه الفرضية فكرة مسبقة، بل نتيجة استطلاع الواقع التاريخي.

هكذا نتبين أن النقد الإيديولوجي عند العروي يهدف بالدرجة الأولى إلى تحديث العقل العربي، والخروج به من عصور الاتكالية والخرافة و النظرة اللاتاريخية واللاعقلية للأشياء. وتحديث العقل هو ضرورة يكشف عنها منطق التاريخ، ذلك الذي تكون فيه الماركسية التاريخانية هي المعلم الأمين الذي ينير للمثقف العربي دروب السبيل

القطيعة الابستمولوجية (رحلة مفهوم بين العلم والثقافة)، دار داتول للنشر، سوريا.

في النقدالايديولوجي

عبدالله العروي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى