أزلو محمد يكتب:الرقابة على الحريات: متى تصبح ضرورة؟

تُعتبر الحريات الفردية والجماعية من الركائز الأساسية لأي مجتمع ديمقراطي، حيث تشكل حقًا مكفولًا ومضمونًا في معظم الدساتير والمواثيق الدولية. ومع ذلك، يثار دائمًا تساؤل جدلي حول الحدود التي تنتهي عندها الحرية الشخصية وتبدأ فيها الرقابة، ومتى يمكن للمجتمع أو الدولة أن تتدخل لتقييد الحريات تحت مبررات مثل الأمن القومي أو حماية القيم الاجتماعية.
الحرية ليست مطلقة، بل تأتي دائمًا مقرونة بالمسؤولية. فحرية التعبير، على سبيل المثال، لا تعني الحق في نشر الكراهية أو التحريض على العنف. ومن هنا، تأتي الرقابة كوسيلة لضمان أن استخدام الحريات لا يتجاوز الحدود التي قد تضر بالمجتمع أو بأفراده.
لكن، السؤال المحوري هو: من يحدد تلك الحدود؟ وكيف يمكن ضمان عدم تحول الرقابة إلى أداة لقمع الأصوات المعارضة أو تقييد حرية الإبداع والتعبير؟
تلجأ الدول إلى الرقابة في حالات استثنائية، مثل حالات الطوارئ أو الأزمات الأمنية. على سبيل المثال، قد تُفرض الرقابة على وسائل الإعلام أثناء الحروب للحفاظ على سرية المعلومات ذات الطابع العسكري. كذلك، تُستخدم الرقابة أحيانًا لحماية القيم الأخلاقية والاجتماعية، مثل منع المواد الإباحية أو المحتوى الذي يروج للعنف.
ومع ذلك، قد تتحول الرقابة إلى أداة قمعية إذا استُخدمت بشكل مفرط أو دون ضوابط قانونية واضحة. على سبيل المثال، في بعض الأنظمة الاستبدادية، تُستخدم الرقابة لمنع أي صوت معارض أو لمحاربة حرية الصحافة، مما يؤدي إلى تكميم الأفواه وضياع حقوق الأفراد في التعبير عن آرائهم.
في عصر الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي، أصبحت الرقابة أكثر تعقيدًا. فبينما تُعتبر هذه المنصات فضاءً مفتوحًا للتعبير، فإنها قد تُستغل أيضًا لنشر الإشاعات أو خطاب الكراهية . نتيجة لذلك، لجأت العديد من الدول إلى سن قوانين لتنظيم محتوى الإنترنت، ما أثار جدلًا واسعًا بين من يعتبر هذا التنظيم ضرورة لحماية المجتمع، ومن يراه تعديًا على الحريات الشخصية.
كيف نوازن بين الحرية والرقابة؟
لتحقيق التوازن بين الحرية والرقابة، يجب أن تكون الرقابة محكومة بضوابط قانونية واضحة، وتخضع لرقابة مستقلة لضمان عدم استخدامها بشكل تعسفي. كما يجب أن تكون هناك شفافية في القرارات المتعلقة بالرقابة، مع توفير آليات تتيح للأفراد الطعن فيها إذا شعروا بالظلم.
علاوة على ذلك، يجب أن تتبنى المجتمعات ثقافة الحوار والتوعية بأهمية استخدام الحريات بشكل مسؤول، بحيث يصبح الأفراد مشاركين في الحفاظ على القيم المجتمعية دون الحاجة إلى التدخل المفرط من قبل السلطات.
الرقابة على الحريات قضية حساسة ومعقدة، تتطلب توازنًا دقيقًا بين حماية حقوق الأفراد وضمان أمن المجتمع. وبينما قد تكون الرقابة ضرورة في بعض الحالات، إلا أنه يجب أن تظل استثناءً وليس قاعدة، مع التأكيد على أن الحرية هي الأصل، والرقابة هي الاستثناء الذي لا يُستخدم إلا في أضيق الحدود.