لحظة تأمل

العميد حسن المولوع : حان وقت الرحيل ..

الحمد لله على ما كان، وعلى ما سيكون، وعلى ما لا يكون…

أيها الأحبة،

أكتب إليكم اليوم، وقلبي تائه بين غصّات الواقع وخيبات الرجاء، بعد أن نازعتني الأيام، وتكالبت عليّ الهموم من كل صوب وحدب، حتى ضاقت عليّ الأرض بما رحبت، وآن أوان الوداع.

سأرحل… نعم، سأُعلن اعتزالي مهنة الصحافة، رغم أني ما زلت في باكورة الطريق، وما شبعت بعدُ من حبر الحكايات، ولا هدأت في قلبي جذوة السؤال.

قد يسأل سائل: أهو استسلام؟ فأقول: نعم، هو استسلام… لكنه ليس جبنا، حاشا لله، فمن عرفني علم أني لم أكن يوما جبانا، ولكني استسلمت لقدر أكبر مني، لواقع لا يرحم، لحصار لا يُرى، لكنه يخنق.

أخاف السجن؟

نعم، والله، أخاف السجن… ولستُ ممن يلبسون الأقنعة ويدّعون الصمود الخرافي.
مهنتنا، التي عشقتها حدّ العمى، صارت تلتهم أبناءها بلا رحمة، تُغلق الأبواب، وتكسر الأقلام، وتكمّم الأفواه، وتتركك وحيدا، عاريا من كل سند، إلا من إيمانك.

كنت على وشك خوض إضراب عن الطعام، لكني تراجعت…
لأنه لا شيء في هذه الحياة يستحق أن أخاطر بروحي، أو أن أخسر صحتي، لأجل مهنة لم تُنصفني، بل حاصرتني، واتهمتني، وطاردتني كأنني خطر على الدولة، وأنا لا أملك سوى نعمة من الله اسمها: الكتابة.

تعبت من الطرق المسدودة، ومن الأحلام المؤجلة، ومن وطن لا يعترف إلا بالأقوياء أو المدجَّنين.
أنا إنسان بسيط، ابن عائلة فقيرة، زرعت فيّ الأمل، وسقتني بالصبر، حتى حلمت أن أكون ذا قيمة… لكن يبدو أن الواقع كانت له نوايا أخرى.

أبي… ذلك الشيخ الوقور، ما زال يقول لي كل صباح : “أريد أن أفرح بأبنائك، يا حسن…”
ويكفيني هذا وحده، لأشعر بأن قلبي يتمزق.

لا بأس، فما عاد في القلب متسع للحزن. لقد أغلقت الأبواب، وانتهى الكلام، وأملي بعد الله أن أجد لي سبيلا في حياة أخرى، تسترني وتُشعرني بالأمان.

أعتذر من قرائي الكرام… فـ”فوق طاقتك لا تُلام”
وأعتذر من كل من أساءت إليه كلماتي من غير قصد، فوالله، ما تعمّدت أذى أحد، وما نشرت إلا ما ظننته حقا.

أعتذر حتى من نفسي…
لأني دفعتها نحو نار لا تطفأ، ووقفت بها على أعتاب المستحيل.

أحبتي،
كل المهن شريفة، وما أنا بخيرٍ من البائع المتجول، ولا من ماسح الأحذية، ولا من نادل المقهى.
فالكرامة لا تُقاس بالمهنة، بل بالقلب الذي لا يخون، وبالضمير الذي لا ينام.

لن تغرّني بعد اليوم صفةٌ مهنية، ولا بريق منصب، ولا زيف “البرستيج”.
سأعود كما بدأت: بسيطا، شريفا، محبّا… متوكلاً على رب كريم، لا يضيع عنده تعب ولا دمع.

إلى كل من رأى فيَّ مشروع صحفي محترف، شكري الخالص، وحبي العميق.
وإلى الصحافة التي أحببتها ولم تبادلني الحب، أقول:
سلامٌ عليكِ، يوم دخلتُك بشغف، ويوم خرجتُ منك بوجع، ويوم أُبعث يوما، فلا أكون فيها من الخاسرين.

وفي الختام ..
اللهم اجعل لي من هذا المخرج مدخل صدق، واكتب لي بعد التعب راحة، وبعد الضياع طريقا، وبعد الانكسار عزة، فأنت الرحمن الرحيم، وأنت أعلم بما في الصدور.

وإنا إلى الله راجعون.. العميد حسن المولوع

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى