حين يُقصى الإعلام… وتُستبدل الصحافة بصفحة فيسبوك!

في مشهد يبعث على الذهول أكثر مما يثير الاستغراب، فوجئ الوسط الإعلامي بإقليم الجديدة، بإقصاء تام لممثلي الصحافة المحلية والوطنية من تغطية فعاليات “أسبوع البيئة”، الذي نظمته جمعية دكالة بإحدى المنتجعات السياحية، ما بين 17 و21 يونيو، والذي حضره عامل الإقليم شخصيًا إلى جانب وفد رسمي.
لم تُوجَّه أي دعوة للصحفيين المعتمدين. لم يُفتح أي باب للتواصل. لم تُصدر أي جهة بلاغًا يوضح طبيعة التغطية الإعلامية. لكن المفاجأة الأكبر كانت في أن “مهمة التغطية الرسمية” أوكلت بالكامل إلى شخص واحد لا تربطه أدنى علاقة بمهنة الصحافة، ولا يحمل بطاقة مهنية، بل يدير صفحة على موقع فيسبوك.
هل أصبحنا نعيش زمن “الإعلام الانتقائي”؟
هل نحتاج مستقبلاً إلى وساطة “فيسبوكية” حتى نحصل على حقنا في تغطية أنشطة عمومية يُشرف عليها ممثلو الدولة؟
هل يُعقل أن يُقصى الإعلام المهني لصالح صفحات شخصية تُمارس ما هو أقرب إلى التسويق الشخصي أكثر من الإعلام؟
ما حدث يُعد سابقة خطيرة، ويمثل انتكاسة حقيقية لقيم الشفافية والانفتاح والتواصل المؤسساتي، وهو ضرب صريح لمبدأ تكافؤ الفرص في الولوج إلى المعلومة، وإهانة واضحة لسلطة رابعة يُفترض أن تكون حاضرة كشريك أساسي، لا كمتفرج مغيب.
إن تفويض مهمة التغطية الرسمية لمنصات غير مهنية، يُفقد الحدث مصداقيته، ويطرح تساؤلات مقلقة حول المعايير التي تعتمدها بعض الجمعيات في انتقاء من يُرافقها إعلاميًا، وهل نحن أمام تفضيل “الصفحات المُطيعة” على “الأقلام المستقلة”؟
بل أكثر من ذلك، فإن بعض المتطفلين على المجال الفيسبوكي، أصبحوا أدوات لتشويش العلاقة بين الإعلاميين الحقيقيين، وزرع الفتنة عبر محتوى سطحي، يفتقر إلى المصداقية والاحتراف. هؤلاء لا يمثلون الصحافة، بل يسيئون لها وللحق العام.
إننا نرفض أن يتحول الإعلام إلى ملحق دعائي مفرغ من روحه، ونُدين هذا الإقصاء الصارخ الذي يُشكل سابقة لا يمكن المرور عليها مرور الكرام.
نعم، هناك من يدير صفحات محترمة بمهنية عالية وبدون خلفيات، وهم زملاء نحترمهم ونعتبرهم شركاء في المشهد الإعلامي. لكن هناك فرق شاسع بين من ينقل الحدث باحترام أخلاقيات المهنة، ومن “يتسلل” إلى مواقع الأحداث تحت عباءة القرابة أو المجاملة، ثم يخرج ليقدم محتوى لا يليق حتى بمدونة شخصية.
نقولها بوضوح:
تهميش الإعلام المحلي هو تهميش للمجتمع.
وإقصاء الصحافة الحرة هو إقصاء للحقيقة.
ومن لا يعترف بدور الصحفي، فليتحمل تبعات الغياب… والفضيحة.
ننتظر من جمعية دكالة توضيحًا رسميًا.
ننتظر تصحيحًا لهذا المسار الخاطئ.
وننتظر من الفاعلين أن يدركوا أن الإعلام ليس زينة بروتوكولية، بل شريك استراتيجي في التنمية، وفي كشف الحقائق.