
بقلم : الدكتور محمد الوادي
كثيرة هي مقترحات مداخل وقراءات المسرح المغربي التي تتغيا طرح أسئلة تتعلق بالتجربة / التجارب الدرامية. هذه المداخل والقراءات ترصد، أول ما ترصد، البعد التاريخي المرتبط أساسا بالمسيرة التطورية للنص المسرحي كفعل للكتابة، وكقائم مقام الإنجاز الدرامي ككل. هذا إجراء لا يخلو من هفوات. لأن فعل التأريخ لظاهرة ما لا ينبغي أن يقتصر على ركن واحد، أو مكون واحد من المكونات. بهذا المعنى فهذه القراءات إنما هي قراءات الانشقاق والنقصان،كما يسميها محمد بنيس.
هذه القراءات قد تخفي عنا الصورة الحقيقية للمسرح المغربي الذي لا تبتعد عنا بدايته
بمسافات زمنية طويلة، ولا ينتمي إلى تربة جغرافية نائية. ومع ذلك قد تضله عنا، أو تضلنا عنه هذه القراءات التي لم تغط بعد الحقل المشتغل فيه وعليه، ولم تلامس بعد كل مكوناته. وهي في طور استكشاف مسافاته، وقضاياه، وتيماته. ولذلك فهذه القراءات – وإن بدت كثيرة- فهي قليلة جدا، بالقياس مع حجم ما يقدم في هذا الميدان.
المسرح المغربي يغري بالقراءة، وهو ما دفع بالعديد من الأدباء والنقاد المشتغلين بالنقد الروائي، والشعري، والقصصي، ونقد النقد إلى الاهتمام به، والافتتان بحرائقه، وقاراته، وجزره الممتدة الضاربة في عمق الذات البشرية. هؤلاء، أو على الأقل جلهم، وجدوا في فعل الفرجة ذاك الإشباع المفقود. وبناء على ذلك، وتطابقا مع تكوينهم الأدبي، جاءت قراءاتهم النقدية – في حقل المسرح- مطبوعة بنفحات أدبية، إذ لم يستطيعوا التخلص من الإرث الثقافي / الشعري والروائي. من هنا دافعوا عن أدبية النص المسرحي، كحالة فعل، لجر المسرح إلى حقلهم الأول.
فعل النقد المسرحي المغربي (الذي يبدو وكأنه فعل مغاير تماما، ضمن حقول ثقافية وفنية تكاد تكون متشابهة إذ لا فاصل شكلي، أو مضموني بينهما) يخلق لنفسه – عبر ممارسة متواترة- بعض الاتساع في مناخات خانقة، وأجواء متوترة. هذا المنحى المكتظ بالصبر، والاستمرار، والتميز هو الذي يعطي الانطباع بأن نقدنا المسرحي مقبل على خطوات، حتما، ستعزز دوره، وستغير شيئا ما من ملامح ثقافتنا الدرامية.
إن أي نقد مهما استقل، وتميز، وتفرد يبقى ملازما لمادته التي عليها يمارس اشتغاله. هذه الملازمة هي التي تخصب الحقل المدروس والمنتقد. وبالمقابل تبلور أدوات الاشتغال وتطورها، وتنميها حتى تصبح قادرة على التناول بالشكل المطلوب/ المحلوم به.
فعل، هذه هي خطواته، وهذا هو مطمحه، لا يمكن إلا أن يفرض وجوده، ويوطد حضوره، ويعلن عن نفسه كفعل مهووس بالتغيير، عاشق للتجاوز. لكن ليس أي تجاوز، بل التجاوز المؤسس على الاستلهام والاستيعاب.
في هذه الدراسات بسطنا مجموعة من القضايا النقدية والمسرحية والفكرية والجمالية في الآن نفسه، ولم نتقيد بفترة زمنية محددة، لأن الهاجس الذي حركنا هو الإشكالات التي لا تزال مطروحة إلى الآن، بنفس الزخم الذي طرحت به قبل أربعين سنة ونيف، وتستدعي أسىلة وأجوبة. إلى جانب هذه المعالجات النقدية كان علينا أن نقرأ بعض النماذج النقدية والإبداعية. نأمل أن يقدم، هذا المنجز، صورة عن الفعل النقدي المسرحي المغربي وانشغالاته، وكيفية اشتغاله على النصوص والعروض والقضايا المسرحية الكبرى.





