الواجهةمجرد رأي

هكذا جنت براقش على أهلها …!

    النهج الذي اعتمدته الدولة من سياسيات تجارب مخبرية في مجال التعليم بلغت الآن ذروتها . فمنذ إقالة حكومة المرحوم ع. الله إبراهيم ، و ما بعد حرب الصحراء الشرقية سنة 1963 و فرض حالة الإستناء ، و المنظومة التعليمية في البلاد تشكو من مطبات وانزلاقات … سنوات السبعينيات و الثمانينيات و التسعينيات ، إلى أن وصلنا إلى الحضيض بشهادة تقارير الأمم المتحدة و الواقع على الأرض ذاته ، حقيقة لا يتناطح بشأنها عنزان ، واقع مؤسسات التعليم العمومي غنية عن التعريف و هي تنطق باسمها في المجال الحضري و القروي على حد سواء .

    و رغم المسكنات و المهدئات التي وصفت في معالجة المرض الناخر العضال ، من مناظرات المجلس الأعلى للتعليم و منتديات اللجنة الوطنية للتعليم و قمم الإجتماعات و تدارس المخطط الإستعجالي و الخماسي … و اقتراح الحلول …. مناظرات و مجلس أعلى …، لم ينفع العلاج بالمهدئات … و ثبت فشله …

    مهدئات مسكنات، مسكرات لحظية ، سرعان ما ينتفي مفعولها و معها يزداد الداء مناعة ، بينما المطلوب كان آنذاك منذ اكتشاف الداء إستئصاله ، و لن يتأتى الإستئصال إلا بسن سياسات تستثمر في الإنسان كمنتج فاعل متفاعل له حرية المبادرة و اتخاذ القرار الصائب ، و ليس كآدمي قاصر أو سفيه أو معتوه وجب الحجر عليه .

    آنذاك أدركت أن السياسات التعليمية التي ٱنتهجتها الدولة وقتذاك ، سوف تؤدي إلى نتائج كارثية و هذا ما أصبحنا نكتوي بناره اليوم و الأجيال الصاعدة مستقبلا . كما أدركت أيضا أننا فوتنا فرصة سنغافورة إفريقيا و هونكونغ شمال غرب إفريقيا .

    حلم و عصر ذهبي وأدناه بأيدينا مقابل مصالح آنية ، لم يعمر طويلا وا أسفاه ، سوى لهنيهة رمق من حياة ، عصر مفكرين و أدباء و فنانين و زعماء سياسيين و خبراء إقتصاد … آنذاك ، تيقنت أننا كأمة و كدولة و كنظام أخلفنا موعدنا مع التاريخ ، بتفريطنا الممنهج في مجال الإستثمار في العنصر البشري بدل ما دأبنا على انتهاجه كاستحمار للإنسان ، فالإنسان هو العماد و التعليم ثم التعليم ثم التعليم ثلاث هو الأساس .

    من بين الأقوال المأثورة المخلدة للاستحمار في العنصر البشري و الإستثمار في نفس العنصر ، نستعرضها اليوم من خلال تصريحات أقوال رجالات خلدهم التاريخ كل بحسب منطق و منطلقه و توجهاتية المستقبلية و نظرته للأشياء و ما بدر منه من أقوال . و لننطلق من أقلها توهجا إلى أكثريتها المبتهجة بما اختارتها آسوبا و نبراسا في الحياة ، حياة أمة و شعب و دولة خدمة لمستقبل الأجيال المتعاقبة و ضمانا لاستمراريتها .

    المفكر العربي العراقي جلال عامر مثلا ، قال بأن الزراعة تسد الجوع و تؤمن الأمن الغذائي ، فيما الصناعة توفر الإحتياجات في سبيل تحقيق إستقلال الأمن الإقتصادي ، لكن التعليم يزرع و يصنع وطنا . فيما ذهب الرئيس الماليزي السيد مهاتير محمد إلى القول إنطلاقا من تجربته السياسية كقائد و زعيم نهظة ماليزيا الدولة المسلمة ، حيث صرح علنا بأن أول درس تعلمه من خلال تجربته في الحكم ، أن مشاكل الدول لا تنتهي لكن علاجها جميعا يمر بالضرورة عبر التعليم .

    في حين أن المفكر المصري غازي القصيبي فقد خلص إلى أن الطريق نحو التنمية يمر أولا عبر التعليم ، و ثانيا بالتعليم و ثالثا التعليم ، ليخلص في الأخير إلى أن التعليم باختصار هو الكلمة الأولى و البوابة الكبيرة في ملحمة التنمية البشرية المستدامة .

    أما الرئيس لي كوان يو أب و مؤسس النهضة السنغافورية ما بعيد إعلان استقلالها عن ماليزيا ، و بعفوية و بساطة معهودة و تواضع صرح (بأنه لم يقم بمعجزة في سنغافورة ، أنا فقط قمت بواجبي نحو وطني ، فخصصت موارد الدولة للتعليم و غيرت مكانة المعلمين من طبقة بائسة إلى أرقى طبقة في سنغافورة ، فالعلم هو من صنع المعجزة و هو من أنتج جيلا متواضعا يحب العلم و الأخلاق) . هنا بالضبط أستذكر الثورة الثقافية للزعيم الصيني ماو تسي تونغ و ما حققته و لا زالت جمهورية الصين .

    أما الفيلسوف الصيني كونفوشيوس و بمناسبة استحضارنا للتجربة الصينية و ما بلغته من رقي وازدهار في الوقت الحالي ، فقد انطلق من نظرته الفلسفية لطبيعة الأشياء و للمنطق حيث قال ( إذا كانت خطتك لعام واحد فازرع الأرز ، و إذا خطتك ل 10 أعوام فٱزرع الأشجار ، أما إذا كانت خطتك ل 100 عام فقم بتعليم الأطفال ) .

    و بين قول و قول جاء قول المفكر و الفيلسوف الأنجلوساكسوني إدوارد أيفرت ( التعليم يحمي البلاد أفضل بكثير من جيش مرابط ) ، أما الخبير في جودة التعليم بكوريا الجنوبية الدكتور فيكتور شيا ، فقد نقل عنه قوله ( لا توجد دولة في العالم تتحمل إنتاج جيل كامل دون تعليم جيد ، فهذا الجيل سيدمر الدولة داخليا لتتفتت من بعد و تفقد وجودها ، الشرق الأوسط أهمل التعليم … و ها هو الآن يدفع الثمن ). فيما ذهب جهبذ من جهابذة العرب و أظنه مالك بن نبي الى القول ( الأمة التي لا تقرأ تموت قبل أوانها ) .

    هنا بالضبط أريد طرح السؤال ، من أيهما نحن من كل هذا ؟ ، رغم علمي الأكيد و أنا جد متيقن من ذلك ، أن التبريرات و إسقاط الفشل و محاولات إلصاق الوزر بمن لا يتحمله و الهروب من تحمل التبعات ، سوف تكون السمة السائدة لتبرير الفشل و تمرير وعود وردية بعالم أفضل “دابا تزيان دبا تزيان / أو قد ما خيابت دابا تزيان / و قولوا العام زين / أو لن يصيبنا إلا ما كتب لنا …” ، بينما عين الحقيقة ما صدح به فيلسوف عصره ، و جهبذ من جهابذة الغوغائية السياسية و الأساليب الشعبوية حين قال علانية و في تصريح رسمي من باب مسؤوليته الحكومية كرئيس لها ( على الدولة المغربية أن ترفع يدها عن قطاع التعليم العمومي بالمغرب …!) .

    و ما أظنها أنا عبد ربه و من ورائي الكثير ثم الكثير فالكثير من العباد بأنها كانت زلة لسان أو كبوة حصان ، بل أم الحقائق تدمير التعليم و من بعده قطاع الصحة … هي أمور مدبرة و مؤامرة خبيثة حيكت خيوطها في دهاليز مظلمة ، لتطويع قطيع دواب ثنائية الحوافر الى أبد الآبدين ، الغرض الأسمى منها ضمان استمرارية و تهجين رعاع .

    زوار موقعنا الجديدة نيوز ، إلى هنا أستودعكم في حفظ الله على أمل اللقاء بكم في مقال آخر بحوله و مشيئته ، مع متمنياتي بالشفاء العاجل لكل مصابة و مصاب … و التعازي لكل مكلومة و مكلوم بفقدان عزيزة و عزيز …

عبد السلام حكار

عبد السلام حكار مدير الموقع وصحفي منذ 1998 عضو مؤسس بالتنسيقية الوطنية للصحافة والإعلام الإلكتروني

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى