
أبو نضال
خلال الشهر الفضيل ، طلب عامل إقليم الجديدة طبقا للمادة 37 من القانون التنظيمي رقم 113.14 المتعلق بالجماعات من رئيس جماعة الجديدة دعوة المجلس الجماعي للانعقاد في دورة استثنائية قصد التداول في أربعة اتفاقيات منها اتفاقية تهم تأهيل حديقة محمد الخامس و التي عنونت كالتالي:
4 ـ المصادقة على اتفاقية شراكة موضوع تهيئة وتأهيل حديقة محمد الخامس، والطريق الشاطئية المرتبطة بها بمدينة الجديدة.
و بالفعل انعقدت الدورة الاستثنائية لمجلس الجماعة و تم التصويت و اعتماد هذه الاتفاقية التي تم التصدير لها بديباجة تقول بان حديقة محمد الخامس تعتبر معلمة من معالم رمز الاستقلال الوطني . و موروث يجب ترتيبه ضمن التراث الوطني المغربي .لذا وجب الاهتمام بها و رد الاعتبار لها كمعلمة وطنية مغربية و متنفس طبيعي لساكنة الجديدة .و يضيف تصدير الاتفاقية بأنه تعزيزا للمجال السياحي لشاطئ المدينة سيتم خلق طريق شاطئية يزاوج بين الفضاء الأخضر و منتزه كورنيش المطل على المحيط الأطلسي و تسيير حركة المرور من خلال انسيابية حركة السير و الجولان وسط المدينة . و حددت الاتفاقية مكونات المشروع . في:
- انجاز الدراسات المعمارية و التقنية اللازمة.
- تهيئة الممرات و الفضاءات المتواجدة بحديقة محمد الخامس
- إعادة تهيئة المساحات الخضراء بها.
- الانارة و التجهيزات المتعلقة بها.
- تقوية فضاءات الترفيه للساكنة
- إعادة تهيئة السياج الواقي للحديقة و محيطها
- تهييئ الطريق الشاطئية
- كل ما من شأنه ان يساهم في إعادة تأهيل و رد الاعتبار لحديقة محمد الخامس و الطريق الشاطئية المرتبطة بها.
و وضع غلاف مالي قيمته 2,8 مليار سنتيم يساهم فيه المجلس الإقليمي للجديدة بمليار سنتيم أما الباقي فتتكفل به جماعة الجديدة التي ستشرف كذلك على الإنجاز.
و لمناقشة موضوع الاتفاقية لا بد في البداية من التقدم بالشكر لكل الذين فكروا في إعادة تأهيل هذه المعلمة التاريخية التي تحمل اسم شخصية لعبت دورا محوريا في معركة الاستقلال . و تم وضع مجسم للمغفور له محمد الخامس بعدما تم نزع الاسم الاستعماري للحديقة . و لم يكن يسمح بالجلوس في بداية الامر او الاقتراب من هذا المجسم حتى و لو لأخذ صور تذكارية . و بعد فترة من الإهمال تمت سرقة المجسم النحاسي لاب الوطنية المغربية . و نتفاعل إيجابا مع التصدير السالف الذكر الذي يؤكد على رد الاعتبار اليها كمعلمة وطنية و موروث يجب الحفاظ عليه. و حيث ان الشاطئ و الحديقة متلازمان من حيث كونهما يصبان في اطار الحفاظ على الموروث الثقافي فالاتفاقية في هذا الجانب قدمت خدمة تحسب لكل من ساهم او فكر في الحفاظ على هذا الإرث .
لما تم بناء المعالم و المنشآت الفرنسية الإدارية التي تخدم مصالح الحماية و المعمرين كان لا بد من بناء امكنة اللهو و الاستمتاع بملذات الحياة كذلك .فتم بناء الكازينو الذي تم تدميره مباشرة بعد بناء فندق مرحبا بعد الاستقلال . و تمت تهيئة شاطئ الجديدة بالصيغة التي نعرفها مند الصبا . وهنا أطرح السؤال: لماذا تم بناء اكشاك السياحة على طول الشاطئ ؟ و لماذا تم بناء منصة مقهى نجمة المحيط؟ علما انه كان بالإمكان عدم بناء هذه المنصة و لا الادراج التي تؤدي اليها من الجانبين ما دامت الحديقة و الشاطئ يقعان في نفس العلو عن مستوى سطح البحر.
و جوابا على التساؤل نقول بأن الذي قدم المخطط لبناء المنصة و الاكشاك لا بد و انه قام بدراسة ميدانية تستجيب للظروف المحيطة بالمنطقة . و اعتبر هذا البناء حاجزا لصد زوابع الرمال أيام الفصول الباردة حتى لا تصل الى الحديقة و تتلف الاحياء النباتية و الحيوانية (الاسماك) . و حماية للمنازل الموجودة بشارع محمد السادس و سكانها خصوصا المصابين بالربو .. علما ان الحديقة كانت تتزين إضافة الى العشب الأخضر بأنواع من الازهار و الورود ناهيك عن حوض الأسماك الذي لم يعد له اثر.
الأمر الثاني الذي جاء في الاتفاقية انشاء طريق شاطئية . و حسب تقديري فهذا يتعارض مع ديباجة الاتفاقية . لكون انشاء الطريق سيكلف هدم الاكشاك التي تعتبر موروثا ثقافيا . و ان تاريخ الحديقة يرتبط بتاريخ بناية هذه الاكشاك . ينضاف الى هذا كون الشاطئ يضيق بالمصطافين طيلة اليوم. و إذا حذفنا من طريق الراجلين مساحة لسير العربات فهذا حتما سيضيق الخناق على المصطافين و بالخصوص وقت مد البحر او وقت الهيجان . لن نتحدث عن الاختناق الذي ستحدثه السيارات حتى و ان كانت ممنوعة من الركن.
مسالة أخرى تتعارض مع شق الطريق ، إذ أن بين الاكشاك توجد المرافق الصحية من مراحيض و رشاشات . فهل تم التفكير في الحل ؟ الشاطئ في حاجة الى مرافق إضافية و ليس حذفها . و أن أي تلكؤ في هذا الجانب ستكون النتيجة خلال فصل الصيف كارثة بيئية بامتياز. و هذا هو الاختناق الحقيقي .
أما عن مشكل السير و الجولان فبالعودة الى التاريخ سنعلم انه خلال سبعينيات القرن الماضي كان مشكل الاختناق المروري مطروحا دائما خلال فصل الصيف . و من أجل حل المشكلة فقد كانت السلطات المكلفة بالسير و الجولان تمنع السيارات من الولوج الى شارع الجامعة العربية (شارع محمد السادس حاليا ) من السادسة مساء الى ما بعد منتصف الليل . و ذلك بوضع حواجز محروسة من طرف الشرطة على طول الشارع . و كانت العربات التي تلج المدينة من جهة الشمال تعرج عبر شارع النخيل و الاتية من ازقة و شوارع المدينة من جهة الجنوب تعرج عبر شارع محمد الخامس . و بعدما تم تزويد الشاطئ بالإنارة و حذف المقاهي الموجودة بشارع نابل تم التخفيف عن شارع محمد السادس إذ أصبح ضغط الراجلين على كورنيش الشاطئ من الميناء و الى غاية مدخل المدينة من جهة الشمال . و حيث ان قوافل البشر تحولت من شارع محمد السادس الى كورنيش الشاطئ فلم يعد داع الى اغلاق الشارع في وجه العربات فأصبح الشارع مكتظا بالسيارات . و عوض توسيعه تمت تهيئته بالطريقة التي اصبح معها السير بالعربات جد عسير و بالخصوص في فصل الصيف . فاين هو مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة؟ علما أن الشارع من الناحية الجمالية يغري الا أنه لا يحل مشكل السير و الجولان بل يعقد عملية السير حتى في الأيام العادية . و الحل هو توسيع شارع محمد السادس ليضم ممرين في كل اتجاه مع الترخيص بالركن في ا تجاه واحد.
إذن بناء طريق ساحلي لن يؤدي الى اهداف تخدم السياحة و لن تحل مشكل المرور . و سوف تقضي على تراث تاريخي قد نندم على محوه مستقبلا . لكن سيبقى الغلاف المالي للاتفاقية مخصص لخدمة إعادة تأهيل الحديقة بما يخدم مصالح الساكنة و السياحة . و ننتظر غلاف مالي جديد يصرف في منع صب مياه الامطار الملوثة في البحر . و يحل مشكل ركن سيارات المصطافين خلال الفصل الساخن. و يتجه الى تزويد الشاطئ من جهة الشمال بمرافق صحية جديدة . و يدعم كسب رهان الحصول على اللواء الأزرق خصوصا و ان الشاطئ ملاذا لأكثر من مليون مصطاف .
اما بالنسبة للساكنة فقد انتظرت إعادة فتح اكشاك السياحة و إعادة تهيئتها لكن تأتي اتفاقية من هذا النوع لدفن تراث لا مادي يتميز به شاطئ الجديدة عن غيره من الشواطئ المغربية الى الابد . الا يوجد من بين المنتخبين من يدافع عن هذا التراث؟ الا يوجد من بين الموظفين الذين حرروا الاتفاقية من ينبه الى منع طمس هذا التراث اللامادي ؟ اين وزارة الثقافة من كل هذا؟ اين جمعيات المحافظة على التراث؟
صورة للكازينو قبل هدمه
مع كامل احترامي وتقديري للجهود المبذولة في سبيل إعادة تأهيل حديقة محمد الخامس، أود أن أعبّر عن رأيي الشخصي بأن هذا المشروع، بالشكل الذي تم تقديمه، يُعد كارثيًا من الناحية الحضرية والاستراتيجية المستقبلية للمدينة.
فإذا نظرنا إلى التوجهات الحديثة في كبرى المدن الأوروبية، الآسيوية وحتى الأمريكية، نلاحظ أن هناك توجّهًا واضحًا نحو إزالة الطرق التي تمر بمحاذاة الشواطئ وتحويلها إلى فضاءات مخصصة للراجلين، تجمع بين الأنشطة السياحية، الترفيهية، والمرافق التجارية المرتبطة بالبحر، مما يخلق بيئة نظيفة، جاذبة، وآمنة للمواطنين والسياح على حد سواء.
بدل التفكير في إحداث طريق ساحلية جديدة، أرى أن الحل الأنسب يتمثل في تحويل شارعي محمد الخامس ومحمد السادس إلى شوارع ذات اتجاه واحد، كل في اتجاه معاكس، مع تنظيم الشوارع المتعامدة بينهما بنفس الطريقة (كل شارع فرعي في اتجاه معاكس للآخر)، لتسهيل حركة المرور وربط الأحياء ببعضها البعض بطريقة أكثر فعالية.
وفيما يخص الشريط الساحلي، أقترح إنشاء منطقة مشاة عريضة ومرتفعة نسبيًا (بنصف طابق أو طابق كامل) تمتد من الميناء إلى ما بعد فندق إيبيس، مع إزالة الطريق الحالية التي تمتد من الميناء إلى مدخل الشاطئ، مما يوفر إطلالة بانورامية جميلة على البحر، وفي نفس الوقت يتيح فضاءً تحته لوقوف السيارات، مع إمكانية الخروج مباشرة إلى الشاطئ في عدة نقاط. أما الأزقة الصغيرة المؤدية إلى البحر، فستُحوّل إلى ممرات تؤدي مباشرة إلى مواقف السيارات تحت منطقة المشاة. هذا سيسمح باستغلال المساحة بذكاء دون التأثير على الطابع الجمالي أو البيئي للمكان، بل على العكس، سيمنح الزوار إطلالة أجمل على البحر، ومرافق للتسلية ومقاهي ومطاعم.
أما بالنسبة لشارع النخيل، فيمكن ضمه إلى حديقة محمد الخامس الواقعة خلف الكورنيش، ليصبح امتداداً لها، إذا أمكن ذلك، ولم لا تمديد الحديقة إلى حد فندق إيبيس. وبهذه الطريقة، سيتم توسيع الحديقة وتجميلها، مما سيمنح المدينة متنفساً أخضر أكبر، دون أن نطمس معالم تراثية أو نضحي بمساحات مخصصة للمشاة.
أما إذا أردنا الذهاب إلى أبعد من ذلك، يمكن إنشاء خط ترام يشكل حلقة تربط المدينة كلها، ويمر بمحاذاة الساحل إلى غاية شارع جبران خليل جبران، ومن هناك يعبر نحو الجامعات ثم يعود إلى الساحل، ليشكل حلقة نقل حضرية تربط جميع أحياء المدينة ببعضها. وهذا سيكون مشروعاً فريداً من نوعه في المغرب، لأنه سيكون أول ترامواي يسير بمحاذاة الساحل.
وفي إطار هذا النموذج المتكامل، يمكن كذلك إضافة مسارات خاصة بالدراجات الهوائية على امتداد شارعي محمد الخامس ومحمد السادس، بما يتماشى مع رؤية مدن المستقبل ويشجع على التنقل النظيف.
في النهاية، لا أعارض تطوير المدينة أو إعادة تأهيل حديقة محمد الخامس، لكن المشروع الحالي يفتقر إلى رؤية متكاملة وحديثة، ويتجه عكس ما تسير عليه كبرى المدن العالمية، وقد تكون عواقبه وخيمة على الطابع الجمالي والبيئي والتراثي لشاطئ الجديدة.
آمل أن يتم التراجع عن هذا المشروع بالشكل الحالي، وإعادة النظر فيه وفق تصور شامل يُراعي كل هذه الجوانب الحيوية.
المهدي طالب
ابن مدينة الجديدة