المادة 66 من مدونة الشغل في ظل جائحة كورونا
بقلم الأستاذ : حرتون هشام
طفت على سطح طاولات النقاش في الآونة الأخيرة جدالات حول مدى قانونية ونظامية مسطرة فصل الأجراء في إطار المادة 66 من مدونة الشغل وذلك لأسباب تكنولوجية أو هيكلية أو اقتصادية، حيث أصبح التوجه الآني هو منح رخص الفصل وتفعيل مادة ظلت حبيسة الرفوف منذ تنزيل مدونة الشغل للتطبيق سنة 2003.
كوجهة نظر خاصة لا عيب في تطبيق هذه المسطرة ما دام المشرع رخص بها وأجازها في مادة خاصة في مدونة الشغل، ولكن العيب يكمن في استغلال آثار ازمة جائحة كوفيد 19 كمبرر للقول في أحقية المشغل في طلب تطبيقها. والعيب أيضا هو أن يكون الأجير كبش فداء هذه الجائحة وأن يكون هو من يجب التضحية به وبأسرته لانقاد المقاولة من تبعات أزمة مالية عابرة ستختفي باختفاء هذه الجائحة.
فمؤخرا سارعت مجموعة من المقاولات لوضع طلبات التسريح جاهلة ولربما متجاهلة وبشكل متعمد الهدف والمغزى من تشريع هذه المادة، التي من المفترض أن تكون اخر ما يلجأ اليه المشغل من وسائل لانقاد مقاولته من أزمة لا يد للأجير فيها. كما يجب على اللجنة التي تبث وتفصل في تلك الطلبات أن تتقصى أولا وجود ما يبرر مسطرة الفصل بعيدا عن المعلومات المدلى بها من طرف المشغل وأن تتقصى أيضا وبشكل مستفيض حول مدى جدية ونظامية الطلب ومدى مطابقة ما ضمن به من معلومات مع ما هو موجود على أرض الواقع.
فبالرغم من أن أسباب التسريح هي مفصلة في عنوان المادة «الفصل لأسباب تكنولوجية وهيكلية واقتصادية واغلاق المقاولات «فإننا نعيب على هذه المادة عدم التفصيل والاطناب في تفسير كل حالة من الحالات المذكورة هوما سيفتح لا محال باب التأويل والاجتهاد في أسباب الفصل، خاصة أن الجهة التي تبت في الطلبات هي جهة إدارية وليست قضائية متمثلة في لجنة منظمة بنص تنظيمي يرأسها عامل العمالة او الإقليم. وهو ما يجرنا لطرح سؤال بديهي هل لهذه اللجنة الكفاءة والمعرفة القانونية اللازمة لتفسير المادة 66 وتطبيقها تطبيقا صحيحا وسليما؟ خاصة ان للأمر حساسيته ما دام يمس مصلحة الأجراء قضوا سنوات في خدمة المقاولة طالبة رخصة الفصل، وما يتبع ذلك من اهتزاز للاستقرار الاجتماعي نحن في غنى عنه خاصة في ظل الجائحة التي تعيشها بلادنا.
حيث ان المادة 66 من مدونة الشغل لم يتنبه المشغل الى تفعيلها ومعه السلطات المشرفة على تطبيقها الا بعد ظهور تفشي وباء كرونا وهنا مكمن الخلل. فهذه الجائحة هي جائحة عابرة كباقي القوى القاهرة التي تأثر بها أو يمكن ان يتأثربها اقتصاد بلادنا كالجفاف والفيضانات الى غير ذلك. فليس معنى ظهور وباء جديد أو كارثة طبيعية تعطي الحق للمقاولة أو المشغل الى وضع طلبات الفصل في إطار المادة المذكورة.
فالعيب اذن ليس في المشغل أو المقاولة أو حتى في الجهات التي تفصل في الطلب لكن العيب يكمن في المادة نفسها والتي كما أسلفنا القول لم تفصل في أسباب التسريح الجزئي او الكلي للأجراء وبشكل مستفيض، مما جعلها تتلبس بمجموعة من المغالطات ستفتح لا محالة الباب الاجتهاد وتأويل المادة 66 من مدونة الشغل وتفصيلها على مقاس إرادة المشغل أو المقاولة.
وسؤال آخر يطرح نفسه وبإلحاح كبير لماذا لم تلجأ المقاولات طالبة رخصة الفصل الى مساطر أخرى بديلة أكثر نجاعة لمساعدتها من الخلاص من الأزمة المالية التي تعيشها بسبب هذا الوباء، ألم يكن من الأولى والأجدر اللجوء الى مساطر صعوبات المقاولة مثلا والمنظمة في مدونة التجارة أعتقد أن النتائج التي ستجنيها المقاولة من إعادة جدولة ديونها وتخفيضها في إطار المساطر المذكورة أكثر مما ستجنيه من تسريح ثلة من الاجراء لا تزيد أعباء اجورهم في اقصى الحالات 30 في المائة من الأعباء المالية للمقاولة.
وسؤال آخر يطرح نفسه وبنفس الالحاح هل تعتبر اللجنة الإدارية التي تبث في مسطرة فصل الأجراء من حيث تكوينها وتركيبتها مؤهلة قانونا وتقنيا في تقييم الوضع المالي للمقاولة للقول بوجود صعوبة مالية تبرر وضع طلب الفصل؟ وهل لها المؤهلات اللازمة لتطبيق المادة 71 من مدونة الشغل بحذافيرها وبتفاصيلها؟ وما يتطلب ذلك من كفاءة ودراية في علم تدبير الموارد البشرية خاصة ان المادة وضعت شروط صارمة ودقيقة وما يتبع ذلك من وجوب الأخذ بعين الاعتبار التدرج التسلسلي في معايير انتقاء الاجراء الذي سيطالهم الفصل والتي رتبها المشرع في المادة 71 من مدونة الشغل على الشكل الاتي :
- الاقدمية
- القيمة المهنية
- الأعباء العائلية
فمثلا القيمة المهنية للأجير هل للجنة المذكورة ومعها المقاولة طالبة رخصة الفصل معايير علمية دقيقة للحسم فيها كمعيار في مسطرة الفصل؟ وهو ما لا أظن وجوده بالبثة.
لكن رغم كل ما قيل، هناك مقاولات تبقى محقة في الاستفادة من مقتضيات المادة 66 وطرق بابها من أجل التخلص من الأعباء المالية للأجور وتوابعها. لكن يجب ان تكون مسطرة الفصل الجزئي او الكلي صحيحة القوام لا اعوجاج فيها حتى لا تكون مجلبة للنقض والانتقاد. فالمادة 66 من مدونة الشغل هي مولود جديد ظل راقدا في رحم مدونة الشغل لمدة طويلة. لذلك ومع سابقة تطبيقها على أرض الواقع وجب تفعيلها بطريقة سليمة وسلسة مراعاة لمصالح طرفي مسطرة الفصل الأجير والمشغل في آن واحد. ولأجل ذلك سنبسط النقاش من خلال مداخلات متفرقة على شاكلة حلقات سنتناول من خلالها.
- الإطار القانوني لمسطرة الفصل لأسباب تكنولوجية واقتصادية وهيكلية واغلاق المقاولات.
- كيفية تدبير مسطرة الفصل وطبيعة الوثائق الواجب الادلاء بها مع تفصيل في ذلك.
- حقوق الاجير عند تطبيق المادة 66 من مدونة الشغل.
- الطعن في مقرر اللجنة الإدارية مسطرته وشكلياته.