9 سنوات كاملة .. هكذا استغلت الإمارات “الحرب على الإرهاب” لقمع شعبها
عن موقع العدسة
مع انتشار موجة الانتفاضات المطالبة بالديموقراطية في الشرق الأوسط خلال عامي 2011 و2012، أو ما عُرف لاحقاً بالربيع العربي، كان من الطبيعي أن تنتقل تلك الدعوات إلى الإمارات العربية المتحدة على أمل أن يطالها التغيير، مثلها مثل بقية الدول العربية.
انضم المفكرون العلمانيون والإسلاميون معاً في مارس/آذار 2011 لصياغة عريضة تطالب بمساحة أكبر من الحرية والديموقراطية في الحياة السياسية في البلاد، حيث طالب الموقعون على العريضة “بانتخاب جميع أعضاء المجلس الوطني الاتحادي من قبل كافة المواطنين كما هو مطبق في الدول الديمقراطية حول العالم”، كما طالبوا أيضا بتعديل المواد الدستورية ذات الصلة بالمجلس الوطني الاتحادي بما يكفل له الصلاحيات التشريعية والرقابية الكاملة”.
لكن أتت الرياح بما لم تشته السفن، فبعد سقوط الأنظمة الرئاسية في أغلب دول المنطقة، ردت أبو ظبي بشن أكبر حملة قمع في تاريخ الإمارات – باعتقال وسجن وحظر ونفي جميع أعضاء التيارات السياسية المختلفة، في خطوة بررها النظام الملكي على أنها مبادرة من الدولة لقمع التطرف العنيف ومنع الإرهاب من التسلل إلى حدودها.
هذه الحملات القمعية، التي لم يسبق لها مثيل، وضحت بشدة كيف تمكنت الإمارات من تأطير قمعها للمعارضة الداخلية وحملاتها العسكرية كمبادرات لمكافحة الإرهاب، وخداع المجتمع الدولي بتقديم صورة “مشوهة” حول مشاركتها فيما يسمى بـ “الحرب على الإرهاب”.
إن تعامل السلطات الإماراتية مع المعارضة السياسية على أنها تهديد للنظام يؤثر بشدة على أجندة أمنها القومي، فبدلاً من محاولة استيعاب هذه الأصوات المعارضة المطالبة بحياة سياسية أفضل، قامت بقمعهم والتضييق عليهم بكل طريقة، حتى اكتسبت الدولة سمعة سيئة فيما يتعلق بملف حقوق الإنسان.
في عام 2011، شعر النظام الإماراتي بأن القوى المعارضة المطالبة الديمقراطية، التي كانت تتألف من قادة أكاديميين دينيين وعلمانيين تتوسع بقوة، ما يعني أن الدولة تفقد قبضتها على الإجماع الوطني، وكان من وجهة نظر الحكومة أنه إذا تركت المعارضة السياسية دون رادع، يمكن أن تفكك نسيج النظام ذاته.
في المقابل، وعلى الرغم من السلوك القمعي السياسي المتزايد للسلطات الإماراتية، تواصل الولايات المتحدة تقديم مجموعة واسعة من الدعم الأمني والسياسي للإمارات العربية المتحدة، في دليل واضح على موافقة الإدارة الأمريكية على هذه الممارسات.
خلق تركيز الولايات المتحدة على “الحرب على الإرهاب” تبريراً مناسباً لأبو ظبي لمتابعة القمع السياسي الداخلي، حيث قامت الحكومة بالتجسس على الاتصالات والمنظمات الخاصة تحت غطاء حماية الدولة من الإرهاب.
كما وثق المدافعون عن حقوق الإنسان عمليات اعتقالات تعسفية وغير أخلاقية للكثير من النشطاء والناشطات، بالإضافة إلى ممارسات المحاكم الفاسدة، والمحاكمات الباطلة، والتي أدى بعضها إلى الحكم بالسجن المؤبد على الكثير من الشخصيات السياسية البارزة، وفي المقابل، لم تقم الولايات المتحدة بإدانة أي من تلك الممارسات، إذ ادعت الإمارات العربية المتحدة أنها تعطي الأولوية للأمن القومي للولايات المتحدة المتمثل في محاربة “التطرف” والقضاء على الإرهاب.
من ناحية أخرى، قامت الإمارات بخلق روابط تربط حملاتها القمعية بمبادرات مكافحة الإرهاب الأمريكية في المنطقة، الأمر الذي مكنها من متابعة سياساتها الاستبدادية على نطاق إقليمي، حيث دعمت أبو ظبي الحملات العسكرية لصالح الأنظمة ذات التفكير المماثل في اليمن والصومال وليبيا، في محاولة للحد من صعود الجماعات السياسية التي تعكس وجهات نظر الكيانات المناهضة للحكومة داخل الإمارات، أو بمعنى أدق الكيانات المطالبة بالديموقراطية.
وبحسب الخبراء والمحليين، فإن الحملات العسكرية الإماراتية التي خرجت لمواجهة الجماعات المتطرفة -بحسب ادعاء السلطات- تسببت في انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان وجرائم حرب، ولكن طالما أن أبو ظبي تتذرع بمكافحة الإرهاب، فإنها يمكن أن تشن حرباً وترتكب خلالها ما تريد من انتهاكات دون معارضة أمريكية تذكر.
بالإضافة إلى ما سبق، فإن الولايات المتحدة لا تقف أمام أجندة أبو ظبي لأنها تعكس النزعة الأمريكية العشوائية في المنطقة، ولعل هذا ما يفسر زيادة مشاركة الإمارات بشكل تدريجي في المبادرات الإقليمية والعالمية، في خطوة ترجو بها تعزيز تحالفها الأمني مع واشنطن.
يجب أن تخضع طبيعة العلاقة الأمنية بين واشنطن والإمارات لمزيد من التدقيق مع اقتراب إدارة ترامب أكثر من أبو ظبي في أعقاب اتفاق التطبيع الأخير بين الإمارات وإسرائيل، هذا الاتفاق الذي تحاول الإمارات استخدامه كحصانة لها ضد أي انتقادات دولية.
على سبيل المثال، أثناء مناقشة العلاقات الدبلوماسية الرسمية الجديدة بين إسرائيل والإمارات، أشاد ترامب بمشاركة أبو ظبي العميقة في المنطقة باعتبارها لحظة محورية للسلام والاستقرار في الشرق الأوسط… لكن بأي ثمن؟
يجب على المشرعين والمسؤولين الأمريكيين توجيه الأنظار إلى ما يحدث في الإمارات من لقمع سياسي متزايد من قبل النظام الملكي في سياق السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط، للتأكد من أن الولايات المتحدة لا تسيء أيضًا سلوك مكافحة الإرهاب وتنفيذ الإرهاب بدلاً من ذلك.