“واقيلا أنا مريض”
بقلم : عبدالله مرجان
إستيقظ صباحا من نومه ودون أن يغسل وجهه أخذ الهاتف وأشعل شاشة الجوال ، بدأ يتفحص التدوينات تلو الأخرى “شحال وصل العدد اليوم” تسأله زوجته وهي تعد وجبة الفطور ، لا يرد ويستمر في قراءة تدوينات الفايسبوك وعلامة الحسرة والألم بادية على محياه .
الله يرزق السلامة “هذ الشي كيخلع” الناس لم تحترم الحجر الصحي قد نؤدي الثمن نحن الملتزمون به ، لماذا لم يستوعبوا نداءات الدولة ووسائل الإعلام ؟ ألم نسمع “ألتزموا بالتدابير الإحترازية …” .
وضع الهاتف جانبا ، قام وغسل اليدين جيدا بالصابون ومسحوق كحولي معقم ، تناول فنجان قهوة بدون سكر لأن السكر يقلل من مناعة الجسم ، أنهى الفطور وتأهب للخروج وضع في جيبه الترخيص الإستثنائي للتنقل ، وناولته حورية مفتاح سيارته ، أشعل محركها واتجه نحو أقرب سوق لسكناه ، كان قد نسي معقم اليدين ، ولج السوق من بابه الخلفي الذي لا يعرف اكتظاظا ، يرتدي نظارتين لا تظهران عينيه ، كان يتوارى خلفهما لا يريد ملاقاة أصدقائه مخافة أن يصافحهما ، في الباب لمحه إبن عمه الذي يمتهن حرفة بيع الأسماك ، قصده للسلام عليه ، أدار ظهره غير مكترث بالوضع وقال له “في علمك شحال وصل العدد ، أييه أسيدي الرقم إرتفع إلى 67865 وأنت مازال ماد لي يدك” .
لم يتقبل إبن عمه الموقف ، وهو الذي لم يستسغ بعد نصائح الجهات المسؤولة ، عاد أدراجه وركن في زاوية دكانه ، وضع يده على رأس ، وإسترسل يقول : “مزيان تبارك الله ، فضل الوباء على إبن عمه ، مزيان تبارك الله ، مزيان تبارك الله” .
غادر السوق تاركا وراءه سيلا من الأسئلة ، “علاش ميسلمش ،ياك ما أنا مريض” ودخل الرجل في زوبعة عميقة ، ووسواس مفرط ، كان قد سمع في التلفاز بأن النظافة تقتل الفيروس ، جمع ملابسه وسار نحو حمام ياسر ، وفور وصوله وجده مغلقا ، سأل رب الحمام عن الأسباب حيث قدم له شروحات حول دواعي الإغلاق ، لم يقتنع مرة أخرى ، ودخل متاهة السؤال ، والحوار الداخلي “ولد عمي مبغاش يسلم” “ومول الحمام منعني من الدخول” “هي أنا مريض بصح” .
عاد يجر خيبته وفكر أن يزور إبن عمه في منزله للتأكد من وهم ظل جاثما على مخيلته ووسواس يدمره ، دق على باب المنزل أطل إبن عمه من شرفة المنزل لمحه متكئا على الباب الحديدي ، واضعا يده على مفتاح الباب ناداه “آبنادم إبتعد عن الباب” لا تلمس الإطار الحديدي بيدك ، الفيروس قد يمكث تسع ساعات على الحديد ، هل هذا وقت الزيارة ماذا تريد ؟ أريد أن أستشيرك في أمر هام .. أغلق نافذة المنزل وأشعل جهاز التلفاز بصوت مرتفع ، وتركه أمام الباب ، ظل ماكثا بالباب ينتظر نزول إبن عمه ، إستشاط غضبا ، تعب .. جلس على عتبة الباب ، دخن كثيرا ، نهض وهرول في اتجاه مجهول وهو يردد “واقيلا أنا مريض وماعارفش راسي” ، وفي عودته عرج على بائع المواد الغذائية إشترى كمية من مواد التنظيف والتعقيم ، وفي طريقه أخذ يردد “يمكن أنا مريض وما عارفش راسي” “واش أنا حامل للفيروس” .
سمعه أحد المارة ، فإتصل فورا بسيارة الإسعاف ، علما أنه لا يكح وليس به ألم بالرأس وحرارته عادية ، على الفور حلت سيارة الإسعاف ، نقل إلى المستشفى ، في طريقه لم يتكلم ، ظل صامتا ، بغرفة المشفى يسأله الطبيب ، لا يجيب ، صمت مطبق يخيم على المكان ، الرجل ليست به أعراض المرض ، فحوصات دمه سليمة ، ورغم ذلك يتوهم بكونه حامل لفيروس كورونا ويكرر لازمته “واقيلا أنا مريض” .