الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية في مهب الرياح الجزء الأول: الحق في التعليم والحق في الصحة نموذجا
بقلم عبد السلام العسال
مقدمة:
في هذا المقال، سأتناول مناقشة حقين أساسيين من أهم حقوق الإنسان الاجتماعية هما الحق في التعليم والحق في الصحة باعتبار أهميتهما وارتباطهما بتنمية شخص الإنسان وحرياته وكرامته وتطور المجتمع الذي ينتمي إليه، فكيف هي وضعية هذين الحقين وما هي أهم الاختلالات التي يعانيان منها، ذلك ما سنتناوله كما يلي :
الحق في التعليم: مكتسب شعبي ما فتئ يتعرض للإجهاز الممنهج من طرف النظام المخزني:
عمليا يصعب جرد وتحديد جميع مظاهر أزمة منظومة التعليم بالمغرب في مجرد مقال صغير، ليس أقلها الاكتضاض المهول في الأقسام والخصاص الكبير في التجهيزات والبنايات والمواصلات وفي الموارد البشرية وتوظيف المدرسين/ات في إطار فرض التعاقد بالإذعان وإلغاء الحق في الوظيفة العمومية (بالنسبة لميزانية 2020 سيتم توظيف 1069 شخصا في التعليم بالتعاقد مقابل 9104 في وزارة الداخلية و5000 في إدارة الدفاع الوطني)، ونوع البرامج والمناهج وضعف التكوين وانعدام التكوين المستمر وتشجيع التعليم الخصوصي مع منحه كافة التسهيلات لمزاحمة التعليم العمومي في أفق القضاء عليه تدريجيا وضعف الميزانية، ولا غرابة أن يحتل المغرب، بسبب ذلك، المراتب المتأخرة في سلم الترتيب في مجال التعليم على المستويين الإقليمي والدولي، وتكفي الإشارة إلى أنه من بين 1000 جامعة مصنفة في العالم لا توجد ولا جامعة مغربية واحدة (حسب تصنيف معهد التعليم العالي التابع لجامعة شانغهاي جياو تونغ) والسؤال المطروح بحدة هنا هو ما هي الأسباب الحقيقية التي جعلت تعليمنا مفلسا وفاشلا إلى هذه الدرجة؟ إن الجواب لا ينبغي بتاتا البحث عنه خارج المخططات التصفوية التي ينهجها النظام للإجهاز على كل مكتسبات وحقوق شعبنا، فهو يدرك أنه بتخريبه للتعليم سيدفع بملايين الشباب إلى صفوف البطالة ليكونوا جيشا احتياطيا تستعملهم البورجوازية في معاملها وضيعاتها الفلاحية في ظروف استغلال قاسية ومهينة وحاطة بالكرامة، في هذا الإطار فإن مئات الآلاف من الأطفال يوجدون حاليا خارج أسوار الدراسة وعشرات الآلاف من خريجي الجامعات لا يجدون شغلا قارا حسب ما تورده العديد من التقارير الدولية والوطنية بما في ذلك تقارير المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي الذي سبق له أن أوضح أن أعلى نسب للهدر المدرسي تسجل داخل الجامعة التي يغادر الدراسة فيها بدون شهادة 64% من الطلبة.
وحسب الوزارة الوصية على القطاع فنسبة الهدر المدرسي بالتعليم الابتدائي بلغت خلال الموسم الدراسي2017-2018، 38 ألف و 740 تلميذة وتلميذا وبلغت على مستوى الثانوي الإعدادي 183 ألف و218 تلميذة وتلميذا، ومجموع التلاميذ الذين غادروا المدرسة بالسلكين معا هو 221 ألف و958 تلميذا وتلميذة، وهكذا نطق ناطق من أهلها رغم أن هذه الأرقام مشكوك في صحتها بحكم التعتيم الذي تعودنا عليه من طرف المؤسسات الرسمية، وهو التشكك تؤكده الإحصائيات التي تقدمها العديد من المنظمات الدولية حول وضعية التعليم في المغرب ومن بينها تقارير منظمة اليونسكو التي اعتبرت أن التعليم في المغرب يقوم على الفوارق الاجتماعية ولا يحقق تكافؤ الفرص بين الجميع، كما نبهت في آخر تقرير لها إلى الخطر القادم الذي يستهدف المنظومة التعليمية في المغرب، إذ توقعت أن 1.68 مليون طفل مغربي سيجدون أنفسهم خارج المدارس بحلول سنة 2030، فيما يقدر عدد الأطفال الذين لا يذهبون إلى المدارس، في الوقت الراهن بـ1.53 مليون طفل (الوزارة الوصية تتحدث عن 650 ألف فقط)، من الذين تتراوح أعمارهم بين 5 و17 سنة، حسب تقرير لليونسف.
هذا الواقع الهش لقطاع التعليم دفع بعشرات الآلاف من الطلبة إلى مغادرة المغرب لمتابعة دراساتهم في الخارج حيث تفضل نسبة كبيرة منهم البقاء هناك على العودة إلى بلد سئموا الحياة فيه، إذ تتحدث بعض الإحصائيات على أن أزيد من 100 ألف طالب وطالبة يتابعون دراساتهم في بلدان أجنبية، ضمنهم ما يزيد على 40 ألف طالب وطالبة في فرنسا وحدها(طاقات هائلة وأطر كبيرة تضيع فيها البلاد سنويا).
يتضح مما سبق أن عملية تخريب التعليم صيرورة ممنهجة أوصلته إلى درجة كبيرة من الإفلاس، غير أن أخطر ما يستهدف القطاع والقضاء بصفة نهائية على الحق في التعليم العمومي المجاني هو القانون الإطار الذي مررته الحكومة هذه السنة لتدق الدولة المخزنية من خلاله آخر إسفين في نعش التعليم إذا لم نتحرك جميعا لإسقاطه، هذا القانون الخطير ينص صراحة على أن التعليم العمومي سيصبح بالأداء أي أنه سيصبح سلعة معروضة للبيع والشراء.
ثانيا: الحق في الصحة في ظل قطاع ينخره المرض:
قطاع الصحة، بدوره، لا يقل إفلاسا وتدهورا عن قطاع التعليم، فهو مريض للغاية وهو نفسه في حاجة إلى العلاج، ومن بين أكبر المشاكل التي يتخبط فيها، ضعف الميزانيات التي تخصص له سنويا التي لا تستجيب حتى للحدود الدنيا التي تحددها منظمة الصحة العالمية لتأمين الحق في الصحة للمواطنات والمواطنين، فإنفاق الدولة على القطاع لا يتجاوز 5% من الميزانية العامة للدولة وأقل من 2% من الدخل الوطني وأقل من 5 % من الناتج الداخلي الخام(توصي منظمة الصحة العالمية بأن لا يقل الإنفاق الحكومي على الصحة على 12%) يضاف إلى ذلك قلة المستشفيات والمستوصفات وقلة التجهيزات والخصاص المهول في الموارد البشرية خاصة أمام الاستقالات المتتالية للأطباء والممرضين) وغياب الإرادة السياسية لإصلاح القطاع، وتسليع الولوج إلى الصحة عبر استنبات وتشجيع القطاع الخاص الذي يفرض أداءات مرتفعة مقابل الخدمات الطبية ما يعني أن الحق في الصحة لم يعد يتمتع به إلا اللذين لهم إمكانيات الأداء، وهكذا أصبحت الأغلبية الكبيرة من الجماهير الشعبية الكادحة تجد صعوبة كبيرة في الولوج إلى العلاج والدواء حتى في أبسط مستوياتهما الدنيا فما بالنا بالمستويات المعقدة بالنسبة لمرضى القلب والشرايين والقصور الكلوي والأمراض النفسية والعقلية والأمراض المزمنة كالسرطان والالتهاب الكبدي التي تتطلب علاجات مستمرة وتدخلات وخدمات طبية مسترسلة حيث أن المصابين بهذه الأمراض يصطدمون بأثمنة خيالية للأدوية والتجهيزات الطبية المتعلقة بهذه الأمراض تفوق بعدة أضعاف إمكانياتهم وقدراتهم الشرائية مما يضطر حوالي 20% منهم إلى بيع ممتلكاتهم واللجوء إلى الاقتراض (ومنهم من يلجأ إلى التسول) لتسديد فاتورات العلاج والاستشفاء والأدوية، بل إنها تفوق في كثير من الأحيان أثمنة مثيلاتها حتى في الدول الأوربية، الشيء الذي فاقم من تدهور الحق في الصحة للجميع باعتباره حقا أساسيا تكفله المواثيق الدولية لجميع البشر بغض النظر عن أي سبب من أسباب التمييز لاسيما التمييز بسبب الفوارق الاجتماعية والمجالية، هذا الوضع الهش لقطاع الصحة في المغرب جعل ملايين المواطنين والمواطنات محرومين/ات من حقهم/ن الأساسي في الصحة، كما جعل المغرب يحتل المراتب المتأخرة في سلم الترتيب الخاص بالحق في الصحة والولوج إلى العلاج والدواء، ليس فقط على المستوى العالمي والإقليمي ولكن أيضا حتى مقارنة بجيراننا كالجزائر وتونس.
خلاصة عامة: رغم أن حجم المقال لا يتسع للمزيد من التشخيص(يرجى الاطلاع على تقرير الجمعية المغربية لحقوق الإنسان لسنة 2018، محور الحق في الصحة، ص الصفحات من 135 إلى 149)، فإن كل المعطيات أعلاه تبين أن قطاعي التعليم والصحة يوجدان في مهب الرياح، فكل منهما غارق في أزمة بنيوية خانقة بسبب السياسات العمومية المعادية لشعبنا، وهي أزمة مرشحة إلى المزيد من التوسع بحكم أن النظام المخزني يتجه سياسيا إلى المزيد من إغلاق الحقل السياسي ومن خنق الحريات العامة ومنع الحق في الاحتجاج والتجمع والتظاهر السلمي والحق في التنظيم عبر التضييق على كل الإطارات المناضلة وعبر سياسة القمع والاعتقال والزج بالأصوات المعارضة في السجون، وكل ذلك بهدف إفراغ الساحة النضالية لفسح المجال أمام المزيد من الإجهاز على ما تبقى من مكتسبات وحقوق وحريات، كل ذلك يجعلنا نستنتج أن الوضع خطير يتطلب ضرورة رص صفوف كافة القوى التي لها مصلحة في التغيير من أجل صد مخططات النظام التخريبية التي تستهدف الجميع.
ملاحظة: ترقبوا مقالا حول الحق في الشغل والحقوق الشغلية في الجزء الثاني