خاطرة اليوم عواصم من القواصم قواعد في الإجتماع على الإصلاح
بقلم : محمد يتيم.
يتعين مراعاة عدد من المعطيات المرتبطة بتقييم العمل السياسي التي يمكن اعتبارها عواصم من القواصم بلغة القاضي ابو بكر بن العربي .
القاعدة الأولى : إخراج العمل السياسي من دائرة العقيدة إلى دائرة المصلحة المرسلة القائم على الاجتهاد وتقليب النظر ، وأن يعتبر في هذا التقييم اختلاط المصالح والمفاسد ، ومن ثم فهو ليس مجال حق أوباطل بل هو مجال اختلاط لصواب وخطأ ومصلحة ومفسدة ، وأن التقييم يتعين أن يبنى على مقدار المصالح المحصلة والمفاسد المدفوعة والعكس صحيح
القاعدة الثانية : أن المصلحة متلبسة دوما بالمفسدة ومن ثمة فالعمل السياسي مبني على الترجيح بين المصالح والمصالح والمفاسد والمصالح والمفاسد، بسبب أن تدبير أمور معاش الناس يختلط به الجانبان ويلتبسان ببعضهما البعض، مما يعني أنه لا يوجد في القرار السياسي في الغالب مصلحة محضة ولا مفسدة محضة ، ومن ثم فهو أمر اجتهادي تقديري للمصيب فيه أجرين وللمخطئ فيه أجر واحد . والمعول عليه هو مقدار المصالح المحصلة والمصالح المفوتة وهو تقدير بشري لا يوجد فيه أبيض وأسود فقط بل قد توجد فيه مناطق رمادية بعضها أقرب إلى اسواد وبعضها أقرب إلى البياض فسبحان من خلق ألوان الطيف !
القاعدة الثالثة : أنه من طلب الصعب تحقيق الإجماع في الأمور السياسية لطبيعتها الاجتهادية ومن طمع في ذلك فقد طمع في محال، لكون القضايا السياسية من حيث طبيعتها قضايا ظنية وليس قضايا قطعية ، بل إنه في تفاصيل قضايا العقيدة وبغض النظر عن اليقينيات الكبرى أي الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الاخر والقدر خيره وشره ، توجد قضايا كبرى مشتبهة في تفاصيلها وتحتمل التأويل فما بالك بالطبيعيات بالعاديات والاحتماعيات .
القاعدة الرابعة : أن الإجماع أمر ناذر لحكمة إلهية بالنظر للطبيعة البشرية , بل إن الله جعل الخلاف أمرا قدريا تكوينيا لابتلاء الناس وامتحانهم كي يجتهدوا في توفير أسباب العيش المشترك وتجاوز المختلف فيه والصبر على بعضهم البعض وبحث أسباب تدبير الخلاف بحيث لا يفسد للود قضية ” ولا يزالون مختلفين إلا من رحم ربك ” .
ولاستنزال الرحمة أسباب كثيرة ذكر ها القرآن في عدة آيات منها قوله تعالى ” والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة ويطيعون الله ورسوله أولئك سيرحمهم الله “
القاعدة الخامسة : أن أقرب طريقة لتدبير الخلاف هو اعتماد قاعدة التقريب والتغليب وهي قاعدة مظطردة في القرأن والسنة وفي كل العلوم الإسلامية ، أو قاعدة الحكم للأغلب والأعم ( والماء اذا بلغ قلتين لم ينجس) وعلى هذه القاعدة قامت الديمقراطية المعاصرة .
القاعدة السادسة قاعدة الترجيح بين المصالح والمصالح والمفاسد والمفاسد وبين والمصالح والمفاسد وهذا مرتقى صعب ومعترك ضنك ومضلة أفهام ومزلة أقدام فرط فيه قوم فضلوا وأضلوا ، ولم يدركه البعض فكفروا أو بدعوا واخرجوا من الملة الدينية والملة السياسية .
القاعدة السادسة : قاعدة التواضع الفكري وتجنب الغرور وتنسيب الاجتهادات و الأراء الشخصية أو الفئوية واعتماد القاعدة الذهبية رأيي صواب يحتمل الخطا ورأيي غيري يحتمل الصواب وما يرتبط بذلك من قابلية متواصلة للمراجعة والتصويب .
القاعدة السابعة : التورع عن التشكيك في النيات والدوافع وحمل الآراء السياسية على محمل حسن الظن وتجنب الأحكام الجاهزة أو التكفير السياسي و التكفير الديني من قبيل الإخراج من الملة أو الإخراج من المواطنة والإخراج من إرادة الإصلاح والاتهام بالتوطؤ أو التخاذل وهلم جرا ، وبدل ذلك إعمال قاعدة حسن الظن في المجمل إلا في حال ثبوت أدلة قاطعة على حدوث عكس ذلك .
القاعدة الثامنة : إحسان الظن برفاق الدرب إذا وقع خلاف بينهم في الاجتهاد وحمل مواقفهم على أحسن الوجوه لأن إحسان الظن بهم هو من إحسان الظن بالنفس وهو قياس الأولى الوارد في قوله تعالى : “لولا إذ سمعتموه ظن المؤمنون والمؤمنات بأنفسهم خيرا ” فمن أجاز على رفاق دربه ظنا سيئا فكأنما أجازة على نفسه .
القاعدة الثاسعة : تجنب التحزب والتخندق والتحزب بذل ذلك للحق والصواب والميل معهما حيثما مالا .
القاعدة العاشرة : تجنب النجوى ومجابهة الهيئات بتوجهات و مقررات تم التحضير لها مسبقا بسبب تحزب او تخندق مسبق حيث إن التحزب المسبق ينشئ ضعف قابلية في الاستماع الآراء والاجتهادات ويفرغ العمل المؤسساتي من محتواه
القاعدة الحادية عشر : الإمساك عن القضايا الخلافية المشتبهة التي تكثر فيها الروايات والتقديرات بل والإمساك عن الخلاف الذي قد يقع بين أهل الفضل وأهل السابقة كما فعل أهل السنة والجماعة الذين أمسكوا عن الخوض في الخلاف بين الصحابة حينما رفعوا شعار : عصم الله سيوفنا من دمائهم فلنعصم ألسنتا فيما وقع بينهم .
هذه بعض المعطيات المنهجية التي يتعين العمل على تثبيتها وتحويلها إلى ممارسة يومية لأنها عواصم من القواصم .