السيد الرئيس
السيد رئيس الحكومة
لا شك أن الحماية الاجتماعية، باعتبارها حقا أساسيا في الجيل الثالث من حقوق الإنسان المرتبطة بالتنمية تشكل رافعة لإحقاق العدالة الاجتماعية، ولبنة أساسية لتحقيق التماسك الاجتماعي.
فإذا كانت بلادنا قد نصت دستوريا على الحق في الحماية الاجتماعية وأعلنت انخراطها في المنظومة الحقوقية الكونية بالتصديق على العديد من الاتفاقيات الدولية ومنها مؤخرا الاتفاقية 102 بشأن المعايير الدنيا للضمان الاجتماعي، واعتماد التوصية 202 بشأن الأرضيات الوطنية للحماية الاجتماعية، والالتزام بتحقيق الحماية الاجتماعية كهدف أساسي من أهداف التنمية المستدامة في أفق 2030، إلا أن الواقع يبين مدى هشاشة منظومة الحماية الاجتماعية ببلادنا ومحدوديتها في ضمان الحد الأدنى للدخل والعيش الكريم لكافة المغاربة، وحمايتهم من كافة المخاطر كيفما كانت أوضاعهم وشرائحهم الاجتماعية وفئاتهم العمرية.
ف 70 %من السكان النشيطين غير مشمولين بنظام معاشات التقاعد، و46 % لا يستفيدون من تغطية صحية. وأن 15 مليون نسمة سجلوا في نظام الرميد وأن 15000 من العمال غير الأجراء فقط مسجلون في التأمين الاجباري عن المرض، دون أن يستفيدوا من هذا الحق. علما بأن مدونة التغطية الصحية تم إصدارها في 2002.
إن أوجه القصور في “منظومتنا” للحماية الاجتماعية متعددة بدءا بالجهاز المفاهيمي حيث :
- ارتباطها بالعمل وبالحقوق الشغلية، بدل ارتباطها بالأفراد في غياب أو عدم كفاية الدخل المرتبط بالعمل؛
- منظومة أو أنظمة لا تقوم على المفهوم الواسع للضمان الاجتماعي المحدد في المعيار الدولي ولا تغطي مختلف المخاطر؛
- أنظمة تتسم بالتشتت وبالمحدودية والتجزيء، وعدم التناسق؛ ما يؤثر سلبا على حركية سوق الشغل.
- أنظمة لم تتحل بشأنها الحكومة بالإرادة السياسية للقيام بإصلاحات هيكلية، مكتفية بحلول ترقيعية لحظية، كالإصلاح المقياسي الانفرادي الذي اتخذه رئيس الحكومة السابق ضدا على الموظفين والموظفات، الذين تحملوا كلفة الإصلاح.
- ضعف الاستثمار في الانفاق العمومي على الحماية الاجتماعية ب 5% من الناتج الداخلي الخام إذا ما استثنينا الصحة، حيث يصنف المغرب ضمن البلدان الأقل استثمارا في المجال (حسب التقرير العالمي ل 2019 حول الحماية الاجتماعية لمنظمة العمل الدولية).
وقد أبانت الجائحة بتداعياتها الكارثية عن حجم الاختلالات التي يعرفها المجال الاجتماعي ومن ضمنها، فقدان الأجراء ل 600 ألف منصب شغل، واتساع حجم القطاع غير المهيكل، في ظل ضعف أو غياب شبكات الحماية الاجتماعية، خاصة بالنسبة للفئات الأكثر هشاشة، اضطرت معها الدولة لإحداث صندوق لمواجهة الجائحة.
وفي نفس الآن فالجائحة تشكل فرصة وجب استثمارها في ظل شبه الإجماع على عودة الدولة الراعية لإصلاح هيكلي لمنظومة الحماية الاجتماعية، تتصدرها التغطية الصحية الشاملة لعموم المغاربة، كأولوية حدد الخطاب الملكي تعميمها ل 22 مليون مواطن ومواطنة في أفق 2022.
إلا أن الحكومة لم تفصح لحد الآن عن منظورها لمباشرة هذا الإصلاح، وتجاوز كل الاختلالات التي طبعت نظام التغطية الصحية الاجبارية، ونظام المساعدة الطبية، وضمان الاستدامة لتمويلهما، إذا ما استثنينا مقاربتها المالية بالمساهمة التضامنية لتمويل الصندوق المحدث للحماية الاجتماعية والتماسك الاجتماعي، مراهنة فيه على جيوب الأجراء من الطبقة المتوسطة دون مراعاة لتدهور وضعيتهم مؤكدة فشلها في إيجاد حلول تمويلية مبدعة وضامنة للاستدامة، وقرارها بتحويل نظام المساعدة الطبية إلى نظام تأميني الذي هو في الواقع تضامني، يدبره الصندوق الوطني الضمان الاجتماعي دون أن تكترث باستشارة مجلسه الإداري، وتأهيل المؤسسة معلوماتيا وعلى مستوى العاملين بها، علما أن العاملين بمصحاتها لا يتوفرون نفسهم عن التغطية الصحية.
وإذ نستغرب للتأخر الملحوظ خاصة وأننا على مشارف سنة انتخابية، فإننا نؤكد على ضرورة واستعجالية فتح حوار مسؤول مع الفرقاء الاجتماعيين لاستكمال بلورة منظور عملي شامل، في إطار اســتراتيجية وطنيــة يتم إصدارها في قانــون إطـار كميثاق للأجيال بشأن إرساء حماية اجتماعية تجيب على تطلعات المغاربة، وقابلة للتحسين المسـتمر لمسـتوياتها.
من جهة أخرى، فتعميم التعويضات العائلية على سبعة ملايين طفل يقتضي تطوير المقاربة المبنية على التمويل من طرف المشغل، إلى الدعم المباشر لفائدة الأطفال بناء على عملية استهداف محددة، وفي إطار سياسة مندمجة، وبرامج وآليـات للحمايـة الاجتماعيـة للأطفـال للحد من مختلف أشكال الهشاشة التي يواجهونها.
كما أن برامج الدعم الاجتماعي بالرغم من تعددها (140) لم تفلح بسبب عدم إلتقائيتها في تقليص الفقر اجتماعيا ومجاليا، وضمان الولوج إلى الخدمات الأساسية، ولا زلنا ننتظر تفعيل السجل الاجتماعي الموحد الذي لا نعرف مضمونه الى الآن؛
السيد رئيس الحكومة؛ لا مناص من استكمال وتعزيز المجهود المعياري وفقا للاتفاقية 102 في تغطية كافة المخاطر وإصلاح منصف للتعويض عن فقدان الشغل الذي لم نتمكن من الاستفادة منه إلا 22107 بسبب شروطه التعجيزية، و لا بد من توسيع نطاق الضمان الاجتماعي إلى حوادث الشغل والأمراض المهنية.
ولا مناص كذلك من الإصلاح الشمولي لأنظمة التقاعد بدأ بتقريب مقاييسها والعمل على حل معضلة عدم التصريح بالأجراء (800 ألف عامل لا يتم التصريح بهم)، وتعميم التغطية إلى كل العاملين بالقطاع الخاص وإرساء مبادئ الحكامة وفقا للمعايير الدولية وتأسيس القطبين في أفق تحقيق النظام المنشود.
لا مناص من مباشرة إصلاحات هيكلية أخرى مرتبطة كإصلاح المقاصة والإصلاح الضريبي، وإصلاح المرافق العمومية … الخ.
وأخيرا، إن إعادة هيكلة منظومة الحماية الاجتماعية الذي نعتبره أهم ورش في هذه العشرية، يتطلب انخراط كل المعنيين، وتحقيق أوسع توافق ممكن بإشراك الفرقاء الاجتماعيين، ومن تم ضرورة الإسراع بتفعيل الحوار الاجتماعي الجاد، وسيبقى الاتحاد المغربي للشغل كعادته، مستعدا عبر مقترحاته للإسهام في إنجاح هذا الورش المهيكل المجتمعي الكبير.