ثقافة وفنون ومؤلفاتمنوعات

الحقيبة الثقافية ليوم الثلاثاء 30 ابريل 2024

اعداد : ابو نضال

تتضمن حقيبة اليوم منوعات من الانماط الثقافية بالاضافة الى لغة القريض هناك  القصة القصيرة للأديبة المغربية خناثة بنونة . ثم بحث في ذاكرة الموسيقى (حكاية اغنية “حسيبك للزمن ” لسيدة الطرب العربي) و بورتريه للراحل محمد مجد .

اولا :شعر و زجل 

القصيدة الاولى: أنا ابن الشعب بقلم: عبد الرحيم مفكير

أرضعتني أمي حليب الإباء
وحملتني على صخرة صماء
وعلمتني أسرار الأتقياء
وعطرتني بعطر حواء
دثرتني بحنينها وسكبت ماء
ليس كخرير الماء
انساب بين أضلاعي في حياء
لم أكن واسطة العقد
بل كنت بكرا
وكل شيء كان ضدي
أنا الذي خالفت سير الأمواج
وتهت بين الفجاج
وأشقيت الكل بالاعوجاج
تمردت على مولدي
أجر ألمي معي
وأزعج من حولي
سقمي ليس له علاج
يعيرني الكبير والصغير
القوي والحقير
أجر عثرتي في الطرقات
وتقذفني النظرات
وتسبني الأمهات
وترثي لحالي بعض الفتيات
ويتحرش بي القوم
في كل الأوقات
أكثم ألمي
لا ألعن سقمي
تعلمت فك الأحرف
من فقيه القراءات
ومعلم الأبيات
ومهندس الديكورات
ومروض في الإسطبلات
وكاهن في الطرقات
وصاحب البكائيات
تعلمت سر الحياة
حيث لا حياة
أنا ابن الشعب
أمي لا تقرأ ما يكتبون
وتعلم من يتفيقهون
وأبي يغض الطرف عمن يتبجحون
أنا هنا
في كل وقت
أنتظر شروق الشمس من المغرب
وصعود البحر
على اليابسة
وإشراقة حامل البوق
لأضمن بذاك كل حقوقي
ليعم العدل في أحيائنا
وتزقزق العصافير فوق جدراننا
ولا تغتصب بعد اليوم أرضنا
أو تباح أعراضنا
ويحملنا الشوق إلى حيث ينتهي المسير
ونعانق البشير
ويتوب العربيد والسكير
ويكف الراشي وقائد النعاج والبعير
انا ابن امرأة تأكل القديد
تلد في كل يوم شهيد
وتبعث الزغاريد
في اليوم السعيد
للمولود الجديد
أنا لست شاعرا
لكن الشعر يكتبني
والأحرف تلفني
والكلمات تهزمني
والعبارات تخاصمني
أنا ابن الشعب الفقير
وعلى نهج الأتقياء
أسير
إلى حيث لا ينتهي بي
المسير
أخاف الأزير
ولا أملك في الكون قيد
قطمير
راحل إلى عالمي الأبدي
حيث تنتهي حكايتي
ويغلق معبدي
ويتوقف تعبدي.

القصيدة الثانية: طُيورُ غَزَّةَ لَهَا مَلَاذٌ وَأَوْكارٌ بقلم عبدالرحيم شهبي

عارُ الِاحْتِلالِ زائِلٌ إِذا ابْتَسَمَتْ الْأَقْدارُ
وَشَرَفُ الْمُقاوَمَةِ راسِخٌ لا تَنْمَحي الْآثارُ

سِياطُ اَلْغُزَاةِ نُذُوبٌ وَشَّحتْ صُدورَنا
لا لَنْ تَرْكَعَ لِلْجَرّافَةِ الْخَرْساءِ الْأَشْعَارُ

طِلاءُ الزَّيْفِ لَنْ يَغْتَالَ بَتاتاً ذاكِرَتَنا
تَبْقى راسِخَةً تَرْسُمُ شارَةَ نَصْرٍ الْأَقْمارُ

دِماءُ الشُّهَداءِ لَنْ تَجِفَّ فِينَا بِحَارُها
لا أَبَدًا يا صاحِ تَموتُ واقِفَةً الْأَشْجارُ

يا عَبَدَةَ الْجِبْتِ رَصاصُكُمْ لَنْ يُفْنينا
تَطولُ بِأَقْدارِ اَللَّهِ في اَلْأَعالي الْأَعْمَارُ

سَنَبْقى نَرْمي بِسِهَامِنا عَلى الْأَعْداءِ
أَضْلُعُنا مُدَّتْ لَكُمْ الْجُسورٌ وَالْأَسْوارُ

لَنا الْكَلِماتُ وَهْذيرْ الْحُروفِ أَمْواجُها
تُلْقي الزَّبَدَ تَسْقُطُ عَنْ كاهِلِنا الْأَعْذَارُ

سَنَعُضُّ ما حَيّينا أَبَدًا عَلى جِراحنا
دِماؤُنا غُيوثٌ مُبارَكَةٌ فَتَتَفَتَّحُ الْأَزْهارُ

سَنَنْهَضُ مِنْ تَحْتِ دَمارٍ نَبْني لَنا خِيامًا
لَنْ تُهاجِرَ طُيُورُ غَزَّةَ لَها الْمَلاذُ وَالْأَوْكارُ

ظَلامُ الطُّغاةِ الْبَهِيمُ لَهُ أُفولٌ وَانْتِهاءٌ
فَفي غَدِنا الْمَوْعُودِ لابُد تُشْرِقُ الْأَنْوارُ

سَيَنْجَلي اللَّيْلُ وَتَنْكَسِرُ قُيودُ السُّباتِ
وَتَعْزِفُ في مَلاحِمِنا الدُّفوفُ وَالْأَوْتارُ

سَتَبْقى فِلَسْطينُ أَسَدٌ رَابِضٌ عَلى دَوامٍ
جَمْرُها لاهِبٌ يَغْمُرُ الْعِدى الْوَيْلُ وَالْعارُ
بقلم: عبد الرحيم شهبي
المغرب /الجديدة في 27 أبريل 2024

القصيدة الثالثة : فنجاني للشاعرة ربيعة الرحالي “مامينا”


شربت مر قهوتي
نظرت لفنجاني المقلوب أمامي
ما عساه اليوم يخبرني
هل سيزور طيف المحبوب أحلامي
أم أنني سأسمع النقر على نافدتي
لأضيء شمعتي لزائري
هل ما أقرأه في فنجاني سيسعدني
أم أن خيبة أمالي تنتظرني
ارتعشت يدي من شوق انتظاري
فما عساه يخبئه لي قدري
فرحة من جمالها لن يسعها قلبي
أم أن قلبي ما عاد ينتظر مني فرحتي
حزن والحزن الدفين يسكنني
لا أعرف غيره رفيق لي
لقاء أم فراق وهم سواسية لدي
لا أبكي من هجرني ولا أمدح واصلي
فالعمر ارتوى من تلك وهاته
ورود تزين ألوانها أخر عمري
والعمر أدماه شوك ورودي
ابتسامة تخفي تجاعيد وجهي
وما عشته علم في تجاعيدي
تمعنت فنجاني وكلي حزم في يقيني
فما أخبرني يوما فنجاني أسعدني
مقلوب على صحن الحياة والسواد وشحه
وهل يغلب البياض على سواد ليلي
قررت والجبن مني ينهشني
ان انصرف ولا اهمس لفنجاني
يكفيني مر بني ونشوتي
وغدا كيومي بيد خالقي
مامينا
بقلمي: ربيعة الرحالي رونارد

القصيدة الرابعة بعنوان :من فيض الشعا للزجالة بديعة القضيوي

من فيض الشعا
دوخني بشهد الكلام
وبلا ظلام ذابت شمعتي
ف زحام لغرام
غرقت ف بحر كلو لغام
فقت من الگلبة ولقيت
كلشي غير حلام

كان كل نهار
يصببح بمشموم
ومعاه ناي بالشهد
منغوم
ونا الهويعة عشقت الماية
والقلب تبع هوى النجوم

ما حسيت بالدقة
حتى ولليت
نهتهت بسميت المحبوب
لي خمرت في قلبي المكلوم
وكيف ندير نسلو بلا هموم
من بين الضلوع
وللا نمحيه بالدموع

صببرت لخاطر
ونيتو من مراير الفگعة
جرجفتو غصة
ونا لي كنت نتمناه شهدة
يكون باب ودفة
وكمشة من حنان ومحننة
….بديعة الادريسي….

القصيدة الخامسة : قصيدة زجلية للشاعرة سناء يماني بعنوان حلم تحقق

حلمت حلم وتحقق وتمنيت أمنية
نخلي بصمتي في الدنيا

حكاية من ألف ليلة
وليلة
حكاية تشبه لبزاف
في الصبر وقلة الحيلة
قدر الله جعل منها
راجل وأم حنينة
مرا حرة
واقفة في الدنيا
حسكة
ما تقول هذا محال
ما غرر بيها سيد الرجال
تغصبت في شبابها
وخبات
الدمعة لحزينة
بالعقل
هدمت سوق
الذل والخسارة
ما بعدت عل الدين
وما بغات قلة الثمارة
بالعلم ولقلم.
واكبات الحضارة
وخا كان نصيبها
من الزين قنطار
قالت هذي حفنة
الزين عطية مولانا
تمنات أمنية
تخلي إسمها بصمة
في الدنيا
يعلى مقامها
ويكبر شانها.
كان حلم وتحقق
وشعلت الشمعة
وطفات الدمعة
وضوى قنديل
في ظلام الليل
وكانت هذي
حكايتي وحكايتك
وحكاية بزاف النسا
في لقبيلة

القصيدة السادسة : خاطرة للاستاذ اسامة بن عبد الله بعنوان : حي السفير بن عائشة

حي السفير بن عائشة الأدميرال
حي رغم بساطته في منتهى الجمال
تعاقب عليه أجيال و أجيال
يروي قصص و لا في الخيال
لحقبة بناها الرجال
هدموا الجبال
بالغدو و الأصال
أيام و ليالي طوال
لكي تصل. انت إلى ما وصلت إليه من مآل
و الجزاء : ارامل، أيثام و متقاعدون ثقال
زد عليهم سوء الأحوال
أصبحوا عرضة للإهمال
و أردت أنت بجشعك، ٱستبدالهم بالأموال
و تناسيت ما قدموا من جليل اللأعمال
و أنهم طال الزمان أو قصر مستمرون في النضال
مهما طول الأجال
و تخادل الأنذال
سيبقى قاطني حي السفير بن عائشة أبطال
ففي الأخير كل مآله الزوال
فخد العبرة من قارون و ما كان له من مال

أبو جاد أسامة بنعبدالله
25 أبريل 2024

ثانيا الموسيقى : حكاية اغنيه..

منقول

رفض موسيقار الشرق.. تلحينها بسبب صعوبة معاني.. كلماتها.. والفصه تبدأ لما كتب الشاعر الكبير.. «عبد الوهاب محمد».. أغنية «هسيبك للزمن».. للسِدة أم كلثوم ..و قدمها  لصديقه الملحن الكبير .. «بليغ حمدي»..من اجل تلحينها . لكن  بليغ.. لما قرأ الكلمات.. رفض و  السبب أن كلماتها اعتبرها قاسية.. على الحبيب وقال بالحرف :
«إزاي حبيب يقول لحبيبه هسيبك للزمن ؟! إبكي مش هسأل عليك إشكي مش هرحم عينيك ، أنا مقدرش أقول كده لحبيبي مهما حصل .. الحُب حنية مش قسوة».. وعلى هذا السبب رفض تلحين الأغنية لإنه لم يقتنع بكلامها
فلحنها الموسيقار الكبير «رياض السنباطي»..
الأغنية والكلمات واللحن وموقف.. بليغ حمدي.. مِن أعظم ما يكون حرفيًا.. لكن  ياترى ..بليغ.. كان معاه حق ؟!

ثالثا : بورتريه : وجه من الزمن الجميل ..محمد مجد 

محمد مجد ممثل مغربي ولد سنة 1940 بالدار البيضاء، يعد هرما من أهرام الفن المغربي، قدم العديد من الأعمال السينمائية والتلفزية، مغربية وعربية وعالمية أهلته ليكون أحد أنجح الممثلين المغاربة.
بدأ محمد مجد رحلته مع السينما منذ سنة 1966، حيث كان يتردد، حسب ما ورد على لسانه، إلى بيت أحمد الناجي، رفقة العديد من الأصدقاء المهتمين بالفن الذين سيشكلون في ما بعد النواة الحقيقية للسينما المغربية. وكان من بينهم الرشيش، والسقاط، والبرمكي، والسيناريست البوعناني، والممثل محمد الحبشي، لتأتي فكرة تصوير أول فيلم سينمائي قصير كان من إخراج عبد المجيد الرشيش سنة 1967 بعنوان «6 و12»، ليأتي بعد ذلك الفيلم الثاني للمخرج نفسه تحت عنوان «الغابة» سنة 1968، الذي شارك في مهرجان قرطاج بتونس سنة 1970، ونال الجائزة الأولى، تم تلاه فيلم «البراق» سنة 1970 للمخرج ذاته.

أما أول تجربة عالمية فكانت في فيلم «شهرزاد» لفيليب دوبروكا، و«الرسالة» للراحل مصطفى العقاد، الذي يعتبر بمثابة البداية الحقيقية لمحمد مجد وللعديد من الممثلين المغاربة في عالم السينما، وكان ذلك سنة 1976.
ومنذ ذلك التاريخ وحتى سنة 1998، كان مجد يشارك في بعض الأفلام الأجنبية، كما كانت له علاقات كبيرة مع بعض المخرجين العالميين، الذين أصبحوا في ما بعد يعتمدون عليه في اختيار الممثلين وبعض أماكن التصوير بالمغرب.

ومع بداية سنة 1999، ستولد السينما المغربية الحقيقية مع العديد من المخرجين المغاربة، وكانت الانطلاقة بفيلم «علي زاوا»، لنبيل عيوش سنة 2000، ثم «عود الريح»، لمحمد البوعناني، وداود أولاد السيد سنة 2001، ليتبعه «وبعد» لمحمد إسماعيل سنة 2002، ثم «ألف شهر» لفوزي بنسعيدي سنة 2003، ليعقبه «لحظة ظلام» لنبيل عيوش سنة 2004، ثم «طريق النهر» لنيكولا كازالي سنة 2005، و«الرحلة الكبرى» لإسماعيل فروخي 2006، وجاء بعده «ريح البحر» لعبد الحي العراقي سنة 2006، وفي «انتظار بازوليني» سنة 2008، ثم «عين النساء» لرادو ميهايلينو الذي مثل المغرب في «كان»، وكان العمل بمعدل فيلم واحد في السنة تقريبا، وهي نسبة مهمة جدا بالنسبة للمغرب، فبينما لم يكن الفنان في المغرب يعمل إلا في فيلم واحد كل أربع أو خمس سنوات، كانت هناك إمكانية للعمل كل سنة تقريبا بالنسبة إلى محمد مجد.
ويُجمع العديد من المتتبعين للسينما المغربية، على قوة أداء الراحل، وعلى كونه واحدا من الممثلين القلائل الذين أقنعوا في جل أدوارهم.

حظي محمد مجد بتكريمات خاصة في بلجيكا، وإسبانيا وفرنسا، والمغرب حيث كرمته الدورة السادسة لمهرجان مراكش الدولي للفيلم كما كرمه مهرجان تطوان السينمائي المتوسطي سنة 2012، كما حصل على وسام الاستحقاق الفرنسي للفنون والآداب من باريس والعديد من الشهادات التقديرية من بلجيكا، وإسبانيا، وإيطاليا. ونال ايضا جوائز مهمة من كافة أنحاء أوروبا، ومن الهند والأرجنتين، ومصر، حيث حصل على الجائزة الكبرى لمهرجان القارات الثلاث سنة 2004، وجائزة أحسن ممثل في مهرجان نانت الفرنسي سنة 2001 عن دوره في فيلم «عود الريح»، وأحسن ممثل في المهرجان الوطني للفيلم بطنجة عن دوره في فيلم «الرحلة الكبرى» سنة 2005، كما حصل على الجائزة نفسها في إحدى دورات مهرجان «مار ديل بلاتا» بالأرجنتين.
ومن بين الأعمال البارزة للفنان محمد مجد: مسلسل بوعزة الحكيم، مسلسل لا تبحثوا عني، مسلسل ذئاب في الدائرة، مسلسل سرب الحمام، فيلم ولد الحمرية، فيلم شادية، فيلم أمواج البر، فيلم طيف نزار، مسلسل جنان الكرمة، مسلسل صقر قريش، فيلم وبعد، فيلم رحيل البحر، فيلم شظايا الماضي، مسلسل ربيع قرطبة، فيلم نافح العطسة، فيلم طريق مراكش، فيلم الطريق الصحيح، فيلم فطومة، فيلم حكاية زروال، فيلم الحي الخلفي، فيلم عن الرجال والبحر، مسلسل علي بابا والأربعين حرامي، فيلم ياسمين والرجال، فيلم سميرة في الضيعة، فيلم طريق العيالات، فيلم خيط البحرار، فيلم غني يا فاطمة، فيلم سيدة الفجر، مسلسل أرض الضوء، مسلسل المجدوب، سيتكوم ياك حنا جيران، سيتكوم ديما جيران، فيلم القرصان الأبيض، فيلم ملاك، مسلسل الحياني، فيلم الزيرو، فيلم كان يا مكان، وفيلم زينب زهرة أغمات.

توفي محمد مجد صبيحة يوم الخميس 24 يناير 2013 عن عمر ناهز 73 عاماً، حيث أثر عليه المناخ والتكييف الذي تعتمد عليه فنادق دبي، مما جعله يضطر إلى الاستعانة بتقنيات التنفس الاصطناعي في رحلة العودة بالطائرة وبعد وصوله إلى المغرب أجرى فحوصات طبية أكدت إصابته بمشاكل في التنفس استدعت نقله إلى العناية المركزة، غير أن تدخلات الأطباء لم تنفع لإنقاذه، لتوافيه المنية مخلفا إرثا فنيا كبيرا.
رحم الله الفنان القدير محمد مجد وأسكنه فسيح جنانه مع الشهداء والأنبياء.

رابعا : قصة قصيرة

العزلة الموقوتة
خناثة بنونة

تقف أمام الزجاج وتنادي بما يشبه الهمس:
– سعد؟
كان وجه النهار قد برز, معتما طافحا بظلال من ضباب قد يمطر, وحين ظل في صمته أضافت:
– ألم تسافر, أترى أن الجو قد منعك؟!. كان من الممكن أن يكون السؤال واضحا, يملك حدوده وكفى. ولو أنها كانت هي, لكانت أسئلتها أكبر من حجمها, من طولها وبعدها, ولكنها المعارك الخاسرة…
بقي ممددا بتواكل طارئ, عيناه مغروستان في السقف, بينما تغيرت وضعية يديه من تحت رأسه إلى جانبيه. أخيرا وقف, سار نحو المطبخ, يبحث عن الوقيد, وأشعل لفافة, امتصها دون رغبة واضحة, وكان بسيره البطيء ذاك يتساءل.. يتطاول السؤال ليشمل أمسه وغده. ولم يكن ليفصح, فلقد استهلكا معا ما بنياه, وهما أو واقعا: التغيير, البناء الجديد, والانتماء للزمن المتحرك.
” كان قد قال لها: وما العمل?” وكانت هي قد خرجت مؤخرا من مرحلة الخطر, حيث سمح الطبيب لها بالاختلاط والحديث والتحرك. ولم يكن السؤال إلا فلتة لسان, فهو يدري أنه بذلك السؤال, إنما يجعل سيزيف العرب يخسر جولاته الإضافية, في الذات وفي الميدان, وأنه أيضا يطلق عليها مدفعا قريبا.
شهقت ولم تجب. فبالأمس, نزفت دمعا ودما, أدانت التفاصيل الصغيرة لليومي قبل المؤسسات والبنى والهياكل والأنظمة, أجرت مسحا للساحة العربية وعشقت الطوفان, قالت: إن العالم يلغينا, فيجب أن نحاوره بنفس لغته: الدمار. ثم حاولت تكوين خلية للإرهاب الأسود; فالموت لا يلغيه غير الموت, ثم سقطت.. قال الطبيب دون أمل: قد تنجو.. وحتى في الغيبوبة كانت الطائرات تضرب في أعماقها الخيام واللاجئين والهوية والخطوة البكر والتاريخ الجريح.
وقف أمام الزجاج وظل يدخن, وكانت عيناه تتحركان بلا تركيز, فكثير من أشياء هذا العالم قد نسفت, وهو يريد امتلاك أداة ما, لإعادة الحوار معها, وتذكر: سعيد وجدها في التدخين, وعبد الكريم في الانتحار, ونجيب في العودة إلى الحزب, وعلي في البحث عن المطلق, وأنا?..
أطل على قدمه وهو يسحق بقايا سيجارته بتؤدة, ثم رنا نحوها وهي تنفض ملاءة الفراش لتعيد طيها بحركة بطيئة. ظل يلاحقها ويتساءل: أهي هي?!. وحين التقت عيناهما في نظرة, تذكرا معا أن سؤالا كبيرا بينهما لا زال معلقا: ” ألم تسافر بعد, في الزمان والمكان طبعا?”.
وضعت الملاءة على جانب السرير وأخذت تعلق بعض الملابس, وحين انتهت من تعليق بعضها, عاودت الجلوس على مقعد قريب وغرست نظرتها في الأسفل: إنه الزمن, زمننا العربي, يتباطأ, يثقل أو يموت. وظلت كذلك, ولم تنتبه إلا على صوت اصطدام أوان بالمطبخ, لقد كان سعد يضع إبريق القهوة على النار. رفعت نظرة تالفة, ثم حطتها على الجدار المقابل, وبعد مدة غادرت جلستها إلى الجانب الأيمن من الغرفة, وأزاحت الستار عن النافذة المطلة على الأسطح المجاورة. ظلت نظرتها تسرح خلف الزجاج في البعيد, بينما كان سعد يمد نحوها فنجان القهوة. أمسكت به متمتمة, في حين رشف رشفة وهو قريب منها, ثم غادر إلى المقعد نفسه وجلس.
مرت مدة والرشفات الحزينة تتبادل الشكوى والأنين والصمت الحزين والأسئلة الموقوفة. وكان الجرح عبر أنينها ينكأ الأبجدية الأولى للوجود والعدم.
أخذت الأسطح تتلاشى, وأخذت الرشفات تتباعد, فضاع ذلك التناغم بين رشفتيهما, كما يضيع أي تناغم بين السؤال والجواب إلى حد الآن…
سارت قليلا ووضعت الفنجان على كتاب مغبر في جانب المكتب. أخذ ينظر إليها بين التمعن والاستغراب في عدمه, وأخيرا نفض رأسه في حضنه بعد أن رمى آخر جرعة في حلقه, ثم وضع يده بفنجانها على ركبته اليمنى. أزاحت برجلها شبشبه الذي لم يلبسه وغادرت الغرفة. سمع صوت باب الحمام يفتح ويغلق, ثم بعد حين, هسهسة ماء المضخة ينزل بتؤدة ثم بسرعة. وقف وتحرك, وعند باب الغرفة وقف, ثم استدار وركز عينيه على باب الحمام, كان يدرك معنى حركتها وكان يتعذب. من قبل, جهرا معا بالحنين والجوى والعذابات الكبرى, وحين أحبا بعضهما فلأجل أن يحبا العالم, أن يبنياه مع الآخرين بهندسة مغايرة, تعيد توزيع اللقم والابتسام فيه بالتساوي, ولذلك عرفا السجون بعد الأعمال السرية التي تقوض لتبنى, لكن..
ظل صوت الماء يأتي ” ما لها?. عادة لا تتأخر كثيرا في الاستحمام” ولأنها عذابه أو معناه, فقد كان يخاف عليها, يخاف جرأتها في الإتيان بعمل مجنون. سار بسرعة, وفتح باب الحمام وأطل. كان رأسها مسبلا إلى الخلف والماء يسيل عليه وهي مغمضة العينين, أحست بفعله ولم تجب, فأدرك أنها تطفئ اشتعال الرأس الذي لم يخمد بعد.
ومن بعد, حين أطلت من باب الحمام خارجة, ورأسها ملفوف في شرشف أبيض, قدم لها ابتساما, أخذته وتمددت على السرير قليلا, فسألها:
– أتريدين شيئا?.
تمتمت شاكرة. فأعاد وضع المخدة الجانبية خلفها, وسار ببطء نحو النافذة نفسها.
بلغه ضجيج الشارع فتذكر انتماءه السابق إليه, وتساءل: أتراه في لا جدواه ذاتها يسير? ثم استدار على مهل وغرس نظرته في رفوف الكتب التي تغطي أغلب جدران الغرفة وتألم: أيهما خدعني, الشارع أو هاته أم كل شيء, بدءا من علاقتنا مع بعض, مع الأحزاب ومع الأنظمة ومع الأفكار, ومع الأيديولوجيات المهزومة?. ثم زفر. فتركت زفرته بللا خفيفا على الزجاج. ولأنه لم يكن يريد أن تبلغها منه شرارة إضافية, فقد استدار نحو السرير, فوجدها مغمضة العينين أيضا ” أتراها تمتنع أغلب الوقت عن الرؤية?” لكن كيف تستطيع أن تمنع الرؤية الداخلية عن التبلور والوضوح, ثم تمتم باسى: وأين المفر?.
وبغتة زعق بوق الحافلة مرتين, حتى جعله يسترد وقفته والمكان المؤقت واللحظات الحبيسة: الوطن.. الحجر الذي تتقلص أطرافه محيطا وخليجيا ليصبح زنزانة محمولة في الداخل. سار نحو الكرسي نفسه وجلس, فأزّ المقعد أزيزا متقطعا هزت رأسها على أثره, ونظرت إليه, وهي ترد له بعضا من بسمته.
“… الجو منعك…” جو الغرفة أو الوطن أو الأمة أو المؤسسات أو الأفكار المنتظرة أو الاقتناع أو الأدوات… أيّ انتحار بطيء وخامل هذا?!…
أزاحت الشرشف عن رأسها, وسرّحت شعرها بأصابع يدها اليمنى وهي تتكئ على اليد اليسرى, فبقي شعرها, كفكرها, غير مرتب.
وتابع يفكر: ولو سافرت.. نلتقي نحن, بعض أفراد الخلية.. نقول, بل ماذا نقول?! فالأرض تبتلع الأقدام قبل السير الخاطئ عليها, ونحن نتشتت عبر الجهات المرئية واللامرئية بحثا عن خطأ إنساني غير مرتكب, لنسجله في التاريخ اللقيط, ثم نولم ولائم الدمع والحزن الأرعن لضياع يوم البعث الموهوم..
تمطت وهي تقف عند جانب السرير, فتسلقت نظرته جسدها الرشيق حتى التقت نظرته بيديها اللتين أسبلتا. كان فرحه بها فرحا أرعن, فهي الخصب الفطري الذي يتأبي على الصغائر وينتمي لدنيا الجموع.. ولكنها الآن, تغالب موت الجموع: في شرايينها وفكرها, وتستأسد من أجل نسمة حياة جديدة, ولذلك تسأله من الصباح لماذا لم يسافر? أكيد أنها غير مقتنعة بالسفر هذا, ولكنه على الأقل خطوة نحو الجديد.. جديد من نوع آخر, يمكن أن يفتح شقا في الجدار الأصم بين الإنسان ومصيره..
ولأن الاكتساح في الميدان والشوارع والبيوت والنفوس والعقول, ولأن الخيوط تشابكت ثم تمزقت.. ولأن نوحا لم يصنع سفينة بعد, ليحمل البذرة المرتقبة للخلق الجديد.. ولأن اللغة ارتطمت على سفح الهزيمة العاتي, فإنها لم تعد السؤال عليه: لماذا لم يسافر.. في الذات وفي الوطن?…
كان يعرف صمتها ودمعها, كما يعرف نقاشها الحاد في الجلسات السرية وهي تدافع عن الاختيار المتطرف. فالمرونة السياسية التي كانت القيادة الحزبية تنادي بها, ليست في رأيها سوى بديل لعملة مدفوعة لتلك القيادة من طرف السلطة, من أجل تطويع القواعد الحزبية لما تراهنت عليه القيادة والسلطة عند الجلوس على مائدة مفاوضات الأرباح والأقساط..
وكان ذلك في نظرها, بداية لمسلسل من التنازلات التي هيأت لكثير من الوشايات والقمع والتمييع وتشتت القوى, سواء على مستوى الأوطان أو الأمة, وذلك ضمن تحالفات الإمبريالية.
لذلك كانت لازمتها التي لا تفارقها في كل نقاش أو تدخل: السجون مفاتيح الشعوب, وكلنا داخله رفضا لهزيمة الهزائم: هزيمة جنس بأكمله.
وفاجأه صوتها وهي تنادي أيضا:
– سعد؟
فانبغت, وتوجه نحوها, فوجدها تطل من باب المطبخ:
– أتأكل شيئا?
فبحث عن لسانه وأجاب:
– نعم, لو سمحت. ولأنه كثيرا ما أكل من يديها وجموحها وتوقها الأرعن للتغيير, فإنه كان مسؤولا أمامها: الأنثى والوطن.. فعليه أن يفعل شيئا.. أن ينقذ ما تبقى.. وأن يطرق أبوابا ويكسر صمتا ويحرر حركة ويسمع أصواتا.. لذلك حين وقفت عند باب المطبخ وانتبه لها وهي مستغرقة في التهيُّؤ, تصور انكبابها واستغراقها المثالي فيما تصنعه, فأحس بأنه يخونها لو توقف, لذلك وضع يده على سترته المعلقة وأخذها ثم خرج..
==============
كاتبة قصة ورواية من المغرب
ولدت في 24 شتنبر 1940 بفاس، اشتغلت بالتدريس ثم عينت في 1968 مديرة بالتعليم الثانوي بالدار البيضاء.
أبرز أعمالها:
-يسقط الصمت, مجموعة قصصية 1976
-النار والاختيار, قصص ورواية 1971
-الصوت والصورة, مجموعة قصصية 1975
-الغد والغضب, رواية 1981.
-الصمت الناطق: قصص

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى