عرب 48: وضعٌ صعب في خضم نقطة تحول تاريخية.
أثّر التعامل المتضارب مع الأقليات في المجتمع الإسرائيلي على هوية عرب 48، مما أضعف شعورهم بالمواطنة من خلال الشك المتبادل وانعدام الثقة.
نينو أورتو
صحفي مستقل متخصص في تحليل الشؤون العراقية والسورية، والصراع الإسرائيلي الفلسطيني، وحروب الشرق الأوسط.
بعدما شنّت حماس هجمتها في السابع من أكتوبر 2023، وجد المواطنون العرب في إسرائيل أنفسهم في مرمى النيران. وهو وضعٌ ما زال يتكشّف في ظل التوترات المتصاعدة والمشهد الاجتماعي والسياسي المتعدد الجوانب الذي يعيشونه، مما لا يترك لهم مجالاً كبيراً لتبنّي الحياد.
يعيش سمير، 25 عاماً، وهو من سكان بلدة كفر قاسم، بين عالمين لا ينتمي لأي منهما. ويقول سمير في هذا الصدد: “من الصعب اليوم أن تكون مواطناً إسرائيلياً عربياً. ففي هذا الوقت، يغلب علينا الشعور بأننا عالقون بين نارين، وبأننا سنواجه عواقب وخيمة بغض النظر عن اختياراتنا”.
ويعيش سمير في قرية على الجانب الإسرائيلي من الخط الأخضر الذي يفصل بين إسرائيل والضفة الغربية. وتقع القرية في الجانب الجنوبي من منطقة “المثلث” التي تضمّ مدناً وقرى من المواطنين العرب الذين لم يندمجوا كلياً في إسرائيل.
وبعدما شنّت إسرائيل عدوانها على غزة رداً على هجوم حماس في أكتوبر 2023، تصاعد القمع ضد المعارضة الداخلية والأقليات في إسرائيل. وأثارت حملات الاعتقالات غضب المجتمع الدولي والمحلي، إذ قامت السلطات الإسرائيلية باعتقال العديد من مواطنيها ذوي الأصول الفلسطينية بذريعة “تبرير هجوم حماس ودعمه”. ولا بد من الإشارة إلى أن مثل هذا النوع من الاتهامات يجعل من تمّ اعتقالهم عرضةً للاتهام بالخيانة العظمى بأحكام تصل إلى عشر سنوات في السجن.
وفي هذا الصدد، يقول سمير: “في 7 أكتوبر، صحوت وذهبت لمقابلة أصحابي مثلما أفعل كلّ سبت. بيد أني وبمجرد أن سمعت عن العملية التي نفّذتها حماس، عجزت التحرك من هول الصدمة. عرفت حينئذ أننا سنعيش أياماً عصيبة”.
خلفية تاريخية
يمثّل العرب الذين يحملون الجنسية الإسرائيلية أكبر أقلية في البلاد، إذ يشكّلون أكثر من 21% من إجمالي السكان الذين ينتمون إلى هويات دينية ولغوية واجتماعية مختلفة. وهنا، لا بد من الإشارة إلى أن القسم الأكبر من أبناء هذه الأقلية الموجودة في إسرائيل يحمل في مكنونه تلافيف الثقافة الفلسطينية.
وينحدر معظم عرب 48 من نسل الفلسطينيين الذين لم ينزحوا خلال أحداث النكبة. فبعد تأسيس دولة إسرائيل عام 1948، قامت الميليشيات الصهيونية بتهجير ما يزيد عن 700 ألف فلسطيني من بيوتهم أو اضطرتهم إلى النزوح نتيجة للاعتداءات، وهذا يشكّل نحو نصف سكان فلسطين من العرب قبل الحرب العالمية الثانية.
ووفقاً للقانون الإسرائيلي، فإنّ السكان كلهم يتمتعون بالحقوق نفسها، سواء كانوا من العرب أو اليهود. بيد أن الواقع يشير إلى أن المواطنين العرب يسكنون في مدن معدمة، ولا يتوافر لهم التعليم الأساسي، ويواجهون تحديات مختلفة يرى الخبراء أنها نتيجة للتمييز الهيكلي.
ولطالما واجهت الأحزاب والتيارات السياسية العربية في إسرائيل صعوباتٍ في الحصول على تمثيل مناسب في الحكومة. وقد أعرب كثير من عرب 48 عن قلقهم من وجود الساسة الإسرائيليين اليمينيين في السلطة، لا سيّما في عهد حكومة بنيامين نتنياهو الحالية التي يرى النقّاد أنها إحدى أكثر الحكومات تطرفاً في تاريخ إسرائيل، مما لا يترك مساحة كبيرة للتمثيل العربي في الكنيست.
أزمة هوية
أثّر التعامل المتضارب مع الأقليات في أجزاء مختلفة من المجتمع الإسرائيلي على هوية عرب 48، مما أضعف شعورهم بالمواطنة من خلال الشك المتبادل وانعدام الثقة.
وفي هذا الصدد، يقول سمير، وهو مواطن من أبناء عرب 48: “أجبرنا هجوم حماس جميعاً على التفكير مجدداً في هويتنا. هل نحن مواطنون إسرائيليون أم فلسطينيون؟ هل ننتمي إلى هنا أم إلى الجانب الآخر خلف الجدار؟ نظرة المجتمع الإسرائيلي إلينا لا تشعرني بأنني مواطن مثلهم. لكنني كذلك لن أكون مرتاحاً للعيش في ظل حكومة فلسطينية”.
ومنذ اندلاع الحرب الحالية، اعتقلت السلطات الإسرائيلية العشرات من عرب 48 بسبب تعبيرهم عن تضامنهم مع غزة، ثم أطلقت سراحهم لاحقاً بعد تحذيرهم أو فرض غرامات عليهم. كما تعرّض بعضهم للمضايقات وحتى الطرد من العمل أو الجامعة بسبب موقفهم.
ومثالٌ على ذلك ما تعرّضت له دلال أبو آمنة، المغنية المشهورة من الناصرة. وجرى اعتقال أبو آمنة ليومين، وهي الآن تواجه اتهاماتٍ خطيرة مثل “ممارسة سلوك تخريبي” و”التحريض على العنف” عبر منشوراتها على منصة إنستغرام، ولا سيما المنشور الذي وضعت فيه العلم الفلسطيني إلى جانب عبارة “لا غالب إلا الله”. وتخضع أبو آمنة حالياً إلى تحقيقات السلطات الإسرائيلية.
وانتقدت أصواتٌ بارزة حالة الطوارئ في إسرائيل التي أثارت مخاوف بشأن انتهاكات الحقوق الفردية، وخاصة حرية التعبير. ونتجت عن هجوم حماس حالةٌ واسعة من القلق في المجتمع الإسرائيلي، مما أجّج الخوف المتزايد من انضمام الأقلية العربية إلى مقاتلي حماس. ونتيجة لذلك، ازداد التوتر بين عرب 48 واليهود الإسرائيليين، وتأزم وضع الأقليات في إسرائيل. ومع ذلك، ظهرت أيضاً حالات من الترصّد داخل مجتمع عرب 48.
وتعرّض متجر للدراجات في مدينة الطيبة للحرق والنهب بعدما تبرّع صاحبه علاء عديّ، 42 عاماً، بدراجات لأطفال إسرائيليين ينتمون إلى إحدى المستوطنات التي داهمتها حماس. لذلك، فقد نظّم مواطنون إسرائيليون حملة تبرعات وجمعوا أكثر من 200 ألف دولار لمساعدته على فتح متجر جديد في كفار سابا، لكنه ما يزال يدرك تماماً الوضع المحفوف بالمخاطر.
وقد رفض عديّ التحدث إلى فنك، إذ قال: “أفضّل تجنّب الحديث أكثر من ذلك عما وقع. إنها فترة معقدة جداً علينا، ونحن نعيش في توتر كل يوم”
يتجلى واقع مختلف عندما يتعلق الأمر بالفلسطينيين الكثيرين الذين يعيشون في شرق القدس، فهم يحملون إقامة دائمة لكنهم ليسوا مواطنين. وقد شهدت القدس توتراتٍ استمرت عدة أشهر حتى قبل اندلاع الحرب في غزة. ووقعت اشتباكات يومية بين الفلسطينيين والشرطة الإسرائيلية بسبب قضايا تتعلق بدخول المسجد الأقصى وكذلك مسيرات المستوطنين الاستفزازية في الجزء الفلسطيني من البلدة القديمة.
وتخشى غالبية سكان القدس من مناقشة أحداث غزة خوفاً من انتقام السلطات الإسرائيلية. ومن بينهم علاء سليمان البالغ من العمر 44 عاماً، وهو صاحب محل إلكترونيات بجانب باب العامود في البلدة القديمة.
وفي هذا الصدد، يقول علاء: “ساء الوضع في القدس بعد هجوم حماس. فإذا كنّا نعيش في حالة صراع من قبل، فإننا الآن بتنا نعيش في حالة حرب. ومع ذلك، فإن حربنا لا تُخاض بالسلاح، بل بإرادتنا من أجل الحرية. هذا كل ما تبقى لدينا. للأسف، كلّ من ينتقد الحرب يتعرّض للقمع، والناس يخشون مجرد ذكر الحرب. لقد اعتقلوا كثيرين لمجرد تعبيرهم عن تضامنهم مع أهل غزة”.
وبينما كنّا نتحدث، كانت البلدة القديمة وشرق القدس كله يقبع في صمت غريب بعدما خلت المدينة من سكانها. وقرّر أبناء القدس الشرقية وفلسطينيو الضفة الغربية كلها بدء إضراب شامل دعماً لغزة. وفي هذا، يقول علاء: “هذه هي طريقتنا الوحيدة للتعبير عن رأينا وإيقاف اقتصاد المدينة. نريد من الناس هنا أن يفهموا أن هذه حرب ضد البشر كافة، سواء كانوا فلسطينيين أو إسرائيليين”. عن موقع: fanak