الحقيبة الثقافية : النقد وبورتري والشعر والزجل
اولا: فضاء النقد
رواية شقراء البصرة للكاتب العراقي عبد الزهرة عمارة
المرأة في مجتمع ذكوري
نجاح إبراهيم- سورية
حين يبدأ القارئُ بقراءة رواية ” شقراء البصرة” للكاتب عبد الزهرة عمارة، يواجه سؤالَ الكاتبِ نفسه الذي دوّنه في البداية ص7 بخطٍّ كبير ولافت:” هل جمال المرأة نعمة أم نقمة؟” سيدرك على الفور أن السرد سيحوم برائحة هذه المقولة.
لطالما سمعنا وقرأنا عن جمال أنثوي ورّط صاحبته بعذابات وحسرات، وتمنت لو كان قبيحة.
من هنا تنطلقُ الموضوعة التي اختارها الكاتب عبد الزهرة لروايته لتدور الأحداثُ حولها عبر مائة وثمان وخمسين صفحة من القطع الوسط، الصادرة عام 2019عن دار أمارجي في العراق.
تبدأ الرواية بمقدمة تشي بزمن السّرد وهو صيف عام 2018، حيث يصعد الكاتب أو الراوي العليم قطاراً في المساء من بغداد ليتجه صوبَ البصرة أقصى جنوب العراق، ولأنَّ المسافة طويلة جداً وسيقطع القطار فيافٍ ومدناً وقرى كالحة، وسيغيّب الليلُ أي جمال قد يمرُّ به فيطمسه، ارتأى الرّجل المسافر، أي الراوي أن يخرج رواية عزازيل ويبدأ بقراءتها تزجية للوقت، ومن هنا تتحرّش به امرأة تبدو في العقد السادس من عمرها، سمراء داكنة، تسأله عنها فيحاول أن يقدّم لها شرحاً موجزاً عن الرّواية ومعنى عنوانها الذي وجدته غريباً.
ويُدخلها الرّجل في عوالم الرواية حيث تجد الأمر جديداً عليها، ثم تطلبُ منه أن تقصَّ عليه حكاية حقيقية، وأبطالها مازالوا على قيد الوجود كونه مهتماً بالروايات.
يشدّه هذا الأمر فيصغي إليها، وكأنها حكمت عليه أن يكون روائياً حيث أخرج دفتراً وقلماً وراح يكتب ويسأل عن التفاصيل التي تهمه، ومن ثم صار راوياً عليماً يخبرنا بكلِّ شيء.
راحت تروي له إلى أن وصلا البصرة، وزاده فضولاً أن يتعرّف على بطلة القصة التي روتها السيدة، واقتادته إلى بيتها ورأى بأم عينه البطلة، والمكان الذي تعيش فيه، ويؤكد لنا الراوي في المقدّمة أنه هو الكاتب ذاته، الذي خيّرته السيدة سوزان بأن يكتب الحكاية التي روتها له كما هي، أو يضيف عليها ما يراه مناسباً، لكنه ارتأى أن يبقيها كما هي لأنها برأيه قصة متكاملة، مؤكداً ذلك في نهاية الرواية أيضاً.
والسؤال الذي يطرح نفسه: هل على الكاتب أن يقدّم رواية خالية من الخيال؟ بمعنى أن ينتشل الحكاية والأحداث من الواقع ويقدّمها لنا كما هي تماماً؟ أم أن يكون الواقع الذي اختاره بذرة لحياة متخيلة تجسّد قضية يريدُ الروائي أن يطرح من خلالها موقفاً فكرياً ورؤية خاصة ازاء واقع محدد تعيشه شخصياته الروائية؟
في ” رواية ” شقراء البصرة” امرأة من البصرة تدعى سوزان تلتقي بامرأة منكوبة قادمة من لبنان دون زوجها ، لها أطفال، وهي حامل أيضاً ، لم يتم تركها في المستشفى للمبيت إلاَّ حين يأتي موعد ولادتها، فتحار ماذا تفعل؟ فتدعوها سوزان إلى بيتها لتلد فيه وتقوم بالاهتمام بها ومراعاتها، ثم تقترح عليها أن تبقي الوليدة عندها لترعاها وتعطي الأم مبلغاً كبيراً يوصلها إلى أوربا، توافق الأم- وكان حريٌّ بها أن تفكر كثيراً وتتألم كثيراً، ترفضُ ثم توافق، لأنها لا تستطيع اصطحاب وليدة غير مسجلة في قيدها في سفرها البعيد، وإن فعلت فسيلتزم ذلك وقتاً طويلاً- وتترك وليدتها أمانة عند سوزان وتمضي ، فتضمر هذه الأخيرة امتلاك الوليدة فتسجلها على اسمها واسم زوجها وتبيع بيتها وتغيّر مسكنها، وكأنها تخشى أن تعود الأم الحقيقية إلى البصرة وتطالب بابنتها التي تم تسميتها ب ياسمين، فتربيها وتعلمها وتصبح طبيبة ، ولكن هذه الفتاة وبسبب جمالها تعاني من مشكلات كثيرة ، جعلها في صراع مستمرٍّ في مجتمع البصرة أولاً، وفي مجتمع ذكوري ثانياً ، فقد تقرّب منها العديد من الرّجال كابن أخت السيدة سوزان الذي رفضته، فكادَ لها كثيراً وحاول ايقاعها في شباكه ، وكذلك الشاب سمير شقيق زميلتها سميرة في الجامعة ، فحين رآها صدم بجمالها:” الله ما أجمل هذا الوجه الأبيض المحمرَّ! وما أجمل هذا الشعر الأشقر، أين كنت يا محروسة؟!” ص71
وحاول الهجوم عليها واغتصابها في بيتهم حين دعتها سميرة لزيارتها، لكن أمه أنقذتها حين سمعت صراخها وأوصلتها إلى بيتها.
واستمر التحرش بها من زملائها في الجامعة بسبب جمالها، وتمَّ نسج الاشاعات حولها وحول أصولها للنيل من سمعتها وذلك حين يفشل هؤلاء في حبها.
وعاشت ياسمين في عذابات مع هؤلاء ليؤكد الكاتب أن الجمال نقمة، كما أنه أبرز لهاث رجال وشباب البصرة وراء جمال هذه الياسمين وكأنه طارئ عليهم وعلى مجتمعهم! فتهافتوا بالحرام والحرام عليها، حتى إن أستاذ الجملة العصبية الدكتور عارف سحر بها وعشقها، وخطبها وبسبب غيرته عليها انفصلا إلى أن ترتبط بمهندس يدعى عماد وتنجب طفلة، ومع ذلك تبقى في معاناة دائمة من جمالها وتبقى في صراع مع من يلهث خلفه.
أحداث عديدة تمرُّ بها بطلة الرواية كموت زوجها والتحقيق معها بشأن موته مسموماً، لكن الأمور تنكشف عن تورط مدير الحسابات بمقتله.
توضح الرواية أن المرأة لم ولن تتخلص من الضغوطات المجتمعية، خاصة المجتمع الذكوري الذي يشرع في ظلمها حتى وإن وصلت درجة عالية من العلم والثقافة، وأرادت أن تكون فاعلة فيه. وكم تمنيت على الكاتب أن يجعل من بطلته ياسمين امرأة قوية تدافع عن حقها بقوّة وفعالية جمالها، وأن لا تتمنى الموت على يد” أسمرة” الشخصية غير المؤثرة :” إذا كنتَ رجلاً اطعنّي حتى أرتاح من العذاب.” ص155
فجمالها صار مصدر عذاب لها، وودت أن تتخلص منه.
وهذا استسلامٌ يدينُ المرأة التي حملت من العلم سلاحاً، لكن الكاتب من وجهة نظري أنه التمس مجريات الواقع التي لا تصدّق، ولو دخلها التخييلُ لمنحها فرادة سردية، و لصارت ” الوهم الخالد، الوهم الباقي لأنه يأخذ شكلاً صلباً وحيوياً عبر الفن بحيث يتواصل مع الاخرين من البشر مهما بعد زمانهم ونأى بهم المكان فيصير بإمكانهم أن يعايشوا صورة الوهم وأن يتأثروا بها.” كما قال فؤاد التكرلي .
ثمّة أمور أود أن أشير إليها، أولها : كيف احتملت ياسمين عدم التواصل مع أمها البيولوجية مدة تزيد على عقدين ، على الرغم من أن سوزان التي تبنتها أفشت لها السر وأخبرتها عن أمها الحقيقية وأين تعيش ! ثم كيف يمرُّ هذا الزمن الطويل ولا يذكر الكاتب شيئاً عن تلك الأم ولا اطمئنانها عن ابنتها التي تركتها في البصرة؟!
الرواية اجتماعية بحتة، بسيطة، سلسة، تقتطع أحداثاً واقعية لتقدمها إلى القارئ، تمتاز بحضور المكان وتصفه- البيوت، الجامعة، بغداد، البصرة- و تمضي بالسّرد الزمني إلى النهاية، عبر ثلاثة فصول لكلِّ فصل عنوان، كأن يكون عنوان الفصل الأول أيام وليال، والثاني أيام في الجامعة، والثالث ليال لا تعود. باستثناء المقدّمة التي بدأها الكاتب والتي جاءت قصيرة وجاذبة ومشوّقة ، تشدُّ القارئ إلى قصة سترويها امرأة القطار.
ثمّة شخصيات في الرواية بدت ضعيفة وواهنة، مثل شخصية سمير وأسمرة وسميرة، ومهما يكن من ضعفها إلاَّ أننا بحاجة لأن نطلع عليها ونستفيد من مواقفها وتجاربها ولعلّي أستشهد بمقولة أورهان باموق التي تؤيد ما قلته:” سواء كان الأبطال أقوياء أم ضعفاء، فنحن نحتاجهم لاكتشاف عوالم جديدة وأفكار جديدة.”
الرواية لاحقت مقولة مجتمع:” الجمالُ قد يكون نعمة وقد يكون نقمة.” بيد أنَّ شقراء البصرة قد نالت الجزء الثاني منها وقد أرّثها الكاتب بكلِّ شفافية.
ثانيا : بورتري : تحية كاريوكا
تحية كاريوكا ..أم اليسار
الممثلة المصرية تحية كاريوكا ، دخلت عالم السياسة والنضال وانضمت لحركة السلام بعد انتصارات الإتحاد السوفيتي في ستالينجراد 1942 وبعدها بثلاث أشهر وجدت البوليس يكسر باب شقتها ليجدوا بعض المنشورات واقتادوها للسجن لآول مرة في حياتها لشهور عديدة . دافعت عن السجناء وطالبت بوقف التعذيب للنساء واليساريين وأقامت نشاطا لمحو الأمية في السجن . ثم إتخذت لها إسما حركيا بإسم ( عباس) . هاجمت نظام الضباط الأحرار وقالت : أن نظام عبد الناصر لايفرق عن أداء الملك فاروق ثم أطلقت قولتها الشهيرة عن الضباط الأحرار : (ذهب فاروق وجاء فواريق) . هاجمت الوفد الإسرائيلي في مهرجان كان السينمائي ووبخت الممثلة الشهيرة ( ريتا هيوارت ) حين إمتدحت إسرائيل وأسمعتها بلغة إنجليزية مقتدرة كلاما جارحا وشتما وسبابا مما إضطرت ريتا هيوارت الى الهروب من المحفل . ثم بعدها أسست جمعية برئاستها لمقاطعة الأفلام والنجوم ذوي الميول الصهيونية . وحين التقت بالشاعر اليساري الشيوعي( نجيب سرور) سألته عن اولاده وزوجته وعن حاله المعيشي وكتبت له عن قائمة بأسماء اليساريين المعدمين الفقراء ومن هم في السجون وأهدتهم المال الكثير وخصصت كل شهر هدية مالية لهم ولذلك لقبت ب ( أم اليسار ) . ويقول الكاتب المصري الشهير ( سليمان شفيق) كلما التقي بها كانت تحكي لي عن إنضمامها للشيوعية ويقول قبل زواجي أصطحبتني لمحل وأشترت لي بدلة العرس مع مظروف يحتوي على مئتي جنيه وفعلتها مع الكثيرين فيقول هذه هي أم اليسار . وحينما جاء المفكر اليساري(ادوار سعيد) الى مصر ليلقي محاضرته والتقى بها وبعد مغادرته لها قال لرفاقه ( هذه السيدة أعظم من الفنانة الكبيرة البريطانية ( ريدجريف ) . وذات يوم رأت الملك فاروق في كازينو الأوبرج وقالت له بسخرية عالية ( مكانك ليس هنا ياجلالة الملك بل على العرش في القصر ) وابتسم الملك بحرج وغادر المكان . ساعدت الفدائيين عام 1948 واستخدمت منزل أختها مريم لتخزين السلاح بنفسها وبسيارتها الخاصة . أيدت مظاهرات الطلبة في السبعينيات ودعمتهم ماديا . ويقول عنها الكاتب ( طارق الشناوي) من أنها ظلّت تمارس حياتها السياسية كيسارية حتى مماتها وهي الفنانة الوحيدة التي أضربت عن الطعام 1988 ولم يوقفها عن اضرابها سوى تدخل ( حسني مبارك ) الذي إتصل بها في مقر أعتصام الفنانين قائلا : (عايزة يقولوا ياست تحية انك عشت تاكلين في زمن فاروق وعبد الناصر والسادات وبعدين تموتي جوعانة في عهد مبارك ) . وتنقل لنا إبنة أختها الفنانة المعروفة (رجاء الجداوي) كيف كانت خالتها في خضم خصومها مع السياسيين كيسارية صلبة عنيدة . أما رشدي أباضة الفنان الجميل لم يحب في حياته حبا حقيقيا سوى ( تحية كاريوكا) . لروحك السلام الأبدي فكنت إنسانة وفنانة ومناضلة ورفيقة حقيقية تستحقين بجدارة أن يطلق عليك ( أم اليسار المصري).
هاتف بشبوش / شاعر وناقد عراقي
ثالثا :شعر و زجل :
أ: قصيدة للشاعرة ربيعة الرحالي “مامينا” بعنوان: تعالي
تعالى نبني صرح حبنا
تعالى نغني لحن عمرنا
تعالى نرحل بعيدا فلا ترانا عيون الحاقدين
ما بقي في العمر ما نضيعه بين المسموح و الممنوع
تعالى نعطي حبنا اسما ﻻ يعرفه غيرنا
تعالى وﻻ تفكر كثيرا في من هم حولنا
تعالى نخلد عشقنا
تعالى نكون أول من ضحى في عصرنا
تعالى لأكون أنت و تكون انا
تعالى نتجرد من اسامينا
تعالى نركب زورق الحب الخالص فينا
نتوه بين البحار و الشطآن
حتى يسمح بالحياة لحبنا
ﻻ اريد مالا فلدي الكثير
ولا اريد عاشقا فلدي الكثير
ﻻ اريد سواك و قد سكنت الرمش و العين
قلبي موطنك؛ وموطنك لغيرك ليس له سبيل
فلا تحرم قلبي من ان يحضنك بلا كلل و ﻻ شروط
فوطنك لك وحدك و غيرك قتيل
فاكرم مثواك بين الظلوع ونم
فعيوني تحرس نومك من كل طيف ليس لي
تعالى
مامينا
ب: قصيدة للشاعرة سناء يماني بعنوان:” يقولون”
يقولون
يتوقعون
يخططون
فهم الخائنون
للكرامة داهسون
وفي الأوجاع يتفننون
بآلام الأبرياء يتلذدون
أنهم على صواب يعتقدون
إنهم قوم مجنون
سفاحون
يقولون مالا يفعلون
عن السلام متحدثون
أفلا يخجلون
كم من الأرواح البريئة
هم حاصدون
لا اتخيل
لا اتقبل
لا أتحمل مايصنعون
أفلا يتعضون
الكل شعر بالهزات الأرضية
ولم يقدروا
الهزات النفسية
من وراء
الصدمات
الإنفجارات
اليومية
لقد غابت الإنسانية
وتساقطت الأرواح البشرية
أتظن الصهيونية
أنها طمست الهوية
ومحت التاريخ
بممحاة إسرائيلية
ستبقى الأرض فلسطينية
سناء يماني
ج:قصيدة زجلية لشيخ زجالي دكالة الغوتي مفتقير بعنوان :”يا سلام “
يا سلام
عل حلاوة الالام
كيفاش تفائلت
من بعد ما تسائلت
و جوابي خرج مني كلام
ما مرضت ما شفت طبيب
ملي خوا الجيب
و ضاق الحال
خرجت نفتش عل الحبيب
سحت في بلاد التعلب و الديب
فين ما نگول راني غريب
نلقى كلشي مني قريب
وخ الدنيا نوات معايا خزيت
جعت و دهنت فمي بالزيت
و شديت ديك الطريق و مشيت
وخ نسيت و تنسيت
بالضعف ما حسيت
تعريت و بلطف الله تسترت و تكسيت
الاحوال و الاهوال
و كيفاش يوصفها الگوال
غصت في بحر الاحلام
و مشيت طرقان طوال
و دركت حكمة الظلام
ما مليت من التسوال
و على جميل الطبيعة عشت عوال
يا سلام على هاد العالام
سامفونية الحياة و احلى موال
هنية ليك يا العايش في البلاد جوال
هنية ليك يا گاطع الجبال
و عايش الهبال مع الگمرة و الهلال
هنية ليك يا العايش بالحلال
هنية ليك يا با علال
الشكارة خاوية ما فيها ريال
بعتي و شريتي في الدنيا بلا دلال
قلال هما قلال
دارو من القليل راس المال
الحيوط الحصينة دركها الحال
كالها الريح و بقات اطلال
يا سلام
كيفاش تفائلت و ما كنت ملال
الغوتي المفتقر الدغوغي