أبو ايوب
لا يتعلق الأمر بما يتم الترويج له اليوم بين الفينة و الأخرى عن ظهور أسد الاطلس بمناطق متفرقة من مناطق الأطلس المتوسط ، ظاهرة من صلب المخيال الشعبي حظيت باهتمام ملحوظ بقنوات الصرف الصحي و مواقع عديدة على اليوتوب… الهدف من ورائها على ما يبدو عملية الهاء مقصودة ترمي الى مزيد من تنويم ما بات يعرف بالكائن الببغائي او الإنسان الحيوان …همه الوحيد و شغله الشاغل اشباع ضروريات البطن و نزوات ما تحته..
قصة أسد الاطلس اليوم من صلب الواقع و التاريخ دامت لسنة كاملة تعود فصولها الى ما حدث بمدينة طنجة سنة 1839 م و تسببت في بوليميك ديبلوماسي بين المغرب و امريكا ، و ما تولد عنه من إشكالية قانونية بين رؤساء امريكا و الكونغرس انتهت بين قانون ملزم للمسؤولين الأمريكيين لا زال ساري المفعول حتى يومنا هذا
قصة مستوحاة من ارشيف الكونغرس الأمريكي بمناسبة انعقاد الدورة 26 لأعمال و اجتماعات الكونغرس سنة 1839 كما وثقتها رسالة السفير الامريكي طوماس كار (Thomas Carr) التي بعث بها الى الرئيس الامريكي مارتن فان بورن ( Maarten van Buren ) عبر وزارة خارجية بلده بتاريخ 3 شتنبر من نفس السنة..فجاءه الرد يوم 12 نونبر 1839 من وزير الخارجية جون فورسيث ( John Forsyth)
مجريات الأحداث حدثت بمدينة طنجة سنة 1839 بالسفارة الأمريكية..بالمناسبة هي اول سفارة افتتحتها الولايات المتحدة في العالم مباشرة بعد الاعلان عن استقلالها ، فلم تكن في لندن و لا باريس و لا موسكو …كانت و لا زالت في طنجة و هي قائمة حتى حدود الساعة و قد تم تحويلها إلى متحف
ذات صباح استيقظ السفير طوماس كار على صراخ و صخب، نزل ليستطلع الأمر فوجد نفسه أمام موكب ضخم بالطبول و الموسيقى يتقدمه وزير السلطان م.عبد الرحمان بن هشام و معه اسدين ذكر و انثى هدية من سلطان المغرب الاقصى الى الرئيس الامريكي مارتن فان بورن
هدية قوبلت برفض السفير استلامها متعللا لاسباب عدة …من قبيل ان الرئيس الامريكي لا يمكنه قبول هدايا…فأخبره الوزير السلطاني ان الهدية لن تكون للرئيس و انما الكونغرس الأمريكي ..نفس الرفض تكرر بدعوى عدم قبول الكونغرس للهدايا…فبادره الوزير بسؤال عمن صوت على الكونغرس ؟ اجابه السفير بالطبع الشعب الأمريكي هو من صوت ..فعرض عليه الوزير تقبل الاسدين كهدية للشعب الامريكي لكن السفير تمسك بالرفض..
فما كان من حل امام الوزير بعدما فرغ صبره سوى مواصلة استعطاف السفير لعل و عسى ..ففاتحه بخلاصة القول …سيدي السفير ، اذا رجعت عند مولاي السلطان في فاس بالاسدين سيقوم على الفور بقطع راسي و اطعامهما بجسدي، لذا لم يتبقى لي من حل سيدي السفير سوى ربطهما قبالة السفارة و انصرف و افعل بهما ما تشاء …
على اثر ما جرى بين الوزير و السفير لم يجد الأخير بدا سوى قبول استلام الهدية …و بما أن السفارة كانت عبارة عن فيلا متوسطة المساحة …امر بافراغ غرفة للأسدين ثم قام بمراسلة وزارة الخارجية لاطلاعها على ما دار من حديث بينه و الوزير السلطاني و كيف حاول بكل الطرق رفض الهدية لكنه اضطر في الاخير بقبولها و خصص لها غرفة رغم ضيق المكان حيث السفارة الذي كان عبارة على زقاق فيه منازل ، معربا له عن تخوفه من احتمالية هروب الأسدين و انه ينتظر التعليمات و الاموال لكي يتصرف
فجاءه رد الوزارة بتاريخ 12 نونبر 1839 كما اسلفت القول، ملخص القول ان الرئيس يتفهم انك لم ترد اغضاب السلطان و مبعوثه و يشكرك ..يمكنك ارسال الأسدين على اي باخرة تجارية تبحر بالابيض المتوسط نحو امريكا …
بقية القصة ترويها صحيفة الواشنطن بوسط الشهيرة …بما ان الهدية موجهة الكونغرس قام الرئيس الامريكي باخطاره متسائلا ما الممكن فعله بالأسدين ..على أثره عقدت جلسة بالكونغرس للفصل في الموضوع خلصت الى :
1 قبول الهدية
2 سن ميزانية خاصة لتغطية نفقات نقل اسد و لبؤة الأطلس و الاطعام
3 بيعهما في المزاد العلني
للإشارة تم بيعما بمبلغ 375 دولار لاحدى شركات السفن بفيلاديلفيا…الا انهما تسببا في بوليميك بين الرئيس طوماس فان بورن و نظيره السابق جون كوانسي ادامز حول قيمة الهدايا المقبولة..فكانت النتيجة سن قانون لا زال ساري المفعول الى يومنا هذا ، يحث الرؤساء و الوزراء و السفراء و المسؤولين الأمريكيين في الخارج بعدم تقبل اي هدية تفوق قيمتها 390 دولار امريكي
كما وجب استذكار معلومة حول وجود أسد الاطلس حتى حدود سنة 1903 اسمه ( سلطان) في حديقة الحيوانات بمنطقة البرونكس بنيويورك…و كانت صوره مطبوعة على البطائق البريدية يتبادلها السياح مع اصدقائهم و أفراد اسرهم عبر العالم …قصة من ارشيف الكونغرس الأمريكي قد تصلح للسيناريو فيلم هوليوودي تحت عنوان ( أسد الاطلس في مواجهة السفير الميريكاني و المبعوث السلطاني )