انبوب الغاز نيجيريا -المغرب
منقول
صرّح رئيس شركة البترول الوطنية النيجيرية المحدودة (NNPC LTD) ميلي كياري، خلال مشاركته في مؤتمر (CERAWeek) بمدينة هيوستن الأمريكية، في 20 مارس 2024، بأنه سيتم الحصول على تمويل التنمية في المشروع العملاق “خط أنابيب الغاز المغرب– نيجيريا” في شهر ديسمبر 2024، وأن المشروع قد أحرز تقدماً كبيراً مُتجاوزاً مرحلة التخطيط.
جاءت هذه التصريحات عقب إعلان المكتب الوطني المغاربي للمحروقات والمناجم، عن تأسيس شركة للإشراف على تمويل وبناء هذا المشروع الذي ستبلغ سعته حوالي 30 مليار متر مكعب، كما ستبلغ تكلفته حوالي 25 مليار دولار، بطول يصل إلى حوالي 6 آلاف كم؛ إذ سيمر بين 13 دولة (نيجيريا – بنين – توغو – غانا – ساحل العاج – ليبيريا – سيراليون – غينيا – غينيا بيساو – غامبيا – السنغال – موريتانيا – المغرب) وتأكيده أيضاً أن القرار النهائي للاستثمار في هذا المشروع سيكون في نفس التوقيت أو مع بداية عام 2025، وعند اكتمال هذا المشروع سيكون أطول خط أنابيب بحري في العالم.
فرص متاحة
تم تصميم هذا المشروع لأول مرة في عام 2016، واكتسب زخماً بتأييد المغرب ونيجيريا اتفاقاً لتمويل دراسة الجدوى الخاصة به بعد موافقة البنك الإسلامي للتنمية عليه؛ إذ قدم البنك حوالي 45 مليون دولار في عام 2021 لكل من المغرب ونيجيريا؛ للمساهمة في دراسة التصميم الهندسي للمشروع التي تقدر بحوالي 90 مليون دولار؛ ثم حصل على دعم دولي جديد في إبريل 2022؛ إذ حصل على تمويل كبير بقيمة حوالي 14.3 مليون دولار من صندوق منظمة الدول المصدرة للنفط “أوبك”، وتم استخدام هذا التمويل لتمويل دراسة جدوى المشروع الخاصة بتصميم الواجهة الأمامية لخط الأنابيب، وفي هذا السياق توجد مجموعة من الفرص المتاحة التي يمكن الارتكاز عليها لنجاح هذا المشروع وتنفيذه على أرض الواقع، ومن أهمها ما يلي:
1. مُفاوضات مُكثّفة: تعكس المفاوضات والاجتماعات المُكثّفة التي يعقدها المسؤولون المغاربة والنيجيريون، اهتماماً غير مسبوق من كلتا الدولتين بتنفيذ المشروع الجديد، ومنها اجتماع وزيرة الانتقال الطاقي والتنمية المستدامة المغربية ليلى بنعلي، مع وزير الدولة النيجيري للموارد النفطية إكبيريكبي إيكبو، ووزير النفط والطاقة السنغالي أنطوان فيليكس عبدواللاي ديومي، في شهر يناير 2024؛ إذ كان الهدف من هذه المفاوضات والاجتماعات المكثفة هو تسريع عملية التوصل إلى قرار نهائي بشأن الاستثمار في خط أنابيب الغاز الجديد، وهو ما يتماشى مع ما إعلان العاهل المغربي محمد السادس، أن هذا المشروع على رأس الأولويات بالنسبة لبلاده، والتي سيتم تنفيذها خلال الفترة المقبلة؛ إذ أكّد أن هذا المشروع سيؤتي ثماره من خلال توريد الغاز للدول الأوروبية في ظل نقص إمدادات الغاز الروسية لها.
2. إطار أطلسي بقيادة مغربية: تقود المغرب مُبادرة لإنشاء إطار مؤسسي يجمع الدول الإفريقية الأطلسية بقيادة مغربية؛ بشكل يساعد على تنفيذ هذا المشروع؛ إذ أعلنت المغرب أن هذا المشروع سيمثل رافعة استراتيجية للاندماج الإقليمي والتنمية الاقتصادية والاجتماعية لدول غرب إفريقيا، وهو ما دفع دولاً إفريقية للانضمام لهذا المشروع كان آخرها: ليبيريا وبنين وساحل العاج وغينيا في يونيو 2023، وقبل ذلك أعلنت المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا “سيداو” توقيع مُذكرة تفاهم مع المغرب ونيجيريا؛ لتأكيد الالتزام المشترك بتنفيذ المشروع، وقبلها انضمت كل من موريتانيا والسنغال، وتهدف المغرب من هذه المبادرة لتعزيز دورها في سوق الطاقة؛ من خلال فتح أسواق جديدة للغاز في غرب إفريقيا، والتحول لمركز إقليمي لنقل الغاز الإفريقي إلى أوروبا؛ ومن ثم تعزيز مكاسبها الاقتصادية.
3. تأمين إمدادات الغاز للدول الإفريقية: أعلنت نيجيريا التي تمتلك فائضاً كبيراً من الغاز الطبيعي، أهمية توفير إمدادات الطاقة من الغاز الطبيعي لمعظم الدول الإفريقية جنوب الصحراء التي لا يحصل 70% من سكانها على وقود الطهي النظيف؛ إذ وصل إنتاج الغاز الطبيعي في نيجيريا مؤخراً إلى حوالي 1.7 مليون برميل يومياً بدلاً من أقل من مليون برميل يومياً عام 2022، كما أن نيجيريا تعمل على بناء عدد من الخطوط الرئيسية والبنية التحتية الأخرى للغاز الطبيعي داخل أراضيها؛ لتحقيق الاكتفاء الذاتي منه في الأسواق المحلية؛ ثم تصدير الفائض ليصل إلى تلك الدول الإفريقية التي تعاني نقصاً في إمدادات الطاقة وخاصة الدول التي سيعبر منها المشروع الجديد، كما سيضمن المشروع إمداد 3 دول ساحلية تنتمي لمجموعة دول غرب إفريقيا الاقتصادية “سيداو” وهي: مالي والنيجر وبوركينا فاسو بالغاز الطبيعي، وبالتالي هناك دافع كبير لدى الدول الإفريقية لتنفيذ هذا المشروع لتعظيم مكاسبها الاقتصادية في المقام الأول من خلال سد الفجوة الكبيرة في التحول الراهن في مجال الطاقة، وفي هذا الاطار أكد إكبيريكبي إيكبو، وزير الدولة النيجيري للموارد النفطية ضمان بلاده استمرار تدفق الإمدادات لمشروع الغاز الجديد بمجرد تشغيله؛ إذ تملك نيجيريا احتياطياً من الغاز الطبيعي يبلغ حوالي 209 تريليونات قدم مكعب.
4. الدعم الأوروبي لتنفيذ المشروع: اكتسب مشروع خط أنابيب الغاز المُمتد من نيجيريا إلى المغرب أهمية استراتيجية تضاعفت منذ اندلاع الحرب في أوكرانيا وفرض الحظر الأوروبي على الواردات الروسية من النفط والغاز، خاصة وأن هذا الخط يهدف إلى إيصال الغاز الطبيعي إلى أوروبا، وهو ما يدفع الدول الأوروبية؛ لدعم هذا المشروع الذي سوف يؤمن لها احتياجاتها من الطاقة وخاصة من الغاز الطبيعي في ظل توتر العلاقات الروسية الأوروبية، على خلفية امتداد الأزمة الأوكرانية، وقد أكدت تصريحات المسؤولين النيجيريين أن هذا الخط سيُعد مصدراً جديداً لإمدادات الغاز لدول الاتحاد الأوروبي؛ إذ سيتم الربط بين خط أنابيب الغاز الجديد وخط أنبوب الغاز المغاربي الأوروبي وشبكة الغاز الأوروبية، وهو ما سيساعد على تسهيل تسويق الغاز من المشروع الجديد داخل الاتحاد الأوروبي؛ ومن ثم تحقيق مكاسب مالية طائلة للدول الإفريقية المصدرة للغاز الطبيعي.
صعوبات قائمة
رغم الحديث عن أهمية مشروع خط أنابيب الغاز بين نيجيريا والمغرب ومنها للدول الأوروبية، والفرص المتاحة لتنفيذ هذا المشروع، إلا أن هناك عدداً من التحديات المختلفة التي قد تقف حائلاً دون إتمامه على أرض الواقع، أو على أقل تقدير تأخير موعد تنفيذه وفقاً للخطط الموضوعة في هذا الخصوص، ومن ذلك ما يلي:
أولاً؛ العقبات السياسية:
– غياب الاستقرار السياسي في دول الساحل والصحراء: تعاني دول هذه المنطقة من تفاقم الأوضاع الأمنية، ويرجع ذلك في المقام الأول إلى عدم استقرار الأنظمة السياسية الانتقالية التي أصبحت على رأس السلطة في دول الانقلابات، وخاصة في مالي وتشاد وبوركينا فاسو والنيجر، وعدم قدرتها على تحقيق الاستقرار السياسي المنشود، هذا إلى جانب ضعف القدرات الأمنية والعسكرية المطلوبة لوضع حد للأنشطة الإرهابية التي تواجه بلدانها وتهدد أمنها القومي، خاصة وأن هذا الأمر كان أحد الأسباب التي استند إليها العسكريون المنقلبون في تلك الدول للإطاحة بالأنظمة السياسية السابقة بعد اتهامها بعدم القدرة على مواجهة التنظيمات الإرهابية المنتشرة في تلك الدول.
ثانياً؛ العقبات الأمنية:
– تصاعد أنشطة التنظيمات الإرهابية: تمثل العقبات الأمنية المرتبطة بالتهديدات والمخاطر الأمنية المترتبة على تصاعد أنشطة بعض التنظيمات الإرهابية -مثل: داعش والقاعدة في منطقة الساحل والصحراء وتحديداً في منطقة دلتا النيجر، وتنظيم بوكو حرام في نيجيريا- تحدياً أمنياً كبيراً أمام تنفيذ هذا المشروع، فمن المُحتمل أن تصبح البنية التحتية لهذا المشروع هدفاً مثالياً لهذه التنظيمات التي قد تستهدف الأمن القومي لبعض الدول التي تنشط فيها وخاصة في دول منطقة الساحل والصحراء.
ثالثاً، الصعوبات المالية:
1. إشكالية التمويل: تُشير بعض التقارير الفنية الخاصة بهذا المشروع إلى وجود صعوبات مادية تواجهه، فمن جهة، هناك صعوبات مُتعلقة بقدرة كل من المغرب ونيجيريا على توفير السيولة المطلوبة لتنفيذ المشروع، ومن جهة أخرى هناك مشكلة متعلقة بتكلفة البنية التحتية التي سيتم بناؤها في الدول الـ 13 التي سيمر بها خط الأنابيب، ورغم الحديث عن التمويل المحتمل الذي سيقدمه بنك الاستثمار الأوروبي باعتباره سيكون الطرف المسؤول أمام البنك الدولي عن هذا الأمر، فإن هناك مخاوف بشأن المشكلات المحتملة المترتبة على ذلك الأمر؛ إذ يرى بعض الخبراء احتمال أن يثير ذلك مشكلة حول الطرف الذي سيتولى إدارة المشروع الجديد، وبصفة عامة يرى بعض الخبراء أن المشروع يمكن أن تمتد فترة تنفيذه إلى حوالي ما بين 25 إلى 50 عاماً، نظراً للحجم الكبير لمشروعات البنية التحتية التي سيتم بناؤها لتنفيذ خط الأنابيب الجديد، هذا إلى جانب أنه رغم تأييد الدول الأوروبية لهذا المشروع، فإنها لم تعلن حتى الآن عن تقديم دعم مالي أو استثمار في هذا المشروع، رغم أنها أحد الأطراف الرئيسية المستفيدة منه.
2. مشكلات اقتصادية مُحتملة: هناك مخاوف بشأن التداعيات المترتبة على اشتراك 13 دولة في هذا المشروع، وما قد يترتب على ذلك من مشكلات تجارية واقتصادية، نظراً لكثرة عدد الدول؛ إذ يرى خبراء الاقتصاد أنه كلما قل عدد الدول كلما قلت المشكلات التجارية المحتملة بينها، والتي تنشأ نتيجة عدم قدرة بعض الدول على سداد التزاماتها المالية في هذا المشروع فيما يخص إنشاء البنية التحتية والحصول على الغاز الطبيعي.
3. صعوبات بيئية: يُشير بعض الخبراء إلى أن هذا المشروع قد يترتب عليه عدد من المشكلات البيئية بسبب عبور خط أنابيب الغاز من خلال شواطئ المحيط الأطلسي، وهو ما قد تترتب عليه مشكلات بيئية خطرة؛ الأمر الذي سيثير موقف نشطاء البيئة والمنظمات الإقليمية والدولية العاملة في مجال الحفاظ على البيئة البحرية، خاصة وأن هناك اتفاقيات دولية خاصة بحماية الموارد البيئية والأحياء المائية.
وفي التقدير، يمكن القول إن المعطيات الراهنة ترجح استمرار الجهود المغربية لدفع مشروع أنابيب خط الغاز مع نيجيريا نحو التنفيذ على أرض الواقع، مُعتمدة في ذلك على مقاربة اقتصادية تركز على تحسين الأوضاع الاقتصادية للدول الإفريقية ذات الدخول المتوسطة التي سيمر بها المشروع، وذلك في إطار تعظيم المكاسب الاقتصادية لهذه الدول وفق مبدأ “الكل رابح”؛ إذ سيكون له آثار إيجابية على اقتصادات الدول المشاركة فيه، ورغم ذلك لا يمكن التقليل من أثر التحديات والصعوبات المختلفة التي قد تعرقل عملية تنفيذه، أو على أقل تقدير تأخير تنفيذه بالفعل.