وَ لْيغْضَبْ منْ يشاء؛ الفصل الثاني : النقادُ أو الناقدون أو النَّقَدَةُ بقلم ذ. نور الدين حنيف
وَ لْيغْضَبْ منْ يشاء
الفصل الثاني : النقادُ أو الناقدون أو النَّقَدَةُ
***
في غيرِ تعْميمٍ و في غيرِ وصايةٍ و أنا لستُ فوقَ الشّبْهةِ البتّةَ، أقول : النقاد أصناف متعددةٌ …
الأول، صنفٌ تمجّه حالما تنظر إليه، وفيه يكون الناقد شخصا منبطحاً يتوسّل الأعتاب ويستدر اللقيمات التي لا تسد جوْعة. هذا الصنف يطلب من صاحب النص وبجرأة غريبة، مقابلا ماديا رخيصا مهما انحطّ ثمنه. والرّخص هنا يرتبط بغياب القيمة الإنسانية النبيلة وحضور القيمة المادية الرذيلة. وفيه تنتفي أيّ مقاربة علمية وتغيب، ما دام الأمر تعلّق بوضع الطلب في قائمة الانتظار… يتعامل هذا الصنف مع زبائن من نوع خاص، يتسمون بالرغبة المرضية في الوصول واعتلاء المنصات ليتم التصفيق لهم وهم لم يتجشموا البتّة مشقّة الإبداع. و قد يبلغ بهؤلاء النقاد في حالات المحل والقحط الى قبول مبلغ زهيد لا يتجاوز المِأتَيْ درهما أحيانا .
والثاني، صنفٌ عجيبٌ، يطلب مقابلا لاأخلاقيا، ويختار زبائنه من فئة خاصة، يتقرّب إليها ويلقي بشباكه في أوساطها، وسرعان ما ترتمي الضحية على الطعم وتلتهم الصنارة بما فيها، ويكون لها ما أرادت. وما أرادته لا يعدو أن يكون وهما بالوصول عبر مقدمة في رأس الديوان أو مقاربة تزكي فبركة الديوان، الذي عادة ما يكون مجموعة من النصوص المستوردة من هنا ومن هناك . و في هذا السياق تغيبُ المعرفة و الفن و يحضر شيءٌ آخر لا يمتّ بأدنى صلةٍ للإبداع. و شرح الواضحاتِ هنا من المفضحات.
والثالث، صنفٌ أغرب من الغرابة، يبدو فيه الناقد قناصا من نوع آخر، يقترب من مساحات الضوء فيشيد بنجوم المشهد المشعّ، عالِما ًكل العلم أنه سيحظى بواسطة مقارباته العصماء بشيء من هذا الضوء. وما هذا الضوءُ إلا تقلّبٌ في اللقاءات والمحافل والمهرجانات. وذاك هو أقصى ما يحلم به وهو الناقد المغمور الباحث عن شيء يشبه الاعتراف الذي خانه فيه تقديره للاعتراف. وليس أبلغ من أن تعترف بذاتك أيها الناقد، خطوةً أولى ليعترف بك الآخرون وتعتلي منصات التتويج على الرغم من أنوفهم، لأنك تملك المباضع الحقيقية لتشريح الفعل الثقافي .
والرابع، صنفٌ قبليّ عشائري لا يكتب إلا عن طينة بشرية تشبه طينته في الانتماء إلى تراب معين من أتربة هذا الوطن المتعدد والسعيد. فينبري إلى التعريف، فقط، وحصريا، بأهل عشيرته من المبدعين وخاصته من بني عرقه وأرومته، في شوفينية ضيقة لا تخدم المشروع الثقافي الوطني وإنما تنغلق على ذاتها في محاولات التطبيل للمحلية الأضيق .
والخامس، والسادس والسابع وهلم جرا… حيث لا يتسع المقام لرصد حالات أخرى من النقد والنقاد والمنقودين والمنقودات …
والخلاصة، كن ذاك الصنفَ المنزّه عن أي شبهة، والمجرد من أي اعتبار إلا اعتبار العلمية والأمانة، الذي يُغري بالتتع وبالقراءة وبالتبني لما يحمله من أطايب الكلام المحلل والمشرح في مسؤولية علمية تتبنى المنهج المناسب وتروم تقديم المنتوج الفني تقديما موضوعيا يكشف عن طبيعة الرؤية الإبداعية من خلال رؤية نقدية أبدع، وأنبل وأجدى بأن تكون هي الشعار والفلسفة في أزمنة العبث والخواء .
***
نون حاء
ترقبوا فصولا أخرى تكشف ورقة التوتِ عن خيباتنا في مجال الإبداع