د/ إدريس فجر : العقد لم يعد شريعة المتعاقدين .. حتى إشعار آخر.
بقلم : د/ إدريس فجر
أولا – يستفاد من الاجتهاد القضائي (محكمة النقض ، قرار بغرفتين عدد 699 الصادر بتاريخ 24/10/2023 ، ملف مدني عدد :5564/1/1/2021) :
ان محكمة النقض ” حسمت بشأن الطبيعة الخاصة لاتفاق اتعاب المحامين و الذي يبقى في المجمل إتفاقا مبدئيا قد يمكن العدول عنه انفراديا من طرف المحامي (المتضرر من الاتفاق السابق مع موكله على ما يظهر ) إن اعتبره مجحفا مقابل ما بذله في سبيل موكله ( من خدمات واستشارات و دفاع ) دون التقيد بقاعدة العقد شريعة المتعاقدين (المقررة مبدئيا لصالح الموكل ) ، وبذلك تكون محكمة النقض قد فكت اي ارتباط بين منازعات اتعاب المحامين و قانون الالتزامات والعقود … “( كما علق ذلك الاستاذ ر . بلحسين على ما يبدو ) . وسند المحكمة في قرارها المذكور هو المادة 51 من قانون المحاماة التي تنص على انه (( للنقيب البت في منازعات اتعاب المحامين بما في ذلك مراجعة النسبة المحددة باتفاق بين بين المحامي و موكله )) ، والكل يعلم طبيعة قانون المحاماة وهي انه قانون لا يكتفي بتنظيم مهنة المحاماة ولوجا و إنهاء بل جاء ليحمي المحامين من الدخلاء على المهنة من باب الانتحال و النصب و ولإنصاف المحامين إن تضررت مصالحهم المادية
ثانيا – انتصرت المحكمة – كما يستشف من قرارها – للطرف الضعيف ضد الطرف القوي في علاقة المحامي بموكله ، و نعتقد أن الطرف الضعيف في هذه النازلة هو المحامي باعتباره هو الطرف المتضرر من الاتفاق السابق مع موكله، وهو الاتفاق الذي لا يلبي له كل حقوقه و يتعارض مع مبدأ ((لكل خادم أجر )) ، ولكن قد يتساءل البعض اليس المتعاقد مع المحامي مستهلكا تجب حمايته هو الآخر ؟ وقد يرد على ذلك البعض الآخر بأن حماية المهنة و عدم تبخيس عمل المحامين يستلزم التضحية بمبدأ العقد شريعة المتعاقدية و بمبدأ سلطان الارادة إن شابها ما يشبه الغبن و الضعف أثناء التفاوض على العقد والمستقبل وحده كفيل بالجواب عما إذا كان هذا الفريق او ذاك على حق أم لا ؟.
ثالثا – في انتظار ذلك و لإغناء النقاش نرى ان الحلقة المفقودة فيه وهي ان المادة 3 من قانون حماية المستهلك تنص على أنه : (( يجب على كل مورد (بما في ذلك أصحاب المهن الحرة ) أن يمكن المستهلك بأي وسيلة ملائمة من معرفة المميزات الأساسية للمنتوج أو السلعة أو الخدمة و كذا مصدر المنتوج أو السلعة و تاريخ الصلاحية إن اقتضى الحال، وأن يقدم إليه المعلومات التي من شأنها مساعدته على القيام باختيار معقول باعتبار حاجياته وإمكانياته.
ولهذه الغاية ، يجب على كل مورد أن يعلم المستهلك بوجه خاص عن طريق وضع العلامة أو العنونة أو الإعلان أو بأي طريقة مناسبة أخرى بأسعار المنتوجات والسلع وبتعريفات الخدمات و طريقة الاستخدام أو دليل الاستعمال و مدة الضمان و شروطه والشروط الخاصة بالبيع أو تقديم الخدمة،و عند الاقتضاء ،القيود المحتملة للمسؤولية التعاقدية .))
صحيح أن النص الخاص مقدم على النص العام ، و أن مبدأ العقد شريعة المتعاقدين ليس مقدسا و يمكن تجاوزه بجرة قلم لكن شريطة ان يثبت احد الطرفين تعسف الطرف الآخر و ان هذا التعسـف ألحق به ضررا ما ، وهو لا يظهر من تعليل قرار محكمة النقض بغرفتين – بحسب ما هو منشور – وغني عن البيان أن المادة 15 من قانون حماية المستهلك تنص على أن :(( يعتبر شرطا تعسفيا في العقود المبرمة بين المورد والمستهلك كل شرط يكون الغرض منه أو يترتب عليه اختلال كبير بين حقوق وواجبات طرفي العقد على حساب المستهلك. ))
ونأمل ان يكون قرار محكمة النقض الأخير فرصة سانحة لفتح نقاش فقهي قضائي حول كيفية التوفيق بين القوة الملزمة للعقود ، والأنظمة المهنية الحرة ، وقانون حماية المستهلك ، وللحديث بقية..