أحمد التايب يكتب : مُعضلة اليوم التالي للحرب، من يحكم غزة ؟
رغم مواصلة القصف والقتل والاستمرار فى أعمال الإبادة لسكان قطاع غزة وتعنت حكومة نتنياهو المتطرفة بشأن إنهاء الحرب، هناك تصريحات وأحاديث لمسئولين في مجلس الحرب وعلى رأسهم وزير الدفاع جالانت يؤكد أن إسرائيل لن تقبل استمرار حركة حماس في حكم قطاع غزة في أي مرحلة خلال عملية إنهاء الحرب، وإن إسرائيل تبحث في أمر بدائل لحماس، خلاف تحدث الإعلام الغربي والإسرائيلي كثيرا عن ملامح خطة اليوم التالي للحرب في غزة.
وأعتقد أن الحديث عن اليوم التالي للحرب دون العمل بشكل جدي لوقف إطلاق النار أولا وإنهاء معاناة سكان قطاع غزة وإنقاذ حياتهم من الجوع والتشريد والدمار والخراب الذى حلّ بهم يأتي في إطار المقاربة المضللة للولايات المتحدة الأمريكية التي تتبناها منذ اندلاع الأزمة الراهنة خاصة أن نتنياهو وحكومته المتطرفة تسعى بكل قوة لإطالة أمد الصراع للهروب من المحاكمة والمساءلة بسبب عملية طوفان الأقصى، وأن الحكومة المتطرفة لا يهمها إلا تنفيذ استراتيجية الكيان الصهيوني الذي تأتى وفق برنامج الصهيونية منذ ١٩٤٨.
والخطير فيما يقوله وزير الدفاع الإسرائيلي أن خطة إسرائيل لليوم التالى للحرب تتطلب عزل مناطق في قطاع غزة، ونشر قوات أمنية وعسكرية ستمكّن من تشكيل حكومة بديلة تسمح بإزاحة حماس عن السلطة وإعادة الرهائن، وهو ما يعقد الأزمة ويمنع تحقيق أي تقدم في مسار التفاوض والوصول إلى صفقة تؤدى إلى عقد اتفاق ينهى الحرب ويكلل جهود الوساطة.
لذا، يجب على المجتمع الدولى أن يُدرك أن ما تفعله إسرائيل وحديثها عن اليوم التالي للحرب لا يأتي إلا ضمن استراتيجيتها القومية التي لا تتغير بتغير الحكومات، وهو الإصرار على تكريس التقسيم الزماني والمكاني في الأقصى والقدس وغزة الآن والضفة الغربية والاعتماد على مجموعة من اللاءات الغير قابلة لأى نقاش أهمها، لا لإقامة دولة فلسطينية مستقلة، ولا لعودة اللاجئين الفلسطينين، ولا لإيقاف الاستيطان الإسرائيلي، ولا لحرمان إسرائيل من المياه العربية، ولا لوجود تحالف عربي استراتيجي يهدد حلمها أو مصالحها.
وأن استراتيجية إداراتها تعتمد على المراوغات والوعود الكاذبة، والقيام بعمليات عسكرية بين الحين والآخر من أجل سياسة الردع، وتعزيز الانقسام بين الأطراف الداخلية والحفاظ على مصادر القوة مقابل الحفاظ على حالة الضعف للفلسطنيين، وبالتالي فلا فرق بين حكومة نتنياهو المتطرفة أو غيرها من الحكومات، فالكل يأتي وفق لاستراتيجية وأهداف كبرى يعمل على تحقيقها وفقا لمعتطيات المرحلة.
وأن ندرك تماما أن الولايات المتحدة لن تتخلى عن إسرائيل مهما كانت الظروف، وأن واشنطن تتقن الاستثمار في الأزمات، وأن إسرائيل ترى أنها فوق القانون.. وبالتالي الحديث عن اليوم التالى للحرب دون وقف إطلاق النار وإدخال المساعدات أحاديث مضللة ولا تخدم إلا حكومة نتنياهو ورغبتها في البقاء وإطالة أمد الحرب.
ليبقى السؤال الكبير “من يحكم غزة ؟” .. والذي بات يشغل الجميع أكثر من إنقاذ مئات الآف من المدنيين والأطفال والنساء والشيوخ من عدوان غاشم لا يعرف إلا القتل والدمار وارتكاب جرائم الحرب في حماية قوى عظمى لا تعرف إلا ازدواجية المعايير ومصالحها.