حينما يستهين الصهاينة بالمرابطين.
الذي أبان عنه حدث أمستردام الأخير يؤكد دور السابع من أكتوبر في إذكاء الشعور عند المسلمين بالعزة والكرامة والانتضار للمقاومة الفلسطينية المرابطة ولحزب الله في مواجهتهما للهمجية الصهيونية المؤيدة بقوى الإمبريالية ضدا على شعوبها. كما ان العقلاء يستوعبون جدا أن ملايين الأوربيين يستنكرون عبر مسيرات ووقفات ولمدة سنة هذه الإبادة التي طال مداها أمام صمت حكام عرب لم يزعجهم تقتيل وذبح وإبادة إخوان لهم من بني جلدتهم ويدينون بدينهم. الحدث الكروي بدولة هولاندا وبأمستردام التي تشهد وقفات تضامنية كل أحد، غاب عن قطعان مشجعي نادي “مكابي تل أبيب” الإسرائيلي الذين حلوا بهولندا لتجشيع فريقهم في إحدى مبارياته، بعضهم ابتلع الوهم الذي خدعهم به نتنياهو وخنازيرهم، فتجمهروا لإسقاط علم فلسطين من على إحدى الشرفات في الشوارع، لكن ما حدث بعدها كان صدمة حياتهم.
لاحظهم مشجعون آخرون في هولندا، وسكان عرب ومسلمون من المقيمين بهذه البلاد، وعلى رأسهم المغاربة الأشاوس -ديما مغرب-، والجزائريون والتوانسة الشداد، فطاردوهم في الشوارع، وسحلوهم على الإسفلت، وأوقعوا بهم إصابات بالغة، جسدية ونفسية، وربما إصابات أخرى لن يتحدث أحد عنها، ومرغوا أنوفهم في التراب، وحرقوا علمهم، ودهسوا بعضهم، ومارسوا عليهم كل حصيلتهم الشوارعية من الفنون القتالية، يتناوب الشبان عليهم، وهؤلاء الجبناء يبكون.
وكان من بين هؤلاء الجماهير منتسب لجيش الاحتلال الإسرائيلي، تجمع عليه الشبان وهو يتوسل إليهم، وهم ينادونه بقاتل الأطفال، ويترجاهم أن يأخذوا كل ما معه ويتركوه، لكنهم أوجعوه ضربا وسحلا وتمريغا وأجبروه على قول “فلسطين حرة”، وسط سيول من الشتائم القذرة المحببة في هذا الميدان. ليخلّف ذلك الحدث النوعي حتى اللحظة عشرات المصابين، وفقدان التواصل مع عدد منهم.
وقد أعلنت حكومة نتنياهو الطوارئ وأرسلت طائرتين لإجلاء خنانيصها (خنانيص جمع خنَّوص وهو صغير الخنزير)، مع متابعة الحدث بقلق بالغ، ومناشدة السلطات الهولندية العنصرية للتدخل، وصياح في أوساط المجتمع الإسرائيلي، متعجبين أنها أوروبا وليست آسيا أو إفريقيا، فلماذا يسحلوننا هناك؟
والحقيقة أن على الموهومين أن يفيقوا، ويعرفوا أن القادم مختلف، وما بعد الطوفان ليس كما قبله أبدًا، وأن كل ما جرى منذ السابع من أكتوبر ليس إلا جولة يعربدون فيها، أما الحولات القادمة كلها فهي جولات دفع الثمن، حتى تلفظهم فلسطين ولا تتلقفهم القارة العجوز، فيتيهون في الأرض كما كان أسلافهم.
وفي ذلك الحدث المبهج شافي الصدور، رسالة عظيمة لنا جميعًا، بأن الفعل ممكن وموجود في نطاقك، وإيجاع الاحتلال لدرجة قص مضاجع نتنياهو لمتابعة الحدث المؤلم لهم، موجود وعلى مقربة منك، ورسالة لهم بأنهم لم يروا كره العالم بعد، هؤلاء القتلة السفاحين مصاصي الدماء. بقيت أوربا الرجل الأبيض تغض الطرف عن الإبادة الجماعية والهمجية التي يقوم بها الكيان، وأزعجها حركية شباب استنكروا فعل الصهاينة الشنيعة وجرأتهم في سب العرب والافتخار بما فعله بلدهم وجيشهم في أناس لا يملكون السلاح وأغلبهم من الاطفال والنساء الصابرين المحتسبين الذين لم يغادروا أرضهم ولم يفروا كبني صهيون إلى بلدان يملكون جواز سفرها الأول، ليؤكدوا أن الأرض ليست أرضهم، وأن الجنة الموعودة التي وعدهم بها مصاصو الدماء ليست إلا وهما. من امستردام جاءت الحقيقة الساطعة.