أخبار إقليم الجديدةالتاريخالواجهة

ماجوريت الجديدة احتفال العين والأذن (الجزء الأول) … Les Majorettes d’El Jadida, fête pour l’œil et l’ouïe

بقلم نورس البريجة : خالد الخضري
***************

(الجزء 1)

1 – من عاشر قوما أكثر من 40 عاما :

    يعرِّف كتاب “الجديدة بين الأمس واليوم” بعدد من الشخصيات والفضاءات كما الظواهر الاجتماعية الفنية والتراثية التي تحبل بها مدينة الجديد وإقليم دكالة .. من هذه الشخصيات من ولد وعاش بها إلى أن توفي رحمه الله .. بينما كثير منهم لا زال يحيى ويرزق أطال الله عمره ومتعه بالصحة والحيوية .. ومنها من وفد إليها من أقطاب أخرى فأقام ومكث بها يعيش ويشتغل إلى أن أصبح بدوره واحدا منها، بل رمزا من رموز البريجة ودكالة بصفة عامة . من هؤلاء السيدة كوليت بيگليزي Puglisi Colette الفرنسية التي أسست مجموعة الماجوريت Les Majorettes وكانت تقدم بها استعراضا فنيا رائعا في متم ستينيات القرن الماضي ومستهل سبعينياته بمناسبة عيد الشباب في عهد المغفور له الملك الراحل الحسن الثاني .

    فيما يلي ورقة في الموضوع وحوار شخصي مع مدام روبير كما نشرا بكتاب “الجديدة بين الأمس واليوم” على امتداد عشر صفحات من الصفحة 87 إلى الصفحة 97 موشاة بعدد من الصور الجميلة الموثقة لذلك الاحتفال المبهج للعين والأذن في زمن جميل ولى. على أن أنشر الترجمة الفرنسية لنفس المادة بالتتابع، تكريما لهذه المرأة الاستثنائية التي عاشت ولا تزال تعيش معنا وبيننا لأزيد من 40 سنة تتحدث اللهجة المغربية بطلاقة وتتصرف كأية امرأة جديدية دكالية بامتياز.

2 – بجعات البريجة :

    كم كن جميلات رشيقات بتنوراتهن القصيرة البيضاء “الميني جيب” وستراتهن الضيقة الحمراء.. ترصع أكتافهن نياشين مذهبة.. يعتمرن قبعات عالية بيضاء يتوسط كل واحدة منها هلال.. ويحملن في أياديهن عصيات خشبية مخروطة بنفس اللون، على شكل صولجانات يلوحن بهن في الهواء وهن يخطرن في شارع الجامعة العربية بالجديدة (محمد السادس حاليا) بخطوات موزونة.. ترافقها حركات هارمونية داخل صف منتظم شمل في البداية عشرين شابة، خلال احتفالات عيد الشباب الذي كان يصادف التاسع من يوليوز من كل سنة في عهد الملك الراحل المغفور له الحسن الثاني .

    كان هذا السرب النسوي المتناسق يتحرك على إيقاع موسيقى عسكرية تحت قيادة الفرنسية السيدة كوليت بيگليزي Puglisi Colette المعروفة ب “مدام روبير” نسبة إلى زوجها مسيو روبير صاحب الحانة التي كانت تحمل اسمه والتي تحولت الآن إلى “مقهى التجار” في شارع الحنصالي وسط المدينة .

    تلكم هي فرقة “الماجوريت” التي تألقت في مدينة الجديدة في منتصف ستينيات القرن الماضي حتى متم سبعينياته، حيث كان المشهد احتفالا مبهجا للعين والأذن بفضل أولئك الشابات في عمر الزهور وكأنهن بجعات تشايكوفسكي المتبخترات في باليه الممتع “بحيرة البجع”.. وتسمية “الماجوريت” هذه خاصة بنسوة كن يحملن طبولا صغيرة ينقرن ويتحركن على إيقاعها في بلاطات وقصور الملوك والنبلاء ابتداء من القرن 17 قبل أن يخرجن إلى الشوارع في الاحتفالات الدينية والرياضية على هدي موسيقى غالبا ما تكون ذات طابع عسكري بعد تخليهن عن حمل وقرع الطبول .

    في احتفالات عيد الشباب بالجديدة، كانت تسير وراء فرقة “الماجوريت” و”الماجور” الذكورية التي ستنضاف إليها فيما بعد كما سنرى، عربة الصوت مزركشة بورود اصطناعية كان الرسام والنحات العربي الاشهب يتفنن في قصها، تشكيلها ولصقها على العربات الاستعراضية في تلك المناسبة بمساعدة المرحوم أحمد ميميد مدير دار الشباب “البريجة”.. وكان ميناء المدينة هو الورشة التي يتم فيها إعداد وتجميل تلك العربات المزهرة ومن بينها عربات “الكوتشي” المجرورة بخيول موشاة رؤوسها وجنباتها كذلك بالزهور والأوراق الملونة، حيث كان يمتطيها شابات يافعات يحملن في أياديهن أطباقا تقليدية من الدوم منها يغرفن زهورا حقيقية ليرشقن بها أفراد الجمهور .

    فعربة الصوت تلك لم تكن مكبرات الصوت تظهر فيها حيث يتم توشيتها بكاملها بالزهور.. بينما كان هناك نوعان من الموسيقى على إثرها يتحرك ويرقص سرب الماجوريت، أولهما مسجل وهو عبارة عن مارش عسكري كانت مدام روبير تنتقيه بنفسها، وثانيهما حي كان يعزف مباشرة من طرف فرقة “الخمسة وخمسين” النحاسية التابعة للبلدية اعتمادا على طبول ومزامير وصنجات، يوحد عازفيها هندام شبيه بهندام فتيات الماجوريت من حيث اللونين الأبيض والأحمر اللذين على هديهما غدا المطربون الشعبيون الجوّالون” الطبالة والغياطة” الذين يرافقون “الهْديات” أو حفلات العقيقة أو إعذار الصبية، يقلدون هذا الزي ولازالوا حتى الآن .

    كان سرب الماجوريت والماجور ينطلق رسميا – بعد مغادرته للميناء – من قاعة الرياضة المغطاة “نجيب النعامي” المحادية لشاطئ المدينة ليخترق شارع الجامعة العربية إلى أن يصل إلى ساحة محمد الخامس أمام المسرح البلدي (مسرح عفيفي حاليا) ومركز البريد (البوسطة).. حيث كانت تنصب المنصة الرسمية المخصصة بالدرجة الأولى لرجال السلطة والمنتخبين وأعيان المدينة.. في حين كانت بقية الجمهور تصطف بأدب وانتظام عفويين على طول جنبات الشارع وفوق أسطح وشرفات المقاهي والمنازل التي يمر أمامها الموكب.. فكانت التصفيقات وصيحات الاستحسان وزغاريد النساء المرفقة بتلويحات التأييد بالمناديل كما بالأيادي، ممزوجة بموسيقى الماجوريت وحركاتهن المتناسقة، تؤثث الفضاء السمعي البصري بمشاهد أخاذة ونغمات رائقة تنطبع في شاشة الذاكرة ويستمر رنينها مترددا في الوجدان …

**********************
(يتبع)

 

Abdeslam Hakkar

عبد السلام حكار مدير الموقع وصحفي منذ 1998 عضو مؤسس بالتنسيقية الوطنية للصحافة والإعلام الإلكتروني

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى