بقلم ذ محمد النويني محام بهيئة الدار البيضاء
من أجل مسار تشريعي مسؤول ومحصن للمكتسبات الحقوقية والدستورية جمعية هيئات المحامين بالمغرب تقرر إضرابا مفتوحا إلى إشعار آخر انطلاقا من فاتح نونبر2024 أمام جميع محاكم المملكة، تنديدا بتقديم وزارة العدل لمشروعي قانون المسطرتين المدنية والجنائية دون تبني المقاربة التشاركية في تنزيلهما، خلافا لمضمون دستور 2011 والذي ينص على ضرورة تبني منهجية تشاركية لصياغة القوانين في تغييب تام للجسم المهني وباقي الفاعلين المتدخلين في المجال.
أصحاب البدلة السوداء يضربون عن العمل تعبيرا منهم عن قلقهم اتجاه مضامين هاته المشاريع التي عرفت تراجعات خطيرة تمس بشروط الولوج المستنير للعدالة وتمس بمبادئ الحقوق والحريات للمواطن الذي تم الاستفراد به، وذلك بجعله الحلقة الأضعف في المنظومة، من قبيل المس بالأحكام القضائية وأثرها الملزم، وحرمان المتقاضين من الطعن في الأحكام القضائية، وحقهم من استئناف الأحكام الماسة بحقوقهم، وكذا حرمانهم من حقهم في الطعن بالنقض…وكذا التنصيص على مؤسسة الوكيل دون المحامي، والذي أصبح مخولا له حق تمثيل الأطراف، وهذا، فيه مساس بحقوق الدفاع.
وأن المدعى عليه( المواطن) اذا دفع بعدم قبول الدعوى، وقضت المحكمة برفض الدفع فإنها تحكم عليه بغرامة قدرها 10.000 درهم، وهذا فيه خرق لمبدأ مجانية التقاضي .
ناهيك على أن قانون المسطرة المدنية لا يتوفر على الشرعية السياسية، كون أن المصوتين عليه بلغ عددهم 102 من الأغلبية الحكومية والتي تضم 292، أي أن الأغلبية لم تصوت على هذا المشروع.
فرسان العدالة يعيبون كذلك على مشروع قانون المسطرة الجنائية بكونه تضمن مقتضيات ماسة بالحرية والمحاكمة العادلة،حيث يسجل عليه غياب التوازن ووجود اختلال كبير بين سلطة الاتهام وحق الدفاع، وأنه ليس هناك إلزام من أجل احترام الضمانات الممنوحة للمتهم من خلال الإنفراد به في المرحلة التي يكون فيها البحث في جنح الظلام، حيث لا يمتع المشتبه فيه بمؤازرة محامي، في الوقت التي كان من بين مضامين المسودة السابقة إمكانية حضور الدفاع لاستجواب المتهم في إطار البحث التمهيدي.
وكذا شرعنة الاعتقال التحكمي، وذلك بحسب منطوق المادة 66، والتي تنص على أنه لا يدخل ضمن حساب مدة الحراسة النظرية، المدة التي يقتضيها نقل الشخص الموقوف من مدينة إلى مدينة، أو مدة العلاج.
أيضا وزارة العدل عند تقديم مشروع القانون التنظيمي للإضراب لم تحترم القواعد الدستورية، والذي ينص على الحق في الإضراب دون حصره على فئة معينة، في حين أن المشروع يتحدث عن فئة الأجراء فقط، كما أنه بالرغم من أن الحق في الإضراب حق دستوري غير أنه يمكن تعليقه بناء على اتفاقية جماعية، وهو ما لا يمكن قبوله، وأن الشروط سواء الشكلية أو الموضوعية للقيام بالإضراب، تجعله مستحيلا، كالآجال التي تفرغ الإضراب من جدواه، حيث تم وضع مدة طويلة من أجل التفاوض والمصالحة ومسطرة إعلان الإضراب…، كما أن الإضراب في القطاع الخاص أصبح يخضع لشروط تعجيزية، كتصويت ثلثي الأعضاء في الجمع العام للموافقة على الإضراب، علما أن أغلب المقاولات، لا تكون بها نقابات، وإن وجدت فيستحيل جمع العدد المطلوب.
مكتب جمعية هيئات المحامين بالمغرب أوعز قرار اتخاذه اضرابا شاملا أيضا بسبب تلكؤ الحكومة والوزارة الوصية الاستجابة للملف المطلبي للمحامين الشامل غير القايل للتجزيئ، والذي يهدف إلى تحصين المكتسبات الحقوقية والقانونية للمتقاضي والوطن، ومواجهة الردة التشريعية الماسة بهاته المكتسبات، وإقرار نظام ضريبي عادل يتناسب مع رسالة المحاماة، وتحصين وتثمين مكتسبات المحامين في المجال الاجتماعي خاصة ما يتعلق بالتغطية الصحية الإجبارية الأساسية عن المرض.
لكل هاته الأسباب قرر المحامون التوقف عن أداء رسالة الدفاع إلى غاية تبني المقاربة التشاركية في التشريع والاستجابة لمطالبهم المشروعة والعادلة.