فضاء الصحافةمجرد رأي

قذيفة الياسين

بقلم:‏الكاتب الصحفي عبدالهادي راجي المجالي

يطلقون قذيفة الياسين, وما نراه هو مسار القذيفة باتجاه الدبابة فقط..كم كنت أتمنى أن أرى وجه من يطلقها, لكنهم لا يظهرون وجهه.. أنا معهم لا تظهروا وجهه فنحن نخاف عليه من الحسد… نخاف أن تصيبه عين, والحساد كثر

‏ما اسم من اطلق القذيفة ياترى: محمود, حسن, عبدالفتاح, جمعه.. لا أعرف, لكن ما أعرفه أنه من فتية غزة, أعرف أنه خرج من النفق, وراقب وتربص بهم.. أعرف أنه أدى الصلاة قبل المنازلة وكان على وضوء.. كل الذين يقاتلون على وضوء هناك لأنهم يعرفون أنهم سيلقون وجه ربهم في أي لحظة

‏أعرف أنه كان صائما, وأن إفطاره هذا المساء سيكون علبة فول ورأس بصل.. وأعرف أنه لم يتصل بأهله منذ شهرين, لأنه لايريد أن يصاب ولو بالقليل من الإحباط, فلو عرف أن الوالدة استشهدت أو أن الوالد جرح.. ربما سيغلف الحزن قلبه, هو لا يريد ذلك هو يريد أن يبقى تركيزه في الميدان.. يريد أن يسدد كل قذيفة في مكانها, ويريد أن ينفذ المهمة التي أوكلت له بأعلى درجات الإحتراف

‏من أي طين خلق جسدك يا مطلق القذيفة؟.. قل لي يا سيدي هل أنت مثلنا من شحم ودم ولك قلب وكف وعين؟.. قل لي هل العروبة في قلبك هي ذات العروبة في قلوبنا؟ هل الرجولة التي برزت في محياك هي ذات الرجولة التي قرأنا عنها في الكتب.. قل لي يا ابن دمي ودربي والمنعرج.. على ماذا تربيت؟.. ماذا كانت تهمس أمك في أذنك حين كنت طفلا.. إلى أي المساجد اصطحبك والدك؟ وفي أي مدرسة حفظت سورة الضحى وحفظت جزء (عم)؟ قل لي ماذا كانت تطعمك أمك وماذا أرضعتك؟.. لا أظن أنها اكتفت بالحليب الطاهر من صدرها أشك في ذلك لابد أنه كان ممزوجا بالبارود.. وبزيت فلسطين, أشك أنه كان مجرد حليب.. كلا لم يكن كذلك بل أرضعوك الغيرة والشهامة والعروبة والدين مع الحليب

‏كم أتمنى يا ابن الفداء والنبل والقضية, أن أرى وجهك وأنت تسدد باسم الله وحده قذيفتك.. يقولون في كتب الغزل أن القمر هو أجمل ما في السماء, كذبوا وجهك أجمل.. وفي الشعر يقولون أن سهيل هو نجم سهر مع العشاق.. كذبوا وجهك أعلى من سهيل ووجهك هو العشق العربي منذ ابتداء الخليقة وحتى قيام الساعة.. لأنك لم تمارس العشق شعرا ولا رسائل مكتوبة ولاقصائد من دمع مثلما كتب نزار.. مارست العشق لفلسطين: قذيفة وطلقة وموتا محققا في صفوف الصهاينة المحتلين

‏وجهك يا ابن دمي وضميري والمنعرج.. سيكون القمر الذي يطل على سماء مراكش.. ويعلم الفتية الجدد الذي شبوا على الحياة معنى الفداء, وجهك المخفي عنا سيكون ذات يوم شمسا تطل على بغداد وطرابلس وصلالة وعدن… وسيشرق فجرا يستعيد لكل العرب زمنهم.. وجهك وحده سيكسر مرايا الخنوع ومرايا التراجع ومرايا التبعية, إن مر من جانب تلك المرايا

‏أنا لا أعرفك, لم أشاهد وجهك.. شاهدت ساعدك الأيمن وهو منعطف على القاذف.. وسمعت صوتك وأنت تصيح: (وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى).. وكبرت معك, وأعرف يا حبيبي وأخي وضميري أنك تقاتل دفاعا عن دمنا.. أعرف يا ملهمي وكل حروفي أنك تقاتل أيضا كي يكون للعرب فصلهم الخاص في كتاب الدم العالمي, وفي كتب الفداء والمجد.. أعرف كل ذلك, وأدري أن التراب في عالمنا العربي لو مررت عليه هو الذي سيصعد لقدمك.. كي تمنحه قدمك شرف القتال وشرف الصمود وشرف الصبر, وأعرف يا خليلي وضميري.. أنك ستطوي الصفحة وتعود لحياتك كما كنت, منتصرا, باسلا, وعظيما… ستعود كما كنت.. ولن أحصل على شرف رؤيتك… لكن يكفيك أن الله يراك ويحميك ويكفيك أن فلسطين… تفتخر بك الان, فلسطين تفتخر بك كثيرا.. فقد أعدت لقلوبنا نبضها..وأعدت للعروبة وهجها… وأعدت لنا كل ما فقدناه
‏فلتسلم الكف وليسلم الوجه وعاشت غزة

Abdeslam Hakkar

عبد السلام حكار مدير الموقع وصحفي منذ 1998 عضو مؤسس بالتنسيقية الوطنية للصحافة والإعلام الإلكتروني

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى