مجرد رأي

يحاصرون غزة.. وغزة تحاصرنا

منقول عن موقع الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين :

 

بقلم:ذ. أحمد الريسوني
 
الحصار الشامل الذي تفرضه دولة الاحتلال على غزة، هو جزء كبير من الجرائم المرتكبة صد سكان قطاع غزة، بمشاركة مباشرة أو غير مباشرة من معظم الدول الغربية والكيانات العربية.
على أن هذا الحصار لم يبدأ – كما يظن البعض – يوم 7 أو8 أكتوبر الماضي (2023)، وإنما – فقط – تم تشديده مؤخرا، ليتحول من حصار ضاغط إلى حصار قاتل.. لقد فُرض الحصار من قَبل لأجل التضييق والتعذيب والإفقار، فصار اليوم حصارا من أجل القتل والموت. فهو الآن جزء من حرب الإبادة.. الحصار الآن غايته ونتيجته المباشرة هي أن يموت الناس جوعا وعطشا، وأن يموتوا بأمراضهم وجراحاتهم؛ بلا طعام ولا ماء، ولا مأوى ولا غطاء، وبلا دواء ولا مستشفيات ولا أدوات طبية. هذا هو الحصار في طوره الجديد..
أما البداية الفعلية للحصار على القطاع فترجع إلى التسعينيات من القرن الماضي، خلال فترة الاحتلال الإسرائيلي لقطاع غزة. وقد تم تشديده بعد نجاح حركة حماس في انتخابات 2006، ثم زيدت حدته في سنة 2007. ثم وصل الآن إلى درجة القتل بواسطة الحصار..
شهادة الأمم المتحدة
جاء في تقارير سابقة أصدرها (مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية – OCHA)، أن الحصار المتواصل على قطاع غزة منذ 2006 “شمل فرض قيود مشددة على دخـــول الوقـــود والبضائع، وحركـــة الأفراد مـــن وإلـــى القطـــاع. وعلى مر السنين، عملـت السـلطات الإسرائيلية علـى ترسـيخ سياسـة عـزل قطـاع غـزة، مـن خـال فصلـه عـن الأراضي الفلسطينية في الضفـة الغربيـة والقدس الشرقية، إلى جانب التحكم في كمية ونوعية البضائع والمواد التي تدخل إلى قطاع غزة وحظر المئات منها، ما تسبب بركود اقتصادي شامل في القطاع، وارتفاع حاد في معدلات الفقر والبطالة.
وعلاوة على ذلك، أثّر الحصار الإسرائيلي على نحو خاص على القطاع الصحي في غزة، إذ لا تتوفر كثير من الأصناف واللوازم الطبية الأساسية، ويضطر كثير من المرضى للانتظار لأشهر لإجراء العمليات الجراحية. وخلال سنوات الحصار، شنّت إسرائيل أربع هجمات عسكرية مدمّرة على القطاع، أسفرت عن مقتل آلاف المدنيين وتدمير عشرات آلاف المنازل والمنشآت المدنية، وأحدثت دمارًا واسعًا في مرافق البنى التحتية…”.
هذا عن الحصار القديم الجاثم على غزة منذ 17 عاما. أما الحصار في طوره الجديد، فنحن نرى ونسمع ونتابع تفاصيله وآثاره كل يوم.
غزة تحاصرنا جميعا..
لقد أصبحت غزة المجاهدة الصامدة، بشهدائها وجرحاها، بأشلائها وأطلالها، هي أيضا تحاصرنا جميعا، وستستمر تحاصرنا عبر التاريخ، وإلى يوم القيامة..
–      حصار غزة يحاصر ويفضح مدى همجية “الدول المتحضرة” في القرن الحادي والعشرين، من صهاينة وأمريكيين وبريطانيين وفرنسيين، وغيرهم من أعداء البشرية.
–      حصار غزة يحاصر جميع الصامتين والشامتين، يحاصرهم بتهمة جريمة الامتناع عن إغاثة الملهوف والمضطر والمنكوب والمعتدى عليه. وهي في حالتنا جريمة امتناع عن إنقاذ شعب اجتمعت عليه كل الجرائم التي عرفها تاريخ البشرية، وجرَّمتها الشرائع المنزلة، والقوانين الجنائية، والمواثيق الأممية.
–      حصار غزة يحاصر حكام المسلين وحكوماتهم، ويتهمهم بكل ما سبق، ثم يحاصرهم أيضا بتهمة خيانة الأمانات التي تُطوق أعناقهم {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا} [النساء: 58]. وكل واحد منهم – ولو منفردا – يستطيع أن يفعل الكثير، أو أن يفعل “شيئا ما”، لكسر الحصار ونجدة المحاصَرين وكبح المعتدين. ولكن على مدى17 عاما لم نرهم فعلوا شيئا.
–      أين مصرُ المائة مليون، وهل لها من دور غير تعزيز الحصار؟ وأين الدول الإسلامية ذات المائتي مليون نسمة وأكثر (إندونيسيا، ونيجيريا، وباكستان، وبنغلاديش)؟ رئيس نيجيريا جن جنونه لحماية المصالح الفرنسية، حتى قام يحشد الحشود لشن الحرب على النيجر، فماذا قدم لإنقاذ الشعب المسلم في غزة؟ وماذا فعلت تركيا التي تتدخل عسكريا في قبرص وسوريا والعراق وليبيا وأذربيجان؟ وهل تَـزحزحَ شيء من علاقاتها الممتازة – على جميع الأصعدة – مع نتنياهو وحكومته؟
–      حصار غزة يحاصر (السلطة “الوطنية” الفلسطينية) ويسائلها عن مسؤولياتها الوطنية وينتظر تحركاتها العملية، بينما هي تنتظر من الأمريكيين والإسرائيليين أن يحرروا لها قطاع غزة من قبضة حماس، ويسلموا المفاتيح للرئيس عباس!
–      حصار غزة يسائل ويحاصر الشعوب العربية المجاورة، الأقرب فالأقرب، فهي أيضا تستطيع أن تفعل الكثير لكسر الحصار، ونجدة الشقيق والجار، ولكنها لم تفعل – حتى الآن – شيئا يذكر!
–      نعم: غزة ستظل تحاصرنا وتسائلنا إلى يوم القيامة.
 
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* أ. د. أحمد الريسوني: أستاذ علم المقاصد. ورئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين سابقاً. وأستاذ دكتور بقسم الفقه واصوله – كلية الشريعة والدراسات الإسلامية بجامعة قطر.

Abdeslam Hakkar

عبد السلام حكار مدير الموقع وصحفي منذ 1998 عضو مؤسس بالتنسيقية الوطنية للصحافة والإعلام الإلكتروني

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى