مجرد رأي

إلى الذي …”لست متقاعدًا… بل متجذر في العطاء”

إلى الذي توجه إليّ بسؤالٍ مباشر فقال:
… ألست متقاعدًا؟ أما آن لك أن ترتاح؟

   حرصًا على أن أضيء له زاوية غابت عن وعيه قلت له :

صديقي ، قبل أن أُحال على التقاعد، كنت أستاذا و فاعلًا جمعويًا، أومن أن العمل المجتمعي ليس وظيفةً تُمارس في أوقات الفراغ، بل رسالة تُحمل في القلب، وتُترجم على الأرض.
وحين جاءت لحظة التقاعد، لم أنسحب، بل واصلت ما بدأته، لأنني ببساطة لم أكن أمارس دورًا، بل أعيش قناعة.

التقاعد يا صديقي ، لا يعني انسحابًا من الحياة، بل هو مرحلة جديدة من النضج، مرحلة ننتقل فيها من ضغط المسؤوليات الإدارية إلى رحابة التأثير المجتمعي.
هو فرصة لأن نعطي دون انتظار، أن نشارك دون مقابل، أن نُنير الطريق للآخرين بما اكتسبناه من دروس وخبرات وتجارب.

المتقاعد، ليس فردًا انتهت صلاحيته، بل هو رصيد إنساني ومعرفي، ذاكرة جماعية، ومستودعٌ غني بالتجارب.
هو طاقة اقتراحية واستشارية هائلة، يجب أن تظل حاضرة في التربية، في التكوين، في النقاش العمومي، في التأطير الثقافي، في الدعم الاجتماعي، وفي تقوية الروابط بين الأجيال.

أنا اليوم، وإن تغير لقبي من “أستاذ” إلى “متقاعد”، لم تتغير هويتي الحقيقية: فاعل، مشارك، حامل لهمّ جماعي، وغرس مستمر في تربة الوطن.
فالراحة يا صديقي  لا تكون في الانسحاب، بل في الإحساس بأن ما تعلمته ذات يوم يُثمر في وعي الآخرين، وبأن الأثر مستمر في مساحات جديدة، أكثر حرية، وأعمق أثرًا.

فلا تُقاس قيمة الإنسان بعدد سنوات الخدمة الرسمية، بل بقدر ما يبقى واقفًا على أرض المبادرة، منخرطًا في هموم الناس، صادقًا مع نفسه ومع رسالته.
وها أنا اليوم لا أطلب امتيازًا ولا لقبًا، بل أطلب فقط أن نبني جسورًا بين الأجيال، لأن الأوطان لا تتقدّم إلا حين يتكامل نَفَس الشباب، مع رُؤية من خبر الحياة.

صديقي …التقاعد… بداية العطاء الواعي لا نهاية الدور الاجتماعي

كثيرًا ما يُختزل التقاعد في أذهان البعض باعتباره محطة النهاية، حيث يُفترض بالإنسان أن يتراجع إلى الهامش، ويكتفي بمتابعة ما يحدث من بعيد. غير أن هذا التصور، وإن كان شائعًا، يُجافي حقيقة أعمق تتعلق بجوهر العطاء ومعناه. فالتقاعد في حقيقته ليس انسحابًا من الحياة، بل هو انتقال إلى مرحلة مختلفة من الفعل، أكثر هدوءًا نعم، لكنها أكثر وعيًا، وأشدّ رسوخًا في خدمة الصالح العام.

 

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى