الصحراء المغربيةالواجهة

تكرار و اجترار قد تؤدي إلى انتحار

بقلم أبو أيوب

    في ساعة متأخرة من ليلة الجمعة 30 أكتوبر الذي ودعناه ، صدر قرار جديد قديم لمجلس الأمن الدولي بخصوص نزاع الصحراء تحت رقم 2548 … و بإلقاء نظرة على محتواه نلاحظ أنه مجرد تكرار و اجترار لسابقه الصادر سنة 2019، حيث حاولت الأمم المتحدة من خلاله مسك العصا من وسطها ، لا تلبية للمطالب المغربية بخصوص معبر الكركرات ، بالرغم من توصية الأمين العام السيد غوتيريش و خرجات الناطق باسمه السيد ستيفان دوجاريك …، و لا التفاته لمطالب البوليساريو الداعية الى توسيع صلاحيات بعثة المينورسو لتشمل مراقبة حقوق الإنسان بالصحراء ، و تسطير أجندة محددة في الزمكان لتجسيد ما تعهدت به من التزام بإجراء استفتاء تقرير المصير .

    من فقرات هذا القرار القديم الجديد ، تجديد انتذاب المينورسو لسنة كاملة تنتهي نهاية أكتوبر القادم ، الدعوة إلى التعجيل بتعيين مبعوث جديد للأمين العام خلفا للألماني المستقيل هورست كوهلر ( إستقالته بدواعي صحية لم تقنع أحدا و أثارت أكثر من علامة استفهام ) ، مع الحث على ضرورة استئناف التفاوض بنية حسنة و بدون شروط مسبقة من أجل التوصل إلى حل سياسي مقبول من الطرفين ، دون التطرق لإجراءات أممية عملية كفيلة بتصور حل للمعظلة التي عمرت طويلا ، و لا إشارة واحدة للجزائر كطرف معني مباشر بنزاع الصحراء …

    صدور القرار بشبه إجماع ( 13 دولة من أصل 15 صوتت لصالح القرار فيما امتنعت روسيا و جنوب إفريقيا ) له قراءتان مختلفتين ، لكنه في المقابل لم يغير شيئا يذكر على أرض الواقع في ظل تشبث كل طرف بموقفه ، مع عدم الإشارة و لو تلميحا لدور الجزائر في الصراع ، حيث بقي النزاع محصورا بين المغرب و جبهة البوليساريو .

    المملكة المغربية تقول بالإنتصار الساحق الذي يؤكد مغربية الصحراء ، و جبهة البوليساريو التي تقول بأن القرار لم يف بالمطلوب بخاصة في الشق المتعلق بمهمة المينورسو ( وضع أجندة واضحة المعالم لتمكين البعثة الأممية من القيام بما انتذبت لأجله، استفتاء تقرير المصير في الصحراء ) .

    بتقييمي لمنطوق القرار ، عدم إدراج قضية إغلاق معبر الكركرات من لدن عناصر البوليساريو ، تعتبر خسارة للجانب المغربي بكل المقاييس ، هذا ما يفهم ضمنيا مما أفصحت عنه الأمم المتحدة بلغة ملتوية من خلال توصيتها الطرفين بضبط النفس ، أي بما معناه ، غض الطرف عن مخيم الإعتصام و قطع الطريق أمام الحركة التجارية المغربية .

    خطورة الإغلاق النهائي للمعبر تعتبر ضربة موجعة للمصالح المغربية و الأوروبية و بعض الدول الإفريقية على حد سواء :

  • عائدات المعبر تدر ما يقرب من 21% من مداخيل الخزينة المغربية ، حيث تعبر منه أكثر من 70 شاحنة يوميا من الحجم الكبير محملة بكل انواع البضائع و السلع الأوروبية و المغربية …
  • غلق المعبر من شأنه أن يعطي اندفاعة قوية للتبادلات التجارية بين موريتانيا و الجزائر عبر معبر تندوف شوم ، بالتالي وضع حد للتبعية الموريتانية للمنتوجات المغربية بخاصة الفلاحية منها ( خضراوات- فواكه) …
  • غلق المعبر مؤشر على وداع للإستثمار الرياضي و السياحي المغربي ( إيكورايس إفريقيا/ باريس دكار مثال ) .
  • الإغلاق مؤشر بداية مشاكل و نزاعات مع الشركاء الأفارقة و الأوروبيين ، مئات الشركات استثمرت أموالا باهضة في قطاع الصيد البحري مثال ، بكل من موريتانيا و السينغال بعدما قدمت لها وعودا بتأمين طرق المواصلات عبر المعبر في اتجاه أوروبا و العكس صحيح ، و من المرتقب و الأكيد أن تشرع في المطالبة بتعويضات نتيجة الخسائر التي منيت بها ( فمن يتحمل الوزر و من سيدفع التعويضات …؟ ) .
  • إغلاق المعبر سيؤدي بالضرورة إلى تذمر الشركات و المستثمرين ، و من شأن هذا الدفع بهم للضغط على الحكومات الأوروبية لإجبار المغرب على دفع تعويضات الخسائر الناجمة عن الإغلاق ، و منعطفا خطيرا قد يدفع بعض الدول الأوروبية الصديقة لتغيير موقفها من نزاع الصحراء .
  • غلق الطريق من شأنه الدفع بالشركات الإفريقية إلى البحث عن بدائل و وجهات أخرى عوض الوجهة المغربية ، و هذا في حد ذاته انتقاص من دور المملكة الفاعل و المحوري في التجارة الأوروبية مع البلدان الإفريقية ( منصة انطلاقة اقتصادية plateforme économique ) .
  • إغلاق المعبر نهائيا يشكل توطئة في خطوته الأولى نحو إقامة مخيم صحراوي دائم و قار مطل على مياه الأطلسي ، وما يستتبعه من إيجاد فرص عمل مدرة للدخل ( الصيد الساحلي ) و انتعاش للمبادلات التجارية بين المعتصمين و الموريتانيين ، أما خطوته الثانية فتعتبر توطئة و تبلورا في المستقبل المنظور لتعمير مدينة الكويرة و إقامة شراكات ثنائية بين الجانبين ، في أفق جلب مشاريع تنموية وعد بها الإتحاد الإفريقي ( شرع بالفعل في تنفيذ بعض منها في المناطق الواقعة شرق الجدار بتيفاريتي و بير لحلو مثال ) .
  • الإغلاق النهائي للمعبر يعتبر وأدا للحلم المغربي في أن يصبح بوابة أوروبا نحو إفريقيا ، كما يستثنيه نهائيا من لعب أي دور مستقبلي محتمل في مشروع الصين الجديد طريق الحرير ( حزام و طريق ) .
  • غلق المعبر بقدر ما يشد و يقوي عضد الخصم ، فتحا لآفاق أخرى بها يزداد المنازع جرأة و تعنثا …. ، بقدر ما ينتقص من النجاحات المغربية في فتح القنصليات بالعيون و الداخلة ، إنتصارات ديبلوماسية قد تمسي في الأخير بدون طعم و لا رائحة ، أي بما معناه ، إنجاز يقتصر على الجانب النفسي و الإعلامي دون أثر يذكر على أرض الواقع ( فتح قنصلية دولة ما في غياب مواطني هذه الدولة قد يصبح للتباهي و التماهي لا غير … أو بمعنى آخر للتأثيت و البهرجة للتغطية عن عجز أو فشل ما ).
  • رهان المغرب على عامل الوقت من أجل تفكيك الإعتصام لن يؤدي إلى نتيجة ، وسط أنباء عن عزم المعتصمين البقاء هناك إلى أجل غير مسمى ، بعدما خططوا لسيناريو التناوب من خلال مجموعات تستبدل الواحدة الأخرى لإفقاد المغرب التوازن و زرع اليأس .

    لعلي بالبعض يتساءل حول قابلية المغرب للتعايش مع هذا الواقع الجديد على الأرض ؟ و من ثمة يتسائل لماذا فشلت الأمم المتحدة في إجبار الخصم على الإنصياع و فتح المعبر أمام الحركة التجارية من منظورها الإنساني على الأقل ؟ بالتالي لماذا لم تأذن للمغرب القيام بما عجز عنه أفراد بعثة المينورسو رغم المحاولات المتكررة التي لم تفضي إلى نتيجة تذكر ؟

    للجواب علينا الرجوع إلى اتفاقية وقف إطلاق النار لسنة 1991 الموقعة بين الجانبين تحت إشراف أممي ، من بين فقراتها واحدة أوصت بعد موافقة طرفي النزاع ، بفتح أربعة ممرات ترابية لتسهيل أداء البعثة في القيام بمراقبتها للوضع على الأرض ( ممر مهيريز – ميجيك – اغوينيت – بير لحلو ) ، بالتالي تعذر على أفراد البعثة القيام بأمر قد يعد مخالفا للقانون الدولي و لاتفاقية وقف إطلاق النار ، فضلا عن أن أمر تأمين طرق المبادلات التجارية ليس من ضمن اختصاصاتها ( إنتذابها محصور في مراقبة وقف إطلاق النار و تنظيم استفتاء طبقا لقرار مجلس الأمن الدولي رقم 960 الصادر سنة 1991 ) .

    صحيح أن المغرب عبر عن ارتياحه بعد صدور القرار الأخير لمجلس الأمن الدولي ، ارتياح عمل الإعلام المغربي على تسويقه بالإنتصار العظيم و الضربة القاضية للخصم …، كما هو صحيح أيضا تذمر جبهة البوليساريو من نفس القرار لأنه لم يتضمن جدولة زمنية لتنفيذ ما انتذبت لأجله بعثة المينورسو ، و كنتيجة عن امتعاضها هي اليوم تعبر علانية عن تغيير بعض أوجه تعاملاتها مع الأمم المتحدة .

    لكنها في واقع الحال منتشية غبطة بعدما حققت أحد أهدافها الإستراتيجية ( غلق معبر الكركرات من طرف ما يسمى بالمجتمع المدني الصحراوي دون تحمل أي مسؤولية أمام المجتمع الدولي أو اتهام بخرق وقف إطلاق النار من خلال تواجد التنظيم في منطقة عازلة ) ، كما أنها أكثر سرورا و حبورا بعدما تمكنت من تجييش منتسبيها داخل المدن الصحراوية بالعيون و الداخلة و بوجدور و طانطان و السمارة … في الوقت الذي عجز فيه المغرب عن إعادة فتح المعبر في وجه الحركة التجارية و السياحية نحو العمق الإفريقي …

    زوار موقع الجديدة نيوز ، إجترار و تكرار قرار مجلس الأمن الدولي القديم الجديد قد يقود في النهاية إلى انتحار ، خروج القوات المسلحة الملكية لتنضيف الطريق مما علق بها من خيام المعتصمين ، في غياب أية توصية أممية أو قرار دولي يعد خرقا للبند العسكري الأول من اتفاق وقف إطلاق النار ، و قد يشكل فتيل حرب لا قبل للمنطقة المغاربية بها ، بالتالي سوف تستدعي بالضرورة ما يتحاشاه و يتجنبه المغرب ( تدخل الإتحاد الإفريقي من خلال إرسال قوات إفريقية لحفظ الأمن و السلام بين دولتين جارتين يعترف بهما الإتحاد القاري.

    القبول بالأمر الواقع في معبر الكركرات و التعايش معه أو الإلتفاف عليه من خلال الإستيعاض بمينائي الداخلة ( 550 كلم شمالا ) أو مهيريز ( 65 كلم شمال المعبر ) ، بغض النظر عن التكاليف الإضافية ، يعد في حد ذاته فشلا و عجزا في مواجهة الخصوم و انتكاسة دولة في حماية و تأمين حدودها .

    نسيان أمر المعبر في هذا الوقت بالذات يعتبر ضربة قاصمة للإقتصاد المغربي ( المنتجات الفلاحية – الصناعية – السياحة) ، ضربة موجعة لركائز و دعامات الإقتصاد الوطني قبيل أسابيع معدودة على بداية سريان مفعول اتفاقية التبادل التجاري الحر الإفريقية ( الإتفاقية الإفريقية التي وقعناها إلى جانب الخصم تدخل حيز التنفيذ سنة 2021 ) .

    إغلاق المعبر نهائيا بقدر ما هو إطباق لطوق حصار اقتصادي ، لا سيما في ظل حدود مغلقة مع الجارة الشرقية الجزائر ، و مناكفات و استفزازات إسبانية بالشمال ، فضلا عن نية فرنسا ترحيل شركة رونو لصناعة السيارات و ما خلفته كورونا من تداعيات وخيمة على الإقتصاد المغربي ….، بقدر ما يعتبر أيضا و بدون مواربة إقبارا و وأدا للمقولة الحلم من طنجة للكويرة .

    قد أخطئ في تقديري هذا و قد أصيب في قراءتي و تحليلي ، لكنه يبقى مسودة سيناريو قابل للتجسيد على أرض الواقع وفق المستجدات الطارئة ، و إذ أكتفي بهذا النزر القليل ، أستودعكم معشر متتبعات و متتبعي الجديدة نيوز على أمل لقياكن(م) من خلال موضوع جديد في المقبل من أيام …

عبد السلام حكار

عبد السلام حكار مدير الموقع وصحفي منذ 1998 عضو مؤسس بالتنسيقية الوطنية للصحافة والإعلام الإلكتروني

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى