بيت القصيد من زيارة الرعديد لموطن الشهيد ( حقائق و وثائق )
بقلم أبو أيوب
زيارة وزير الدفاع الامريكي مارك أسبير للمنطقة المغاربية تعتبر نوعية من خلال توقيتها و أهدافها ، رغم اقتصارها على تونس و الجزائر و المغرب مقابل استثناء موريطانيا . إذ تعتبر ثاني زيارة لوزير دفاع امريكي للجزائر منذ استقلالها سنة 1962 , بعد الزيارة الأولى التي قام بها دونالد رامسفيلد سنة 2006 إبان عهدة الرئيس جورج بوش الإبن .
للتذكير ، تاريخ التعاون الإستخباراتي بين البلدين يعود إلى فترة ما بعد العمليات الإرهابية التي استهدفت برجي التجارة العالمية ، أو ما بات يعرف بأحداث الحادي عشر شتنبر من سنة 2001 , حيث تم التأسيس لهذا التعاون بمناسبة زيارة رئيس الإستخبارات الجزائرية دي. ار. اس . الجنرال توفيق مدين لمقر وزارة الدفاع الأمريكية البنتاغون .
توقيت الزيارة في هذا الوقت بالذات له دلالات و أهداف سياسية/ أمنية/ عسكرية تقنية / استخباراتية ، حيث تتوسم أمريكا عبرها محاصرة النفوذ الروسي الصيني بالقارة السمراء من جهة ، و مواصلة التنسيق الأمني و العسكري مع الدول المغاربية في الحرب على الإرهاب بمنطقة الساحل و الصحراء ، على ضوء ارتفاع أعداد المجموعات الإرهابية بالمنطقة التي أعلنت ولاءها لتنظيم القاعدة و داعش و تفرعاتهما ، علاوة على الملف الليبي الذي أصبح بؤرة للإرهاب تهدد المصالح الأمريكية .
دلالات زيارة المسؤول الأمريكي لتونس الشقيقة ، لها أبعاد سياسية و خلفيات عسكرية و تاريخية ، ضمن إطار اتفاقيات الشراكة الإقتصادية و التعاون العسكري التي تجمع بين البلدين ، حيث تحظى تونس بقسط من المساعدات العسكرية الأمريكية ، فضلا عن تدريب قواتها الخاصة و أطرها الأمنية تحت إشراف مدربين أمريكيين . بمفهومي ، تكتسي زيارة المسؤول الأمريكي أهميتها السياسية من خلال لقائه بهرم السلطة الرئيس قيس سعيد ، و صبغتها الإستعجالية من خلال لقائه بوزير الدفاع التونسي من خلفية مستجدات الوضع الليبي و العمليات الإرهابية الأخيرة بتونس ، فيما تكتسي أهميتها التاريخية عبر زيارة المقبرة المسيحية حيث ترقد جثامين بعض الجنود الأمريكيين الذين قتلوا في الحرب العالمية الثانية .
أما في شقها المتعلق بالجارة الشرقية الجزائر ، فالزيارة تكتسي أهميتها السياسية و العسكرية من خلال اللقاء الذي جمعه مع السيد عبد المجيد تبون بصفته رئيسا للبلاد و وزيرا للدفاع في آن واحد ، فيما تستمد أهميتها العسكرية التقنية و الاستخباراتية المحضة ، من خلال اللقاء الذي جمعه مع الفريق سعيد شنقريحة رئيس هيأة أركان الجيش الوطني الشعبي ، و المشرف مباشرة على جهاز المخابرات الجزائرية بفرعيها الداخلي و الخارجي .
لتختتم الزيارة بوضع إكليل على نصب الجندي المجهول بالجزائر العاصمة ، إلتفاتة من هذا النوع للوزير الأمريكي قد يعتبرها البعض مجرد خطوة بروتوكولية عادية ، لكنها في الحقيقة ، حمالة لرسائل ذات حمولة سياسية و تاريخية إلى فرنسا المستعمر القديم للجزائر ( متحف الجماجم بباريس مثال ) من جهة ، و ذات طابع استراتيجي عسكري تقني من خلفية ما راكمه الجيش الجزائري من خبرات و تجارب و قدرات استخباراتية و قتالية في محاربة الإرهاب إبان العشرية السوداء من جهة ثانية ، فضلا عن أهميتها الجيوسياسية و الجيو ستراتيجية ، من خلفية الثقل السياسي و العسكري الذي أصبحت تمثله الجزائر في الفضاء المغاربي ( نزاع الصحراء/ الملف الليبي مثال ) ، و في منطقة دول الساحل و الصحراء ( النيجر/ مالي مثال) ، و في عموم القارة السوداء حيث استعادت الجزائر دورها المحوري المؤثر و الفعال من جهة ثالثة .
كما علينا أن نستذكر أدوارها الطلائعية في الصراع العربي الإسرائيلي و مواقفها الداعمة للقضية الفلسطينية ، أو على صعيد القارات الخمس من خلال دعمها و مساندتها لحركات التحرر عبر العالم ، بخاصة في إفريقيا ( أنغولا / جنوب إفريقيا/ الموزمبيق/ زيمبابوي مثال ) ، و الأمريكيتين الجنوبية و اللاثينية ( كوبا/ نيكارغوا/ فنزويلا مثال) ، فضلا عن القارة الآسيوية ( الفيتنام/ الكمبودج/ اللاووس/ تيمور الشرقية مثال ) .
و تجدر الإشارة كذلك ، إلى الدور النوعي الطلائعي الذي لعبته الجزائر في القضية الفلسطينية ، فمنها تم الإعلان الرسمي عن قيام الدولة الفلسطينية بعاصمتها القدس الشريف و بحدودها المعترف بها أمميا سنة 1967 ، و كان هذا ثمرة مؤتمر منظمة التحرير الفلسطينية بزعامة الراحل ياسر عرفات الذي استضافته الجزائر سنة 1988 ، في الوقت الذي تقاعست فيه كل الدول العربية بدون استثناء ، بفعل التهديدات الإسرائيلية باستهداف أية دولة عربية تجرؤ على استضافة مؤتمر م. ت. ف ، إلا جزائر مكة الثوار التي أبت رغم الضغوط الأمريكية و من ورائها الغربية و الإسرائيلية ، حيث قاومت الضغوط و قامت بتأمين الحماية للمؤتمرين .
بحسب وثائق استخبارات غربية رفعت عنها السرية ، أجمعت كلها آنذاك على انطلاق العد العكسي و بداية تحضيرات الوعيد الإسرائيلي باستهداف الجزائر العاصمة ، حيث أشارت الوثائق إلى انطلاق 4 طائرات حربية إسرائيلية في حركات تمويهية التفافية عبر الأجواء المالطية ، استعدادا لتنفيد وعيدها بقصف مكان انعقاد المؤتمر عبر المياه المتوسطية المثاخمة للجزائر العاصمة .
التحركات المريبة لسلاح الجو الإسرائيلي بحسب نفس المصادر ، سرعان ما تم كشفها و رصدها و تتبعها بواسطة الرادارات الجزائرية ، فأعلنت على إثرها حالة استنفار قصوى لسلاح الطيران الحربي على مدار الساعة ، و فعلت مباشرة أنظمة المضادات الأرضية ، لتفقد إسرائيل عنصر المفاجأة الذي دأبت على استغلاله ، بعدما استخدمته في عمليات قصف مماثلة نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر ، استهداف و اغتيال قيادات عسكرية و تنظيمية فلسطينية بتونس العاصمة إبان فترة الرئيس الراحل زين العابدين بن علي .
من هنا تستمد الجزائر ثقلها الجيوستراتيجي من المنظور الأمريكي في الفضاء العربي و الإفريقي ، فضلا عن علاقاتها المتميزة مع حليفيها التقليديين روسيا و الصين و مع دول حركة عدم الإنحياز بزعامة الهند . و قد اشتهرت الجزائر برفضها للإملاءات الغربية و عدم مسايرة التوجهات السياسية للإدارات الأمريكية المتعاقبة و عدم رضوخها للضغوطات الغربية في مجملها ( الحرب على العراق و سوريا و ليبيا و اليمن مثال ) . لذا ، من المنطقي وفق ما تم سرده ، اعتبار زيارة المسؤول الأمريكي للجزائر ، محاولات استقطاب و تجاوب مع المقاربة الجزائرية لملفات المنطقة ( الأزمة المالية/ نزاع الصحراء/ الملف الليبي / محاربة الإرهاب بالساحل و الصحراء مثال ) ، فضلا عن محاولة تلطيف و جبر الخواطر من خلفية الرفض الأمريكي المعلن ، إزاء الترشيح الأممي لوزير الخارجية السابق رمطان لعمامرة كمبعوث أممي لليبيا .
دورها المحوري و مقاربتها في الملفات الشائكة بالفضاء المغاربي و منطقة جنوب الصحراء و الساحل ، بوأها مكانة مرموقة و أصبح صوتها مسموعا لدى صناع القرار الدولي ( أمريكا/ روسيا/ الصين …) ، لذا لا عجب و لا غرو إذا ما توالت الهرولات الغربية و الأمريكية على حد سواء ، طلبا للخبرة الإستخباراتية العسكرية و التجربة الجزائرية المشهود لها في محاربة التنظيمات الإرهابية ، التي راكمتها خلال العشرية السوداء ، مع احتساب الطفرة النوعية التسليحية التي عرفها الجيش الجزائري منذ مطلع الألفية الثالثة ، و لا زالت متواصلة إلى حدود اليوم ، لا سيما بعد اقتنائها لاحدث الأسلحة الروسية و الصينية ذات التقنية و الجودة العالية ، البعض منها ينتمي للجيل الخامس بخاصة في مجال سلاح البحرية /الطيران الحربي / المضادات الجوية ” الاس 400 “/ الصواريخ الباليستية” صواريخ اسكندر”/ نوعية سلاح المدفعية و الدبابات ….
فماذا عن زيارته المبرمجة للمملكة المغربية ؟ حيث من المنتظر اللقاء الذي سيجمعه مع رئيس الحكومة المغربية السيد العثماني ، و ما سوف يتمخض عنه هذا اللقاء من نتائج سياسية ، رغم علمنا المسبق بأن السيد العثماني ليس له ما يقدم أو يؤخر على صعيد العلاقات الخارجية للمملكة المغربية .
بخلاف اللقاء المرتقب أن يجمعه مع السيد عبد اللطيف الحموشي ، المدير العام للأمن الوطني و رئيس جهاز المخابرات المدنية المغربية و مديرية حماية التراب الوطني ، إذ من المتوقع أن تنتج عن اللقاء نتائج إيجابية على ضوء ، ما يتوفر عليه الجهاز من معطيات و حقائق و مستندات و وثائق ، تخص المنتسبين و المتعاطفين مع التنظيمات الإرهابية بخاصة داعش و بقايا القاعدة في الغرب الإسلامي التي تنشط بمنطقة الساحل و الصحراء .
فهل سيقوم السيد اسبير وزير الدفاع الأمريكي بزيارة ضريح محمد الخامس و الحسن الثاني، إسوة بما فعله بكل من تونس و الجزائر ؟ أم سوف يتشرف بلقاء العاهل المغربي كما جرت به العادة في مثل هكذا مناسبات ؟ أم سيكتفي فقط بلقائه مع المسؤولين المغاربة ؟ فلننتظر ما سوف تتمخض عنه زيارته المبرمجة للمملكة المغربية و ما سوف ينتج عنها من نتائج …