فضاء الصحافةمجرد رأي

المغرب بين الفرح و القرح

ابو ايوب
من بوابة التنافس المغربي الإسباني على جلب الاستثمارات الأمريكية ، يتم حاليا الترويج لاختيار العملاق الامريكي المتخصص في صناعة المشروبات الغازية كوكاكولا الاستثمار بالمغرب بدل اسبانيا ، اختيار يسوق بمثابة انتصار لكنه في حقيقة الأمر غير ذلك لا سيما و ان المغرب في الوقت الراهن ، يعيش تحت رحمة جفاف و شح التساقطات الثلجية و المطرية لم يعهدها في تاريخه الحديث ، اذ بحسب العالمين باسرار المهنة ان كل لتر من مشروب كوكاكولا يتطلب 35 لترا من الماء…، هذا ما يشكل في حد ذاته كارثة بكل المقاييس انتبهت لها دول عديدة كالمكسيك ، الى جانب كوارث اخرى تستنزف الفرشة المائية تجاهلتها الحكومة المغربية غير عابئة بما تمثله من اخطار على الأمن المائي للمغرب في زمن الجفاف…
ضمن هذا السياق بات من الضروري استحضار ناقوس الخطر الذي نبه له السيد نزار بركة في معرض حديثه عن حالة الجفاف التي تعصف بالمغرب ، حيث أشار إلى أن مخزون السدود لم تعد تغطي سوى +9٪ من احتياجات المغاربة من المياه الصالحة للشرب عكس السنة الماضية بنسبة +46٪ ، في حين تم تسجيل – 85٪ من التساقطات الثلجية هذه السنة ، كما تجدر الإشارة الى ان مرتفعات الأطلس و الريف تعتبر الخزان الطبيعي و الاستراتيجي للمياه السطحية و الجوفية بالمغرب و هي الروافد التي تغذي الفرشة المائية و الوديان…
بدل تسطير برنامج استعجالي استراتيجي لتحييد هذا الخطر الداهم ، و المبادرة إلى الاسراع باحداث محطات تحلية مياه البحر على طول الساحل المتوسطي و الأطلسي ، اكتفت الحكومة بحلول ترقيعية لن تسمن و لن تغني من جوع من قبيل ، ترشيد الاستهلاك و اقفال الحمامات و محطات غسل السيارات …، في الوقت الذي يتطلب الامر بالحاح الوقف الفوري لكل الزراعات التي تستهلك كميات كبيرة من مياه السقي
للإشارة ، ضخ اسرائيل 9 ملايير دولار في زراعة أشجار فاكهة الخصية” الافوكا” في ضيعات مترامية الاطراف على طول الانهار و الوديان”1 كلغ يستهلك ما بين 600 و 1000 لتر من الماء” ، مما ساهم بقسط وفير في استنزاف مياه الانهار و الآبار ، و هي بالمناسبة فاكهة موجهة بالأساس الى التصدير ، في الوقت الذي إمتنعت الارجنتين عن القبول بهذا الاستثمار الاسرائيلي…
و بنفس القدر ساهم كذلك المستثمرون الأجانب و المغاربة في استنزاف الفرشة المائية من خلال ضيعات الطماطم ” 1 كلغ يستهلك 240 لتر من الماء” و الفراولة و البطيخ الاحمر و بدرجة أقل البصل …
منتوجات فلاحية في مجملها موجهة للتصدير اكثر مما هي مرتبطة بتحقيق الامن الغذائي للمغاربة ، الهدف من ورائها تحقيق أكبر قدر من الارباح بالعملة الصعبة.. بالتوازي مع التغني بسلة الغذاء التي يوفرها المغرب لاوروبا ، في حين تعتبرنا الدول الأوروبية حدائقها الخلفية من حيث تزويد اسواقها بالفواكه و الخضراوات و باثمنة أقل من منتوجات مزارعيها في وقت الضيق…!
اليوم انفضح عجز الحكومة الحالية في ايجاد البدائل و الحلول لأسوء أزمة جفاف تهدد الامن و الاستقرار و السلم الاجتماعي ، و هو عجز تراكمي سارت على نهجه الحكومات السابقة ، و حبذا لو استثمر في محطات تحلية مياه البحر بقدر ما استثمر في كرة القدم او تشييد ملاعب الغولف لكان الأمر احسن بكثير…
صحيح ان أسعار الخضراوات عرفت تراجعا ملحوظا في الاسواق المغربية ، كما صحيح ايضا أن الفضل يعود بالأساس للخطوات الحمائية التي اتخذتها موريتانيا و فرنسا و اسبانيا ، و ان لا فضل يذكر للحكومة في هبوط الاسعار بدليل عدم تراجع اسعار اللحوم الحمراء و البيضاء في الاسواق المغربية ، و السبب راجع لكون البلد مستورد لها من البرازيل و الارجنتين بالاخص الحمراء منها ، فهل تستوعب الحكومة الدروس و تستدرك ما ضاع ام تفضل مواصلة نفس السياسة الذي لن يؤدي سوى الى استفحال الوضع الكارثي لنذرة المياه و استنزاف ما تبقى منها ؟

Abdeslam Hakkar

عبد السلام حكار مدير الموقع وصحفي منذ 1998 عضو مؤسس بالتنسيقية الوطنية للصحافة والإعلام الإلكتروني

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى