الواجهةثقافة وفنون ومؤلفات

شهادة في حق الفنان عبد الله فركوس

فمن يكون عبد الله فركوس

بقلم الدكتور عبد الله صدقي

من باب الإنصاف والإعتراف والوفاء، أن أدليَ بشهادة اعتراف تاريخية، في حق الفنان الممثل عبد الله توكونة، الملقب بعبد الله فركوس، هادفا من وراء هذه الشهادة رفع الغموض، الذي يكتنف مكانة الفنان عبد الله فركوس لدى بعض أهل المجال وغيرهم، ممن ليست لهم دراية كافية بمجال الثقافة السينمائية، وعالم فن كتابة السيناريو، والخصائص السردية، التي تتجسد على الشاشة السينمائية والتلفزيونية، انطلاقا من كوني أنتمي إلى الكتاب الروائيين، المهتمين بكتابة الروايةوالسيناريو، متخصص في نظرية التلقي وعلم السرديات.

كثرا ما يطل علينا أشخاص ممن ينتمون إلى مجال السينما، خاصة منهم الممثلين بتذويناتهم أو حواراتهم، عبثا يوجهون أسهمهم إلى الفنان عبد الله فركوس، وهم يحطون من قدره، وينعتونه بنعوت تهدف إلى النيل مما يقدمه من إنتاجات سينمائية تلفزيونية، وقد يتجاوزون ذلك إلى شخصه، لكونه لم يتخرج من المعهد المسرحي أو غيره، مما نعتبره كمتخصصين لغطا فظيعا، بل وجهلا صارخا، يصدر من أشخاص ما يزالون تحت وطأة جهل أسس ثقافة الفن السينمائي، وجهل الثقافة السينمائية جملة وتفصيلا، فلا يرون سوى الفنان فركوس، ليصبوا على ما يقدم جامَّ غضبهم، وهم يظنون أنهم قد أصابوا في ذلك.

في الوقت الذي لا يصدر هؤلاء المهاجمين من الممثلين في حق السيد عبد الله فركوسسوى المغلوطات التي علِقت في أذهانهم، من أقوال سمعوها من هنا وهناك، أو في اجتماعات في المقاهي أثناء انتشار اللغط والكلمات اللامسؤولة، وقد يتجاوز ذلك إلى تأثيرهم ببعض أحكام المخرجين، الذين بدورهم لا يتجاوز علمهم الفني السينمائي تِقنيات الإخراج السينمائي الميكانيكي فقط، من غير أن ينالوا حظا من دراسة الفن، والفن السينمائي، وفلسفة الصورة والثقافة السينمائية، سواء في علم الاجتماع أو في علم الأدب أوالنقد الأدبي أوعلم الجمال …

أما كلمتي وشهادتي في حق ما يقدمه هذا الفنان الهرم الكبير عبد الله فركوس، فهي أن هؤلاء نسوا أو تناسوا أن الفنان عبد الله فركوس، رغم أنه لم يتخرج من المعهد، فقد خاض تجربة طويلة بين أظهر العديد من الفنانين الكبار، الذين تعلموا التمثيل المسرحي من خلال الأرضية الواقعية، حيث لم تكن هناك لا معاهد ولا ملاجئ للتكوين، فكانت أرضية الواقع التي تمثلت في الحلقة، والمناسبات، والأفراح، والأعياد، هي الأرضية التي انطلق منها هؤلاء، فكان فركوس تلميذا نجيبا لهؤلاء المؤسسين، الذين نذكر منهم الفنان عبد الجبار لوزير، محمد بلقاس، صحيح ان هؤلاء لم تكن لهم دراسة اكاديمية، لكن كانوا يكتسبون تجربة أولية على أرض الواقع، كذلك أصبحوا يحتكون بما يتابعونه من أفلام أو مسرحيا الغرب وغيرهما كثير، بين أظهر هؤلاء استقى الفنان عبد الله فركوس فن التمثيل.

وكان أن شق الفنان عبد الله فركوس طريقه بثبات، وشارك ممثلا على الشاشة وهو ما يزال شابا في العديد من المسرحيات الهزلية (الكوميدية)، والمسرحيات التاريخية، والمسرحيات الموضوعاتية، كذلك انتقل إلى الشاشة التلفزيونية والسينمائية، فأبلى البلاء الحسن، بذلك اكتسب ثقافة ممارساتية انطلاق من التجربة فوق الميدان، وليس في الكتب، ولما كبر عشقُه لهذا الفن، انتقل إلى الإنتاج التلفزيوني والسينمائي، مختارا بعض من الشباب المخرجين الأكفاء، وشارك في بناء السيناريو، الذي يقدمه بنصوص تتخلل المواضيع التي يختارها.

وكل من أراد أن يدخل على مجال المقارنة، فليبدأ بالمقارنة بين الأفلام المغربية والأفلام الأمريكية والغربية، أو يقارن بين النقد السينمائي الأمريكي والمغربي، سيجد بالتأكيد بعدا كبيرا سواء في توظيف التقنيات السينمائية، أو في تناول المواضيع التي تشكل محتوى الفيلم فنيا، وما نقوله عن الفنان فركوس من قبلنا، أن فنه السينمائي قد نُدخله في فن السينمائي (الفطري) بامتياز، على شاكلة الفن التشكيلي الفطري، مع محاكاة فركوس للأفلام السينمائية، التي نالت إعجابه شكلا ومضمونا، حسب ثقافته السينمائية.

بخصوص من لم يحظ بالدراسة في المعهد، هذا نراه طبيعيا لدى كل الدول المتقدمة، في السينما الأمريكية والغربية ممثلون لم يدرسوا التمثيل، ولم يتخرجوا من المعاهد، فأبلوا مع ذلك البلاء الحسن في السينما، ولم يُعاتبهم أحدٌ، بل نالوا جوائز لم ينلها بعض الذين تخرجوا من المعهد، بكفاءتهم ومهارتهم وذكائهم الفني، فلماذا نحرم بعض من لم يتخرج من المعهد من إعطائه فرصة، إن أثبت نفسه فتبارك الله ، وإن لم يفرض نفسه فسيغادر طوعا، والمخرجون السينمائيون لا يلعبون بمستقبلهم المهني والفني، ولا أحد يفعل ذلك لسواد عيون الممثل، ويخسر مشروعه !!!

وإذا انتقلنا إلى مميزات ما يقدمه الفنان المقتدر عبد الله فركوس، فيتجلى ببعض الأمثلة غير الحصرية فيما يلي:

  1. عبد الله فركوس لم يكتف بالتمثيل، ليبقى رهين السيناريست، وما يحفظه من كلام السيناريست، يُملأُ فيُفرغ، (تجاوزا وليس قدحا في حق الممثل)، بقدر ما انتقلت مخيلته الفنية، فأنتجت لنا سينما عبد الله فركوس، بطابع فكره وإبداعه الفطري، وما استخلصه من التجارب الفنية التي مارسها، ولعمري هذا عمل جليل أن يرتقي فنان مثل عبد الله فركوسإلى مقام الإبداع، منفلتا من التقليد والنسخ والابتذال والمحاكاة، بما لديه من إمكانيات فنية وثقافية ومادية وموضوعية.
  2. عبد الله فركوس استطاع أن يترك بصمته، انطلاقا من العديد من العروض الفنية السينمائية، وقد ظهرت حنكة عبد الله فركوس الفنان فيما يلي
  3. حيث خصص أكبر مجالاته الفضائية (الفضاء السينمائي) في مدينة مراكش التاريخية، فأخذَنا كجمهور نرتادُ أزقة المدينة القديمة في مراكش وجدرانها وأركانها، نرتاد بيوتها القديمة غرفة غرفة، بِأبهائها وزخارفها وطابعها التقليدي…

فضاء السوق المراكشي بكل أنواعه، فضاء الحمام وما يعتريه من تقاليد، فضاء مقاهي مراكش، فضاء حدائق مراكش، فضاء الفنادق المراكشية، فضاء مدارس مراكش، فضاء مخفر الشرطة، فضاء سجون مراكش، فضاء مؤسساته الاقتصادية والاجتماعية، فضاء شوارع مراكش، ساحة جامع الفنا …

كل هذه الفضاءات تختص برطانات (بتعبير بيير زيما)[1]، خاصة بها وخطابات: لغة الحرفيين، لغة التجار، ألغاز العامة، لغة القانون … تلك اللغة الاجتماعية التي تنساب بعذوبة تشعرك أنك في مدينة ذات خصوصية جذابة، وقد تناسقت معالم مدينة مراكش بعاداتها وتقاليدها ومدنيتها وبساطة أهلها، وروح النكتة المرحة، وأعظم ما فيها تلك اللغة (اللهجة المغربية المراكشية)، التي تحوي جماعا من الأحاسيس الجميلة تنبض بالروعة الأخاذة، لتدع الزائر مدهوشا أمامها من غير أن يمتلك نفسه، فيحب مراكش وأهلها…

ــ الجيران المراكشيين وعاداتهم، وظاهرة التجسس (التْبَرْكيك)، بطرق السخرية

كذلك وظف فركوس قاموس الأمثال المراكشية، وكم هي عديدة لا تحصر، توظيفا فنيا يثير عبرها الهزل، وبعض صور الكوميديا بشكل رائع

ــ كشف عبد الله فركوس عن العديد من تقاليد أهل مراكش وأعرافها، حين الزواج والطلاق، والخصام، والصراع، والمكر، والخداع، والنصب، والمفاجآت، وشطط المسؤولين عن القانون في تجاوزاتهم التي تمس حقوق المواطن البسيط

ــ رفع عبد الله فركوس من خلال أفلامه اللثام عن الأسرة المراكشية البسيطة، والعادات التي تحكمها، والحياة اليومية بشكل مثير للغاية، يجعل الجمهور في رحلة ذات متعة جميلة…

ساق لنا عبد الله فركوس عالم وسائل النقل مراكش: عربة الحصانيْن، الدراجة المراكشية، الدراجة النارية، السيارة، الشاحنة …

ــ تناول عبر أفلامه الأنشطة الفنية: الدقة المراكشية، كناوة …

ـ تنوع الأدوار: تاجر، عامل في قطاع البريد، بائع العطور، موظف …ـ

ـ موضوع السفر كذلك جلب اهتمام فركوس الفني

المواضيع (تيمات الفيلم): أغلب المواضيع التي يختارها الفنان فركوس في السينما اجتماعية، والأجمل أنه لا يقدم حلولا، بقدر ما يطرح العديد من الأسئلة على أي ظاهرة يتناولها، وهذا في تقديرنا لهو قمة رسالة الفن، أنْ لا يقدم جوابا أو ما يُعرف بعلاج الظاهرة الاجتماعية، (فالفنان المقتدر من وجهة نظر الفن، هو ذاك الفنان الذي استطاع إلى حدٍّ بعيدٍ أن يقبض على الأسئلة الجوهرية الحقيقية الخاصة بالظاهرة الاجتماعية أو السياسية أو القانونية، التي تقلق المجتمع، وتهز قيمه، وليس ذاك الذي يُنصب نفسه وَصِيًّا على المجتمع، فيقدم الحلول في طرحه السينمائي، إذ لا نعتبره إلا نوعا من الغباء، أو ما يمكن أن ننعته ب( الفكر الدونكشوطي)…[2]

  1. عبد الله فركوس، استطاع أن يحقق نوعا من الانسجام بل التناغم (HARMONIE)بين فكرة الفيلم والفضاءات والأزمنة والرؤية،والشخصياتالتي يختارها لتقوم بالأدوار، بكل ما يتطلب من الشخصية من سلوك وأردية، وإطار تحركاتهم، وخطاباتهم في حواراتهم، التي جعلها عبد الله فركوس لا تنفك عن الهزل وضرب الأمثال وأحيانا السخرية، التي استخدمها بطريقة رائعة، مثلما تحدث عنها (ميخائيل باختين) في كتابه (الخطاب الروائي)…
  2. عبد الله فركوس من خلال أفلامه البسيطةيكون أول مؤرخ سينمائي، استطاع أن يؤرخ لمدينة مراكش (سوسيولوجيا)، مثيرا كل صراعاتها اليومية، وتفاعلات أهل مراكش مع القضايا والإشكالات البسيطة، والعادات والتقاليد في الأفراح والأعراس والأعياد، في المسرات والأحزان، مما يجعلنا نقول، إن الفنان عبد الله فركوس اكتسب بفطنته وذكائه رؤية للعالم وللعالم السينمائي في علاقته بالواقع رؤية متقدمة جدا، لم يصل إليها حتى المخرجون الذين تخرجوا من أكبر المعاهد الغربية، وقد جالست الكثير منهم …

بذلك ننبه كل أهل الفن التلفزيوني والسينمائي من مخرجين وممثلين أن يحموا الفنانين الذين يلجون هذا الفن الجميل، من أي تشويه أو حط أو إساءة إلى أهل الفن، صحيح يمكن تبادل النصح، يمكن تأسيس مجمع أهل الفن من العقلاء المشهود لهم بالكفاءة النقدية والفنية وباب الإنصاف، حتى يكونوا حكما للقضايا الطفيلية التي تظهر كل حين في حق بعض الفنانين، كذلك ندعو إلى الاهتمام بأهل الفن، حتى ينالوا حقهم في هذه المهنة النبيلة، من غير أن تتسلط مجموعة على المجال الفني السينمائي والتلفزيوني، ويحرموا البعض ظلما وعدوانا … متمنياتي لكل الفنانين المغاربة سمو النفس ورغد العيش وراحة الضمير والتقدم والتطور في المجال …لا تنسوا أنكم سفراء الوطن، وشهود تاريخ، ونماذج داخل الأسر، وممن يبنون صرح الوطن المغربي العظيم …

[1] انظر كتاب بيير زيما النقد الاجتماعي

[2]Goldmann L., Pour une sociologie du roman.

 

Abdeslam Hakkar

عبد السلام حكار مدير الموقع وصحفي منذ 1998 عضو مؤسس بالتنسيقية الوطنية للصحافة والإعلام الإلكتروني

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى