بيان مقايضة/ ردود أفعال/ مأزق و توريط/ أضواء كاشفة و عودة إلى المربع الأول ، آفاق نزاع الصحراء في الفضاء المغاربي …
بقلم أبو أيوب
البيان الرئاسي (للرئيس الأمريكي دونالد ترامب) بقدر ما أثار زوبعة و رجة في الأوساط الدولية ، بقدر ما طرح أكثر من علامة استفهام حول مدى قانونيته و سلط مزيدا من الأضواء الكاشفة على نزاع عمر طويلا ، فأعاده إلى واجهة الأحداث بعدما كان قاب قوسين أو أدنى من أن ينسى . بيان من خلاله أعلن الرئيس ترامب اعترافه الرسمي بسيادة المغرب على الصحراء الغربية ، شيء جميل و هدية غير متوقعة و انتصار تاريخي … فماذا كان الثمن ؟ مقايضة سيادة مقابل اعتراف رسمي و تطبيع علني و مشاريع …
يذكرني هذا باتفاقية كامب دافيد بين مصر السادات و وادي عربة الأردن و إسرائيل ، وقتداك تحدث الجميع عن الرخاء والبحبوحة و التنمية و المشاريع في ظل السلام و العيش المشترك …، آنذاك أنشد الشيخ إمام من كلمات أحمد فؤاد نجم ” رحمة الله عليهما ” رائعتهما ( فاليري جيسكار ديستانغ … و الست بتاعو كمان … حيجيب الديب من ديلو …. و يشبع كل جيعان …..) ، و منذ ذلك الحين إلى يومنا هذا ، لا شعب مصر شبع و لا شعب الأردن انتفع بل الكل خضع و ركع ( كلى الدولتين مكبلتان في قرارهما السياسي و مثخمتان بالديون …) .
على إثر البيان “المقايضة” ، توالت الردود الدولية بين داعم مساند و مندد شاجب . ففي تعليقها على الخبر ، أعلنت الأمم المتحدة على لسان أمينها العام بأن البيان الرئاسي الأمريكي لن يغير من نظرتها لنزاع الصحراء ، الذي يبقى في عرفها ملفا مدرجا ضمن أجندتها كقضية تصفية استعمار بحسب منطوقها ، فيما نددت روسيا بالخطوة الترامبية واصفة إياها بغير الشرعية و تشكل تهديدا للأمن و السلم العالمي . تنديد دولي وجد صداه في تصريحات كل من بريطانيا و إسبانيا اللتين أعلنتا عن مساندتهما لحق تقرير المصير ، معربتان في نفس الوقت على أن البيان الرئاسي يعد خرقا لقرارات الشرعية الدولية و لميثاق الأمم المتحدة .
أما على الصعيد الداخلي و في تصريح للسيناتور جيمس ماينهوف رئيس لجنة الأمن و الدفاع بالكونغريس الأمريكي قال ( الخطوة الترامبية غير قانونية و سأعمل كل ما في وسعي لإعادة الأمور إلى نصابها ). و قد ذهب في نفس الإتجاه عضو الكونغرس عن الحزب الديمقراطي النائب اليوت انجل ، حيث أعلن على أن البيان الرئاسي ضعيف و لا يستند على أسس قانونية ، في إشارة إلى عدم عرضه على الكونغرس بغرفتيه ليكتسب صبغته القانونية .
نفس الخلاصة أقر بها الباحث المغربي محمد الشرقاوي أستاذ القانون و تسوية النزاعات الدولية بواشنطن ، فيما ذهب أبعد من هذا مستشار الأمن القومي الأمريكي السابق جون بولتون ، الذي أعلن من خلال تغريدة له على حسابه الخاص ( البيان الرئاسي لدونالد ترامب يشكل تهديدا لثلاثين سنة من السياسات و المقاربات الأمريكية بالمنطقة مقابل شبه انتصار سياسي في الوقت الضائع ، في إشارة لما تبقى من عهدة الرئيس المنتهية ولايته ( أواسط يناير المقبل ) .
في أحدث مقال لها بتاريخ 9\12\2020 ، نشرت صحيفة الفورين بوليسي الأمريكية مقالا يتطرق للنزاع حول الصحراء ، أشارت من خلاله إلى تطابق مشكل تيمور الشرقية التي استقلت عن أندونيسيا سنة 2000 مع معظلة الصحراء الغربية ، مؤكدة في نفس الوقت بأن النزاع حول الصحراء سوف ينحو نحو نفس مخرجات مشكل تيمور الشرقية ، أي بما معناه ، إجماع دولي على تنظيم استفتاء تقرير مصير ساكنة الصحراء تحت إشراف دولي تشاركي تقوده الأمم المتحدة و الإتحاد الإفريقي … للإشارة ، أندونيسيا كانت قد ضمت تيمور الشرقية بعد ستة أشهر من تنظيم المغرب للمسيرة الخضراء لاسترجاع الصحراء سنة 1975 .
أما على صعيد الفضاء المغاربي ، فبقدر ما اعتبر البيان الرئاسي الترامبي نصرا تاريخيا للمملكة المغربية ، بقدر ما حد من فرص نجاحه و تنزيله على أرض الواقع … كما أبان عن موقف ضعف المغرب أمام خصومه من حيث إمكانية اعتباره ابتزازا استراتيجيا و مقايضة تكتيكية ، فاعترافا رسميا و تطبيعا مع إسرائيل غير قابل للنقض أو التراجع عنه و التنصل منه ، مقابل بيان رئاسي يعترف للمغرب بالسيادة على الصحراء الغربية من دون ضمانات ديمومته ، أي من المتوقع و المحتمل تنصل إدارة الوافد الجديد على البيت الأبيض منه ، من منطلق أن البيان لم يكتسب طابعه القانوني المؤسساتي ( كل الإتفاقيات الدولية تعرض على الكونغريس للنقاش و المصادقة عليها) .
بتقييمي للمرحلة الراهنة ، بقدر ما أرى في البيان الترامبي نصرا تاريخيا للمغرب و قيمة مضافة على حسابه لصالح إسرائيل ، بقدر ما أرى فيه توريطا للمغرب في أثون حرب و تأزيم لجبهة داخلية متصدعة مشروخة ، جبهة منقسمة على نفسها بين مؤيد و معارض للخطوة الملكية ، ثم إعادة بملف الصحراء إلى مربعه الأول بداية ثمانينيات القرن الماضي . كما أن البيان الرئاسي من جهة أولى ، سوف لن يوقف بالمطلق الأعمال القتالية التي بدأت تأخذ منحى تصاعديا على طول الجدار الدفاعي المغربي ( حوالي 2500 كلم ) ، و شجع جبهة البوليساريو على التمادي في التنصل من التزاماتها الدولية بموجب اتفاقية وقف إطلاق النار من جهة ثانية .
لكن الخطير في الأمر التعاطي الدولي مع الأزمة المستجدة و التغطيات الإعلامية التي واكبتها ، حيث سلطت الأضواء من جديد على جبهة و قضية كادت أن تقبر و تنسى من جهة ثالثة ، و بعدما كانت مواقف بعض الدول الوازنة كروسيا و الصين و بريطانيا و إسبانيا … ملتبسة نوعا ما ، أصبحت اليوم أكثر وضوحا و دعما صريحا لتنظيم استفتاء و حق تقرير مصير من جهة رابعة ، و قد لا نفاجأ في المستقبل المنظور إذا ما اعترفت مملكة السويد بالجمهورية الصحراوية ، و قد تتبعها ملكيات أوروبية أخرى كالدنمارك و النرويج … فيما يشبه تهاوي أحجار الدومينو ، و هذا أمر شبه مؤكد بحسب تشريعات قوانين برلمانات تلكم الممالك الأسكندنافية من جهة خامسة .
أما الأخطر و المروع المفزع ، احتمالية انخراط الجيش الجزائري مباشرة في الحرب بين المغرب و البوليساريو ، مدعوما بمواقف دول إفريقية وازنة كنيجيريا و جنوب إفريقيا و أنغولا …، و مسنودا بقررات الإتحاد الإفريقي و المفوضية و مجلسه للأمن و السلم ، في حالة ما اذا اراد المغرب تفعيل حق المطاردة في المناطق الواقعة تحت سيطرة الجبهة شرق الجدار المغربي، مع توقع احتمالية فرض عقوبات إفريقية اقتصادية/ عسكرية/ رياضية على المغرب ، من المنتظر التطرق لها أو اجازتها خلال القمة الإفريقية المرتقبة الشهر القادم بأديس أبيبا عاصمة إثيوبيا .
باعتقادي و أكاد أجزم ، المغرب سيظل وفيا لنهجه الدفاعي على طول الجدار الرملي ، و لن يقوم بالهجوم البري خارجه مخافة تكبد خسائر في الأرواح و العتاد ، ثم احتراسا من تداعياتها على الجبهة الداخلية و هو الذي يتستر أو ينكر بداية الحرب أو انطلاق الأعمال القتالية على طول الجدار ، في الوقت الذي تعلن فيه جبهة البوليساريو عبر بياناتها العسكرية ، عن عمليات قصف يومي تقوم بها وحداتها على مواقع عسكرية مغربية بقطاعات المحبس و الفارسية و الحوزة و امغالا و السمارة و ام دريكة و اوسرد و تيشلا ، انطلاقا من قرابة ثلث تراب الصحراء الذي تسيطر عليه .
كما أعتقد أيضا أن الجزائر لن تسكت أو تتعايش مع وجود إسرائيلي على حدودها الغربية ، في إشارة للاعتراف المغربي الرسمي و بداية التطبيع العلني ، و قد أدركت هذا منذ انطلاق خريف الجمهوريات العربية بداية العشرية الثانية من القرن 21 ، و أدركته معها كل من روسيا و الصين اللتين سارعتا إلى تلبية كل طلبياتها التسليحية حتى لا يتكرر السيناريو الليبي بالجزائر .
لذا هي اليوم بعدما غيرت موازين القوة في المنطقة المغاربية لصالحها ، تسعى جاهدة للعب دور محوري استراتيجي بما يكفل لها زعامة شمال غرب إفريقيا بدون منازع ، و قد لا تتوانى عن الدفع بالبوليساريو لشن هجمات داخل الصحراء ، سواء من خلال عمليات تسلل كومندوهات مسلحة تابعة للبوليساريو تلقت تداريبها بمختلف المعاهد العسكرية الجزائرية ، أو عبر تجهيزها بمنظومة صواريخ طويلة المدى لاستهداف العمق الصحراوي ( مراكز حيوية أو حساسة من قبيل معبر الكركرات أو محطة العيون لتحلية مياه البحر مثال ) ، مع التركيز على إحداث قلاقل أو إنتفاضة شعبية كأحداث مخيم اكديم ايزيك تواكبها تغطية إعلامية دولية …
سيناريو جد متوقع للحرب في الصحراء في المستقبل المنظور ، ما يعزز الطرح تصريحات جبهة البوليساريو بأنها لن تتوقف عن الأعمال القتالية إلا بشروط : تاريخ محدد لتنظيم استفتاء تقرير المصير/ إغلاق معبر الكركرات/ وضع حد لخروقات حقوق الإنسان بالصحراء ….، و لعلي بها لن تعود إلى التزاماتها السابقة إلا على ضوء هذه الشروط ، غير هذا سيستمر تنصلها من مقتضيات الإتفاق الذي وقعته مع المغرب سنة 71 و صدر بشأنه قرار لمجلس الأمن الدولي .
و باعتقادي أيضا أن السيناريو اليمني قد يتكرر بالصحراء بكل حذافيره …قوات تحالف عبري عربي إماراتي سعودي سوداني مغربي ، في مواجهة محور و حلفاء يتمدد على حساب حلف و أدوات يتبدد ، بالتالي قد يكون من شبه المؤكد أن نستفيق على وقع هجمات صاروخية بعيدة المدى ضد منشآت حيوية مغربية ، مع احتمالية أن يتم الإستهداف بواسطة صواريخ قدس 1 او 2 لربط مصير القضية الصحراوية بالقضية الفلسطينية كما ربط مصير الملكيات في الوطن العربي بالمصير العبري … هجمات شبيهة بالتي تقع بين الفينة و الأخرى ضد منشآت حيوية استراتيجية حساسة سعودية و إماراتية ( استهداف منابع و مصافي النفط بكل من بقيق و جنوب الرياض و جدة على البحر الأحمر بالسعودية مثال ) .