ما هي أهداف الكيان من التطبيع
محمد الحبيب الدكالي
14/12/2020
لا بد من الوعي الكامل بأهداف الكيان العنصري المجرم من وراء استراتيجياته لجعل التطبيع حالة شعبية عامة وليس مجرد علاقات رسمية مع هذا النظام أو ذاك في الإقليم العربي، وهذا الوعي مهم جدا في أية رؤية وإرادة للمقاومة الشعبية طويلة المدى للعدو الصهيوني، ولن تكون هناك فائدة كبيرة من الانفعال العاطفي تجاه التطبيع، مهما كان صادقا، ما لم يصاحبه إدراك واع للمخاطر والأهداف الحقيقية متعددة الأبعاد وبعيدة المدى التي يعمل العقل الاستراتيجي الصهيوني على تحقيقها على أرض الواقع في عمق المجتمعات العربية.
ويمكن إجمال الأهداف الاستراتيجية للتطبيع كما يلي:
- تغيير الصورة الذهنية النمطية للكيان الصهيوني في العقل الجمعي في المجتمعات العربية، بنزع صورة الدولة المجرمة العنصرية الاستعمارية الإحلالية، التي قامت على القتل والتدمير والإبادة وشنّ الحروب والتهجير والحصار وسرقة ونهب أراضي الفلسطينيين، وإحلال صورة أخرى مزيّفة مكانها، صورة الدولة الراغبة في السلام التي تمدّ يدها لجيرانها للتعايش والتعاون.
- تغيير الحالة النفسية الجماعية لدى المجتمعات العربية من حالة الشعور بالعداء المتأصل للكيان الصهيوني بحكم طبيعته الإجرامية وبحكم تاريخه الطويل القائم على الكراهية والعنصرية للعرب والفلسطينيين بالذات، وبحكم سلسلة الحروب التي شنتها على الفلسطينيين والعرب، آخرها أربعة حروب دموية مدمّرة على غزة في بضع سنوات فقط، وبالتالي فنهم يعملون على تحويل حالة الشعور بالعداء الطبيعي تجاه الدولة المجرمة، إلى حالة نفسية منهزمة مخدوعة تتقبل الوجود الصهيوني عبر التضليل وغسل الأدمغة، وللكيان الصهيوني استراتيجيات قديمة من الخداع وتزييف الحقائق.
- تزييف التاريخ في الأذهان حول طبيعة الحركة والمشروع الصهيونيين، كمشروع استعماري مرتبط ومتحالف مع الاستعمار الغربي، ومحاولة الترويج لخرافة “شعب الله المختار” ولشعار ” أرض بلا شعب لشعب بلا أرض”، وتقديم “روايات تاريخية” خادعة حول ارتباط اليهود بفلسطين باعتبارهم سكانها الأصليين، وتزييف علاقات بني إسرائيل العابرة بفلسطين خلال فترة حكم داوود وسليمان عليهما السلام لجزء من فلسطين ولفترة تاريخية وجيزة، والتعتيم على الأصول القديمة للفلسطينيين الكنعانيين في فلسطين قبل آلاف السنين من مرور بني إسرائيل بها.
- تغيير الصورة الثقافية السائدة عن الدولة والمجتمع الصهيونيين كدولة ومجتمع عنصريين تتفنّن في الاضطهاد اليومي للفلسطينيين وقتل الأطفال والنساء والشباب وحصار المدن والبلدات الفلسطينية وسجن الآلاف، إلى صورة الدولة الديموقراطية المتقدمة علميا وتكنولوجيا ودولة الحريات المنفتحة بالسلام على العرب.
- تنفيذ سياسات وبرامج كل أنواع الاختراقات في المجتمع وفي الدولة، لتوسيع دوائر الخداع وكسب وتجنيد العملاء لخدمة المشاريع الصهيونية في المجالات الاقتصادية وفي التعليم والزراعة وفي المجالات الثقافية والشبابية والأدب والفن والسينما والسياحة، والتمكين والترويج للمنتجات الصهيونية وتسهيل تغلغلها في الأسواق الوطنية..
- أما أخطر أهداف الكيان الصهيوني من وراء التطبيع والتسهيلات الواسعة التي يتيحها الاختراقات، فيتعلق بتطوير استراتيجياته القديمة الجديدة لنشر الفوضى والصراعات الداخلية، وصولا إلى تفتيت البلدان العربية إلى دويلات صغيرة متناحرة. إن الاختراقات التي يتيحها التطبيع تتيح إمكانيات تنفيذ برامج تأجيج الحقد والكراهية بين مكوّنات الشعب الواحد. هذه ليست خيالات، بل حقائق.
أذكر أن مجلة “الهدى” المغربية نشرت ترجمة لمقالة نقلا عن إحدى المجلات الفرنسية (سنة1982 على ما أذكر) لأمنون كابليوك وهو كاتب صحفي يهودي كان معروفا بمعارضته للسياسة التوسعية الإسرائيلية. استعرض الكاتب في مقالته الخطوط العريضة لاستراتيجية القيادة في الدولة الصهيونية خلال العشرين سنة الأخيرة من القرن العشرين، فذكر أن هذه الاستراتيحية تقوم على ثلاثة أسس:
- أن المجال الحيوي (l’espace vital) للكيان الصهيوني يمتد من المغرب إلى باكستان.
- يجب استغلال التنوع الديني والطائفي والقومي واللغوي في هذه المنطقة لافتعال أكبر عدد ممكن من الصراعات الداخلية والحروب الأهلية.
- أن تفضي هذه الحروب والصراعات لخلق أكبر عدد ممكن من الدويلات الضعيفة المتناحرة.
وعلق أ. كابليوك قائلا، أن هذه الاستراتيجية، بالنسبة للقيادة في الدولة الصهيونية، هي الحل الوحيد بعيد المدى، لتحويل ميزان القوى في منطقة معادية ذات عمق جغرافي وسكاني وثقافي هائل، لصالح الدولة الصهيونية، وكلما نجحت هذه الأخيرة في التطبيع والاختراق، سهل عليها تنفيذ استراتيجية إشعال الصراعات الداخلية والتفتيت.