بقلم : عبد الرحيم الخصار
عن : الأخبار
إذا كان الموسم الثقافي في أوروبا يبدأ مع شهري أيول (سبتمبر)، فإنه في المغرب ينطلق خلال شهر شباط (فبراير) تزامناً مع فعاليات المعرض الدولي للكتاب في الدار البيضاء. فغالباً ما تنشغل الأسر المغربية خلال أيلول (سبتمبر) بدخول آخر، هو الدخول المدرسي. غير أن معرض البيضاء شكّل العام الأخير بدايةَ الموسم الثقافي ونهايتَه في الوقت نفسه. فبعد أسابيع قليلة من اختتام فعاليات المعرض، حلّت كورونا بالمغرب، ودخلت البلاد في فترة الحجر الصحي، وأغلقت الدولة كل شيء، خوفاً من أن يفتك الوباء بالمواطنين في بلد يعرف هشاشةً على مستوى قواعده الصحية.
حلّت كورونا في توقيت سيء، فقد اعتاد المغاربة على تكثيف الأنشطة عقب معرض الكتاب، خلال شهري آذار (مارس) ونيسان (أبريل)، لسببين أساسيين، فالمغرب من أكثر البلدان العربية احتفاءً باليوم العالمي للشعر (21 مارس)، خصوصاً أنّ تخصيص يوم عالمي لهذا الجنس الأدبي كان مقترحاً من لدن بيت الشعر في المغرب. والسبب الثاني هو أن مختلف المدارس والمعاهد والمؤسسات التربوية تنظم أسابيعها الثقافية الربيعية خلال هذين الشهرين، فضلاً عن تنظيم تظاهرة عيد «الكتاب» خلال شهر نيسان (أبريل). وتعرف البلاد عموماً تنظيم معظم مهرجانات الأدب والفن والسينما والمسرح خلال فصل الربيع.
غير أن الدراسة توقفت مع منتصف آذار (مارس)، وصدرت مذكرات حكومية تمنع كل أشكال التجمع، مع إغلاق تام لكل فضاء اعتاد الناس على التجمّع فيه.
مثل كلّ المجالات الأخرى، تضرّر الفنّ بسبب كورونا. توقفت الأنشطة في كل مكان، وتحولت الممارسات الفنية الواقعية إلى عالم الافتراض. أُغلقت قاعات العرض في وجه أهل السينما والمسرح وأُسدل الستار على كلّ المنصات. لم يكن الضرر رمزياً فحسب، بل مادياً أيضاً. فالعاملون في هذه القطاعات وجدوا أنفسهم أمام كابوس التوقف الذي لا يعرف أحد متى سينتهي. تفاقمت الأزمة في بلد يعرف فيه الفن أزمات سابقة دون وباء.
ومع العودة التدريجية لقاعات السينما والمسرح خلال الأشهر الأخيرة من هذا العام في عدد من بلدان العالم، بما فيها البلدان العربية، لم يعد المغرب بعد. لقد تأخرت هذه العودة، لذلك رفع أهل الميدان نداءهم من أجل فتح صالات السينما والمسرح في وجه محبي الفن السابع وأب الفنون، خصوصاً أن الدولة فتحت معظم الأماكن التي كانت مغلقة، ويبدو أنها نسيت أمكنة الفنون الجميلة.
مؤخراً، نادى الناقد السينمائي المغربي المعروف عبد الكريم واكريم، ونادى معه آخرون، بفتح قاعات العرض. وتحول هذا النداء، الذي صيغ في تدوينة قصيرة، إلى لائحة مفتوحة ضمت عشرات الأسماء المهمة من العاملين في حقل السينما والحقول المجاورة لها. ثم انتشرت العريضة على نطاق واسع ورُفعت إلى الجهات المعنية، وصار من الضروري الإصغاء لهذا النداء والعمل على ترجمة محتواه إلى أرض الواقع، خصوصاً في بلد يعتبر الثاني عربياً في إنتاج السينما، وله سمعة عالمية على مستوى تصوير الأفلام الأجنبية الكبرى، فضلاً عن كونه البلد الذي يضم أكبر استوديو طبيعي في إفريقيا والعالم العربي.
أما في الحياة الأدبية، فقد انتقلت كل الأنشطة إلى الفضاء الافتراضي، فبعد توقف تام لكل الفعاليات الثقافية خلال الأشهر الأولى للحجر الصحي، لجأت عدة مؤسسات وجمعيات إلى تطبيقات التواصل على الانترنت. ويبدو بيت الشعر مثالاً حيّاً على ذلك، فقد نظّم، عن بُعد، عدداً من الأمسيات الشعرية ذات الطابع الاحتفائي لأسماء من أجيال وتجارب مختلفة تكتب بالعربية، الفصحى والدارجة، والأمازيغية والفرنسية: محمد عنيبة الحمري، نبيل منصر، وداد بنموسى، يونس الحيول، أحمد لمسيح، دامي عمر، محمد بشكار، مصطفى ملح، محمد حمودان، لطيفة المسكيني، محمد واكرار، بوعزة الصنعاوي. كما نظم لقاءات نقدية حول الشعر شارك فيها نقاد مثل محمد آيت لعميم وخالد بلقاسم. واقترح بيت الشعر فكرة جديدة تتمثل في استضافة أسماء من حقول ثقافية مختلفة للحديث عن علاقتهم بالشعر مثل المسرحي عبد المجيد الهواس والقاص أنيس الرافعي والمخرج عز العرب العلوي. اللافت أيضاً أن بيت الشعر قد أصدر عدداً خاصاً من مجلته الفصلية عن الشاعر الراحل أمجد ناصر.
ولم تحل كورونا دون استمرار تنظيم الجوائز الثقافية، مثل جازة طنجة للشعراء الشباب، والجائزة الوطنية للقراء، وجائزة المغرب للكتاب، وهي أرقى جائزة في الدولة، وقد أعلنت وزارة الثقافة عن نتائجها يومين فقط قبل نهاية العام، ومن بين أبرز الفائزين بها الروائي شعيب حليفي والشاعر محمد عنيبة الحمري والناقد عبد الرحمان تمارة والمترجم عبد الرحيم حزل وترأس لجان الجائزة لهذا العام المفكر عبد الإله بلقزيز.
وصدرت خلال العام كتب مهمة أبرزها ذو طابع فكري ونقدي مثل: «في جو من الندم الفكري» لعبد الفتاح كيليطو، «الكتابة بالقفز والوثب» لعبد السلام بنعبد العالي، «الذات والعالم» لنور الدين صدوق، «أصول الحكم» لأحمد الدغرني، «التيار التجريبي في المسرح العربي الحديث» لعبد الكريم برشيد، «بيانات في حداثة الكتابة» لصلاح بوسريف، «كورونا والخطاب» لأحمد شراك، «السياسة والدين في المغرب» لحسن أوريد، «أعراف الكتابة والتأليف» لجمال بوطيب.
كما صدرت أعمال روائية وقصصية مهمة، من بينها: «مرابع السلوان» لعبد القادر الشاوي، «الخالة أم هانئ» لربيعة ريحان، «أرخبيل الفزع» لأنيس الرافعي، «حياة الفراشات» ليوسف فاضل، «أحجية إدمون عمران المالح» لسعيد احجيوج.
أما بخصوص الفن التشكيليK فقد تم الاحتفاء باسمين أساسيين هذه السنة هما الجيلالي غرباوي رائد التجريد في المغرب، والشعيبية طلال رائدة الفن الفطري، عبر تخصيص معارض استعادية تقدّم، فضلاً عن اللوحات المعروضة، تعريفات بفنهما وتفاصيل من حياتهما، إضافة إلى الأرشيف المتعلق بهما.
شهد العام الذي ودعناه رحيل أكبر عدد من أهل الفن والثقافة والإعلام قياسا مع السنوات السابقة. فقد غادرتنا الفنانة ثريا جبران، والتشكيلي محمد المليحي، والمطرب محمود الإدريسي، والناقد المسرحي حسن المنيعي، والمفكر محمد وقيدي، والسينمائي نور الدين الصايل، والشاعر حكيم عنكر، والممثلون عزيز سعد الله وعبد العظيم الشناوي وحمادي التونسي وعبد الصمد دينية وأنور الجندي وعبد الجبار الوزير، والكتّاب محمد الإحسايني ومحمد أديب السلاوي وحسن السوسي ودليلة الندري وحسن لطفي. يشار إلى أن نسبة كبيرة من هؤلاء المثقفين والفنانين رحلوا بسبب مضاعفات فيروس كورونا.