الترحــــــــال السياسي ومشروع الحداثة أية علاقة ؟
بقلم إبراهيم صبار
أولا : الترحال السياسي تعبير صارح عن واقع سياسي متعفن
تشكل ظاهرة الترحال السياسي احد الظواهر الفاسدة للمشهد السياسي، وعنصرا اساسيا من عناصر الثقافة السياسية البالية المرتبطة بسنوات الرصاص والدم. فهي ليست جديدة، بل هي متجدرة في التربة المغربية منذ عدة عقود، وقد اتخذت منحى تصاعديا في السنوات الاخيرة بشكل يثير القلق والخوف على مستقبل الديمقراطية الناشئة، وصارت تمثل أحد المعالم البارزة لثقافة الفساد السياسي السائدة في مغرب اليوم ، والمؤشرات القوية لثقافة الانتهازية والانتفاعية، إذ تمثل عنوانا بارزا للثقافة الميكيافيلية في أعلى معانيها وتجلياتهاـ والتي افرزتها الذاتية العمياء والانانية القاتلة.
لقد ارتبطت هذه الظاهرة المشينة بواقع العفن السياسي الذي رسخته حفنة من الانتفاعيين والوصوليين والمفسدين المتحكمين للاسف الشديد في خيوط اللعبة السياسية والذين يحملون معهم تاريخا حالكا وملفا متسخا مليئا بالقيم الفاسدة، ومشروعا لاوطنيا، تدميريا يتوخى من وارثه تحويل الحقل السياسي الى حلبة صراع سياسوي مقيت ومفضوح،فهؤلاء لايؤمنون بتاتا بتحقيق المشروع المجتمعي الحداثي الديمقراطي بقدر يؤمنون بمشروع خدمة المأرب الذاتية والدفاع عن المصالح الشخصية وتعزيزها، والحصول على المزيد من الامتيازات السياسية او ما يسمى بالريع السياسي، لذلك يعملون على صيد الفرص السانحة من اجل الاثراء غير المشروع، لهذا يمكن القول ان ظاهرة الترحال تجسد مشهدا مصغرا للعبثية السياسية التي اصبحت تمثل أحد الملامح البارزة لمغرب العجائب والغرائب، واحد الاورام الملتصقة بواقعنا السياسي.
فما هي اسبابها وانعكاساتها؟
ثانيا : الترحال السياسي نتاج اختيارات سياسية عرجاء من طرف الدولة والاحزاب السياسية.
تعرف ظاهرة التنقل السياسي تناميا وتصاعدا يثير الكثير من القلق وعدم الارتياح حيث تترجم بوادر صراع انتخابي قوي بين مختلف التنظيمات الحزبية، إذ ينطلق السياق محموم فيما بينها . تشكل هذه الظاهرة احد الاختلالات الهيكيلية للمشهد السياسي واحد الفضائح الكبرى التي تمس سمعة المغرب على الصعيد الدولي، والتي اوصلتها الى الحضيض ابطال هذه الظاهرة ديناصورات لايكثرتون بالقوانين ولا بالقيم الاخلاقية همهم الاساسي هو الاغتناء غير المشروع
ينبغي للحكومة الانتباه الى خطورة الوضع السياسي المريض، والذي لم يكن سوى نتاج لتوجهات واختيارات منحرفة نهجتها الدولة المغربية خلال عهد الدم والحديد، والتي افرزت نخبة سياسية فاسدة اهملت المصالح العامة، وتقوقعت حول مصالحها الخاصة، وخلقت مناخا سياسيا ملوثا وخانقا، لايتماشى وتطورات العصر المتسارعة.
لقد افرزت هذه الاختيارات اللاشعبوية واللاديمقراطية واقعا سياسيا عليلا تميز بالملامح التالية:
- نمو فئات اجتماعية طفيلية وانتهازية، سيطرت على الوضعى السياسي، متخذة من العمل السياسي مشروعا تجاريا مربحا، تجني من ورائه ثروة خيالية، وتحقيق ما يسمى ب” الحريك الاجتماعي”
- تفشي ثقافة الوصولية والانتهازية وقيم التهافت والهرولة نحو الكراسي والمقاعد والمراكز؛
- تكريس نزعة السلطوية والهيمنة على الحقل السياسي وسيادة ثقافة اللإقصاء والتهميش لارادة الشعب.
وهكذا يتضح لنا أن ظاهرة التنقل اللسياسي تدخل ضمن فعل الاغتصاب السياسي والعدوان الرمزي على بعض الثوابت الاساسية كاحترام القانون والتحلي بالمسؤولية واحترام ارادة الشعب ورغباته وطموحاته واحلامه، كما تقوم على هدم القيم الخلاقية النبيلة كالصدق والامانة، كما تشكل نموذجا لمفارقة صارخة بين شعارات التحديث السياسي وواقع قاتم تحكمه قيم الانتهازية وايديولوجية الريع السياسي.
لاشك ان هذه الظاهرة هي نتاج تراكمات تاريخية سلبية ومعقدة، ووليدة عوامل متداخلة ومتشابكة نجملها فيما يلي:
- غياب التدبير والنهج الديمقراطي التشاركي داخل التنظيمات الحزبية،
- اعتماد اسلوب الاقصاء الممنهج للمناضلين والنشطاء السياسيين؛
- عدم اختيار المنهجية الديمقراطية في اختيار المرشحين، ولاسيما وكلاء اللوائح الانتخابية، إذ تتسم عملية انتقاء الوكلاء على مقاييس تغيب فيها الموضوعية والديمقراطية؛
- فتح ابواب الاحزاب في وجه الاعيان وذوي النفوذ المالي والاقتصادي إن هذا الانفتاح اللامحدود واللاعقلاني على اصحاب” الشكارة” بما فيهم باطرونات المخدرات ومروجي الخمور والأميين خلف ازمة داخلية حادة.
فهذا الاختيار اللاديمقراطي واللااخلاقي يؤدي الى حدوث هزات قوية وكثيفة وانشقاقات وتصدعات داخل الاحزاب السياسية وسيادة اجواء مشحونة قوامها التوتر والصراع؛
- غياب التأطير والتكوين السياسي: لم تعد الاحزاب السياسية تهتم بمسألة التكوين والتنشئة السياسية، إذ تخلت عن دورها الاستراتيجي المتمثل في التاطير السياسي، حيث تظل الكثير من المقرات الحزبية مغلقة، ولاتفتح إلا مع اقتراب موسم الاستحقاقات الانتخابية؛
ثالثا : ظاهرة الترحال كعائق للتحديث السياسي والديمقراطي
لاشك ان لهذه الظاهرة تداعيات خطيرة على المستقبل السياسي وعلى الديمقراطية ومن ابرزها:
- حدوث نزيف تنظيم متواصل للكثير من الاحزاب نتيجة عمليات الطرد والاستقالات الجماعية والفردية، والتالي اضعافها وهذه الاستقالات تاتي نتيجة:
- اسباب ذاتية تتجلى في عدم التزكية وترتبط ايضا لرغبة في الفوز في الانتخابات
- اسباب موضوعية: ترتبط بازمة الديمقراطية الداخلية التي تعرفها التنظيمات الحزبية تقوية بعض التنظيمات الحزبية التي ظهرت مؤخرا، وعلى رأسها حزب الاصالة والمعاصرة الذي امسى في رمشة عين حزبا كبيرا، يتضمن فريقا برلمانيا من النواب والمستشارين. كما يحتوي على عدد كبير من رؤساء الجماعات القروية والحضرية ” حركوا” نحوه . لقد حولت هؤلاء الرحل او النخاسون الكبار الذين يتشكلون من ذوي النفوذ المالي الاقتصادي الحقل السياسي الى سوق النخاسة تقوم على مبدا
” اعطيني نعطيك” حيث تجسد ظاهرة الترحال في ظل هذا الواقع السياسي العليل والموبوء نوعا من النرجسية السياسية القاتلة والتي ضربت الممارسة الديمقراطية في العمق ، ففي ظل سيادة الممارسات الاستبدادية المتحملة في الانفراد بالقرار وفوقية القرارات والانحرافات عن القوانين الاساسية الحزبية وتهميش وابعاد المخالفين للراي، صارت سوق الترحال نشيطة خلال الفترات التي تسبق عملية اجراء الاستحقاقات الانتخابية. اذ تفتح جل الاحزاب السياسية الابواب في وجه الرحل واستقطابهم خصوصا الناخبين الكبار الذين يتوفرون على قاعدة انتخابية كبيرة، والذين يتكونون من منتخبين في الجماعات المحلية ومن البرلمانيين.
- اتساع دائرة النفور من الاحزاب السياسية، والعزوف السياسي الذي يتجلى في فقدان الثقة في العمل السياسي وعدم المشاركة السياسية سواء بالترشيح او التصويت. حيث أدت هذه الظاهرة الى فقدان الامل، والى الاحباط والياس . إذ لم يعد الهاجس الانتخابي يستقطب اهتمام الشعب المغربي الا في المقرات الحزبية حيث يشتد لهيب المنافسة والصراع والتطاحن من يقود اللوائح الانتخابية.
- تمييع الحياة السياسية وتلويثها نتيجة وصول اشخاص يفقتدون للنزاهة والاستقامة والكفاءة وروح المواطنة الحقة الى المواقع السياسية الحساسة؛
- وضع عوائق وحواجز امام المشهد السياسي وتاهيله وتحديثه؛
- عدم تطوير الثقافة الديمقراطية فكرا وممارسة؛
- اجهاض عملية بناء دولة الحق والقانون. وفتح المجال لتحكم الدولة العميقة