بيان صحفي صادر عن رابطة الاقتصاديين الاستقلاليين بخصوص النموذج التنموي الجديد
البرمجة والتنقيد المستعجل لعدد من التغييرات المقترحة من طرف اللجنة الخاصة بالنموذج التنموي، ضرورية لتحقيق انتعش اقتصادي شامل ومسؤول لا سيما على المستوى الجهوي. في هذا السياق، تقترح رابطة الاقتصاديين الاستقلاليين 5 مجموعات من التدابير ذات الأولوية
في البداية، تهنئ رابطة الاقتصاديين الاستقلاليين اللجنة الخاصة بإعداد النموذج التنموي على طريقتها الشمولية ومنهجيتها التشاركية المعتمدتين في إعداد الصيغة النهائية للتقرير المقدم. يشكل هذا التقرير إطارا مرجعيا لتحقيق “ميثاق وطني” كأداة للتعبئة والالتزام الجماعي لتسريع تنمية بلادنا على مدى السنوات الخمس عشرة القادمة.
إن التوصيات التي اقترحتها اللجنة تتقاطع، في العديد من التوجهات، مع الإطار المرجعي والمساهمات التي قدمها حزب الاستقلال إلى هذه اللجنة. وحرصا من رابطة الاقتصاديين الاستقلاليين على التنفيذ الناجح والفعال للنموذج التنموي لبلدنا، وبالنظر إلى العمق الاقتصادي والاجتماعي للأزمة الحالية، ترى الرابطة أنه من الضروري تحديد أولويات واضحة لإخراج بلادنا من هذه الأزمة في أسرع وقت والاستغلال الأمثل للفرص التي تتيحها إعادة تشكيل سلاسل القيمة ومنظومة الإنتاج العالمي.
وهكذا، وبالإضافة للمشاريع المهيكلة التي أعطى انطلاقتها جلالة الملك حفظه الله، من قبيل تعميم الحماية الاجتماعية، وتوفير المياه والطاقات المتجددة، وإصلاح القطاع العام، وتمويل انطلاقة المقاولات؛ فإنه يتعين إعطاء الأولوية، بشكل خاص، لتنفيذ الإجراءات واتخاذ التدابير اللازمة لحفظ كرامة وتلبية الحاجيات الملحة المواطنات والمواطنين، خاصة الشباب والنساء والطبقات المعوزة والمتوسطة. كما تستهدف هذه التدابير الحفاظ على مناصب الشغل وخلق فرص جديدة، وتقوية النسيج المقاولاتي وتطويره، وكذا إرجاع الثقة لجميع فئات المجتمع وتهييئ الظروف المواتية لوضع بلادنا في مسار التنمية الشاملة والمستدامة.
في هذا السياق، تود رابطة الاقتصاديين الاستقلاليين تسليط الضوء على الأولويات الخمس التالية:
- ضمان شروط نجاح المشروع المجتمعي الملكي المتعلق بتعميم الحماية الاجتماعية
حرصا على ضمان فعالية التغطية الطبية وبلوغ مبتغاها، يستوجب أن يتم توفير الخدمات الصحية الجيدة في كل أنحاء البلاد، وكونها في متناول الجميع، خاصة الأسر الضعيفة والطبقة الوسطى. وبالتالي، يتطلب هذا المشروع التوفر على خريطة صحية شاملة ومفصلة، وإنشاء بطاقة صحية لكل مستفيد، ومراجعة شاملة وعادلة ومتوازنة لأسعار مختلف الخدمات الصحية.
كما تتطلب التغطية الصحية توفير البنيات والتجهيزات الأساسية وخاصة توفير وتأهيل العنصر البشري من أطباء وطواقم التمريض؛ الأمر الذي يتطلب مضاعفة القدرات التكوينية الوطنية من هذه الأطر.
- الإسراع في تعميم وتحسين جودة التعليم الأولي
يشكل تعميم التعليم الأولي الجيد أولى أولويات التعليم. وتنزيله على الشكل الأمثل، لن يتأتى إلا بإشراك ومساهمة الجهة والجماعات المحلية في توفير الموارد و الظروف المناسبة لاستفادة كل الأطفال من هذه الخدمة التربوية، سنتين قبل انخراطهم في أسلاك التعليم الابتدائي.
وقد أظهرت عدة دراسات دولية ودراسة قامت بها المندوبية السامية للتخطيط، أن الأطفال الذين استفادوا من التعليم الأولي يستطيعون استكمال دراساتهم وتعليمهم بمعدل يفوق بأربع سنوات مدة متابعة دراسة نظرائهم الذين لم يستفيدوا من السلك الأولي.
إن الاهتمام وتعميم التعليم الأولي ذي الجودة العالية من شأنه أن يعدّ أجيال ومواطني المستقبل لاكتساب المهارات والقدرات اللازمة وتحقيق الإدماج الاجتماعي والاقتصادي لرفع تحديات التنمية المستدامة من أجل ولوج بلادنا نادي الدول الصاعدة في أفق عام 2035.
- العمل على الاستفادة من الاستثمارات المنجزة في البنيات التحتية، وتحفيز المقاولة، وتسريع وتطوير النسيج الإنتاجي من خلال توجيه جزء من ميزانيات الاستثمار العمومي لصالح الإنتاج المباشر للسلع والخدمات
تعتبر الرابطة أن تحرير الطاقات وخلق العديد من فرص الشغل يتطلب إحداث ثورة تنافسية في النسيج المقاولاتي ببلادنا. وتتطلب هذه القطيعة تحولا وتموقعا تكنولوجيا واضحا للجميع، تنخرط فيه كافة الفعاليات المعنية وتستهدفه كافة السياسات العمومية، وما يترتب عن ذلك من تقوية الاستثمار في برامج البحث العلمي والتكنولوجي ؛ وإعداد النصوص القانونية الضرورية بما فيها مدونات الاستثمار والضرائب لمسايرة التحولات التي فرضتها الأزمة الحالية، مع مراعاة الخصوصيات الجهوية ؛ و تخفيف ورقمنة المساطر ؛ والمواكبة المحلية للمقاولات، على مستوى المراكز الجهوية للاستثمار، وتوفير مناطق مجهزة للأنشطة الاقتصادية وربطها بشبكات النقل والطاقة والاتصال ثم توفير الآليات المناسبة للتمويل. وفي هذا السياق توصي الربطة بتحسين استهداف الاستثمار العمومي وتوجيه نسبة مهمة منه نحو الأنشطة الإنتاجية ذات القيمة المضافة العالية؛ وذألك بتخصيص 20 إلى 25٪ بشكل مباشر أو غير مباشر من إجمالي الاستثمار العمومي لدعم هذه الأنشطة الإنتاجية، أي ما يعادل 40 إلى 50 مليار درهم سنويا، وذلك على مدى الخمس سنوات المقبلة. والهدف هو تطوير القدرات الإنتاجية، وإنشاء وتطوير المقاولات المتوسطة والصغيرة والفردية، وكذا الشركات الناشئة startups، والتي تعد أكبر خزان لفرص الشغل.
ويمكن أن يتخذ هذا التمويل شكل إعانات، أو استثمارات مباشرة أو غير مباشرة في رأس المال، تكملها سندات مضمونة أو قروض بنكية. وهنا لا بد من التأكيد على ضرورة دعم هذه المقاولات الصغيرة والمتوسطة والمنظومات الجهوية للإنتاج، من خلال بعض المؤسسات التمويلية، كصندوق محمد السادس أو المقاولات الكبيرة، وذلك بهدف تحقيق وتطوير أنظمة اقتصادية جهوية فعالة ومبتكرة وتنافسية.
- الحد من التفاوتات الاجتماعية والمجالية وتنمية الطبقات المتوسطة
حسب الدراسات التي أنجزتها المندوبية السامية للتخطيط والتي أبانت عن اندحار كبير للقدرات الشرائية للطبقات المتوسطة وعن تفاقم مهول مسجل في التفاوتات الاجتماعية والمجالية والتي بلغت مستويات جد مرتفعة في السنوات الأخيرة، لا سيما في الوسط القروي ؛ فقد أصبح من المستعجل استعادة وتعزيز القدرات الشرائية للطبقات المتوسطة والمعوزة، والتي تآكلت بشدة بسبب عقد من السياسات الجد ليبرالية التي انتهجتها الحكومة منذ اكثر من 6 سنوات، والتي زادتها الأزمة الحالية تعقيدا ، حيث دفعت أكثر من مليون مواطن إلى مستويات متدنية من الفقر.
وفي هذا الإطار، توصي رابطة الاقتصاديين الاستقلاليين باتخاذ إجراءات استعجالية لتحسين دخل الأسر، وتخفيف العبء الضريبي على المداخيل المنخفضة والمتوسطة، وتسريع تنزيل الورش الملكي المتعلق بتعميم الحماية الاجتماعية، وتقليص التكلفة وتحسين جودة الخدمات العمومية كالصحة والتعليم والنقل والسكن، وتيسير الولوج إلى الخدمات في قطاعات الثقافة والرياضة والترفيه.
تساهم هذه الإجراءات في تحسين الظروف المعيشية للأسر وتعزيز الطلب المحلي، الذي يشكل المحرك الرئيسي للنمو الاقتصادي والسيادة الاقتصادية ببلادنا.
وفي هذا السياق، تدعو الرابطة إلى وضع استراتيجيات متكاملة ومندمجة وتوجيه الجهود وتعبئة الإمكانيات الضرورية لتحقيق الاستدراك التنموي لصالح المجالات الأكثر فقرا، ولا سيما المناطق الحدودية والجبلية والواحات.
- تفعيل حكامة اقتصادية شفافة وناجعة لوضع المغرب في مسارات نمو مرتفع، دائم ومسؤول
بعد وصول جل الاستراتيجيات القطاعية إلى مداها، يتعين العمل على تقييمها بأسرع ما يمكن، ووضع مخططات عمل، وطنية وجهوية، للقطاعات والأنشطة المحركة للنمو الاقتصادي للسنوات القادمة. كما يجب أن تصاحب هذه المخططات برامج تدريبية وتكوينية لتأهيل الموارد البشرية وتقوية المهارات الضرورية لضمان تنمية القطاعات المعنية وخلق فرص جديدة للشغل.
وتقترح رابطة الاقتصاديين الاستقلاليين أن تستفيد ا المقاولات المؤهلة، ولا سيما الوحدات الصغيرة والمتوسطة، القديمة منها والجديدة، من الدعم العمومي (مع تمديد الجدول الزمني للأداءات الجبائية، والاجتماعية، والتمويلية)، وذلك من خلال إبرام عقود تنموية، على المقاس، يسهر على تنفيذها، جهويا، فريق عمل متعدد التخصصات. ويقترح أن تعتمد هذه الفرق الجهوية، في جهودها، على الآلية المقترح إحداثها لدى رئيس الحكومة ويصطلح عليها “المدافع عن المقاولة”. وفي هذا السياق، تقترح الرابطة تسريع تفعيل هذا النظام من أجل تفادي كل التأخيرات والعراقيل المحتملة التي قد تتسبب في حدوث خسائر اقتصادية كبيرة في مسار تنفيذ خطط التنمية المرتبطة بالنموذج التنموي الجديد .
وأخيرا، وبالنظر إلى محدودية الموارد ببلادنا، خاصة خلال السنوات المقبلة، فلن يعد من حقنا إضاعة الوقت، أو تشتيت الموارد، أو عدم الاستغلال الأمثل للفرص المتاحة. لذلك، أصبح من الضروري اتخاذ خيارات شجاعة وتحديد الأولويات الضرورية، القطاعية منها والمجالية. إن تحديد هذه الأولويات والإعلان عنها وبرمجتها المندمجة، بدءً بقانون مالية سنة 2022، لمن شأنه أن يعطي رؤيي أكثر وضوحا، ومزيدا من الثقة لدى كافة القوى الحية من مقاولات ومستثمرين وعموم المواطنات والمواطنين.