ماض فينا حكمك عدل فينا قضاؤك-الزلزال نموذجا-
بقلم : د عثمان كضوار (باحث في الفكر الإسلامي ومقاصد الشريعة)
يعتبر الإيمان بالقضاء والقدر من مستلزمات المكلف الذي يعلم حق اليقين أن ما أصابه لم يكن ليخطئه ، وما أخطأه لم يكن ليصيبه، كما ورد في حديث جاء مرفوعا إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم برواية أحمد وابن ماجة وغيرهم، ولفظ أبي داود موقوفا على عبادة بن الصامت :- يا بني: إنك لن تجد طعم حقيقة الإيمان حتى تعلم أن ما أصابك لم يكن ليخطئك، وما أخطأك لم يكن ليصيبك: الحديث.
و واقع الحال أن هذه الحقيقة تغيب من الناحية الاعتقادية والعملية عند حدوث النوائب والشدائد والمصائب عند فئة عريضة من الناس، ولعل حدث الزلزال أبرز مثال على ذلك، وهو حدث قاس درجة الإيمان عند البعض بقدر قياس مدى إدراكهم لمفهوم القضاء والقدر. لن أخوض في الحديث عن الخلافات الكلامية القديمة التي تجاوزت الخطوط الحمراء في تحديد المفهومين،باستثناء ما أورده أهل السنة والجماعة، لكن مقالي هذا إنما هو تنبيه لبعض الغافلين من منطلق ما عاينته جراء ما أصابنا لحظة وقوع النكبة -الهزة الأرضية-
ففي الحديث الذي أخرجه أحمد، وحسنه الحافظ ابن حجر في تخريج الأذكار، وصححه الألباني- اللهم إني عبدك، ابن عبدك، ابن أمتك، ناصيتي بيدك، ماض في حكمك، عدل في قضاؤك – الحديث.
فقوله عليه الصلاة والسلام- ماض في حكمك- دل على أن حكم الله تعالى سابق أزلا ينطوي ضمن الحكم الشرعي الذي يترتب على مخالفته والاعتراض عليه العقاب، وأما قوله – عدل في قضاؤك- فمعناه ما قضاه ونفذه سبحانه في العبد من صحة ومرض وفقر وغنى وكل ما يصيب العبد من شدائد فهو عدل، وهو ما يعبر عنه بالحكم الكوني القدري، ودفعا للبس الذي يصيب البعض تجاه هذا الأمر، فإن المصيبة التي تصيب العبد يختلف معناها بحسب مقصدها، فقد تكون عقابا للعصاة والمتمردين وابتلاء ومغفرة للمؤمنين، وتذكيرا وتنبيها للغافلين، وذلك عمق دلالة العدل، فكل ما ينزل بالمرء أحبه أم كرهه هو في كنهه كل الخير، انطلاقا من قوله عليه الصلاة والسلام في الحديث الذي أخرجه مسلم في صحيحه- عجبا لأمر المؤمنِ. إن أمره كله خير. وليس ذاك لأحد إلا للمؤمن. إن أصابته سراء شكر فكان خيرا له. وإن أصابته ضراء صبر. فكان خيرا له- الحديث.
وبالتالي لايمكن أن يجتمع في المؤمن الصادق الضجر والغضب وهي من الصفات التي لا تعكس حقيقة شعوره تجاه خالقه الذي خلقه فسواه فعدله ابتداء، كيف يبتليه بما يعتقده مخالفا للعدل؟، فالمقصد أدركه جراء الحدث أم لم يدركه لزمه الخضوع لأمره، فرب ضارة نافعة، لذلك دعانا الشارع سبحانه إلى الصبر الجميل تارة و الدعاء تارة والاستغفار تارة أخرى، ليكون ذلك دفعا لما يصيب الإنسان من قدر الله إلى قدرالله.