مجرد رأي

همسة ربيع الأول… العلماء بين الاقصاء والمشاركة

بقلم : محمد كندولة
فتح الباب للتدوال في شأن مدونة الأسرة، وهو أمر مطلوب ومحمود، خاصة وأن القضية متصلة بمدى صالحية الشريعة الإسلامية في الإجابة عن الجديد في حياة الناس، وهي كذلك تمرين للعلماء للتفاعل مع مستجدات العصر الحالي، إذ الشريعة الإسلامية، خاتمة الشرائع، عامة لكل الناس، شاملة لجميع الأزمان، غير موقوفة على طبقة معينة، ولا مناسبة لزمن دون زمن، فهي طريق التطور، وسبيل الترقي والازدهار ولم تكن أبدا قيدا في رجل من يريد النهوض من أبناء هذه الأمة.
لكن اليوم أصبح الناس في واد، والشريعة في واد آخر، وذلك بسبب جمود علماءنا، وبعدم مسايرتهم للزمن الجديد، مقلدين تقليد العميان، لكل ما سبق الإفتاء به، ظانين أنه شرع دائم لا يتغير ما دامت السموات والأرض، مما جعل الناس يتحللون منها،ليلتجؤوا إلى القوانين الوضعية مرة، وإلى التحايل مرة أخرى،فاغلق باب التطور، ومنع الناس من تحصيل مصالحهم، فتاخرت معاملاتهم ،في حين تقدم غيرهم، وتحكم فيهم، طاعننين في شريعتهم، برميها بالجمود، ووسمها بالتأخر وعدم مسايرة الزمن.
وزاد من سطوة الأعداء عدم الرد عليهم، وعدم اجتماع اهل الخير والمصالح، كما اجتمع اهل الأهواء والمفاسد، في الوقت الذي تسارع فيه العلماء إلى تلبية رغبة الظلمة، والمستهترين ، لتحقيق رغبتهم بفقه الفقيه المقلد، أو تحت ستار الحيل.
وهي مفاسد كبرى، لا يمكن دفعها إلا ببيان المصلحة التي يصح العمل بها ،مع ضبطها بالضوابط الواضحة، وهذا لا يكفي إلا بتتبع ومراقبة التطبيق العملي للاجتهادات الفقهية المتوصل إليها في هذه النازلة أو تلك ، أو في هذه القضية أو الأخرى، رادين على كل من يحاول الخروج عن دائرة المتفق عليه في الفقه الصحيح، مبينين أخطاء المستهزئين الحاقدين.
إن العمل بالمصلحة متفق عليه عند سائر العلماء، كما عمل بها الائمة الكبار ، والسلف الصالح من الصحابة والتابعين و من تبعهم بإحسان إلى يوم الدين ، بل قيدوا بها نصوصا، وخصصوا بها أخرى، وتركوا ظواهر نصوص،مقلدين فيها، أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، سالكين سبله الهادية .
ثم إن الذين أخذوا بمبدأ سد الذريعة، ما كان إلا لخوفهم من الفساد والافساد ، والضرب على أيدي من ولج باب الاجتهاد بغير مؤهل علمي، هدفهم من ذلك حفظ الشريعة والابقاء على وحدة الأمة الإسلامية حرة ومنصورة.
وحتى لا يقصي العالم نفسه، ويبقى متفرجا على هذا التدوال التشريعي، عليه أن يسير على خطى الصحابة، والتابعين وتابعيهم، بالعمل بمبدإ المصلحة، وسد الذريعة، باعتبارهما اصلين من أصول الشريعة، وذلك بالوقوف على ما أجمع عليه السابقون على فتحه أو سده، وذلك بما يفضى إليه، إما لمصلحة راجحة، أو مفسدة واقعة ظنا أو قطعا، وما أجمعوا عليه كذلك بخصوص الذرائع والوسائل، فكل وسيلة أفضت إلى مصلحة أخذ بها، والتي أفضت إلى مفسدة اغلقوا بابها، وحتى ما يتردد فيه انه مفض إليها.
إن العالم المجتهد، لا ينبغي له الوقوف متفرجا، بل عليه أن يخوض وبكل جرأة علمية، وهمة عالية، في إيجاد حلول لقضايا الأمة، فالعلماء هم ورثة الأنبياء وتلامذة الصحابة الكرام، فأنا وجدوا المصلحة، شرعوا لها بالكتاب و السنة، مع الحذر من تشوف أهل الجور والطغيان الراغبين في تحصيل رغباتهم في الأموال والابدان، بإسم الشريعة.
لقد اجتهد العلماء قديما في استجلاب كل مصلحة راجحة، لا يترتب العمل بها على مفسدة كبرى، وتركوا كل مصلحة مرجوحة تفضي إلى مفسدة تفوقها في الآجل أو العاجل.
فهذا بيان لمن شاء من العلماء أن يتقدم أو يتأخر.

الأربعاء 04 شتنبر 2023 موافق 18 ربيع الأول 1445

Abdeslam Hakkar

عبد السلام حكار مدير الموقع وصحفي منذ 1998 عضو مؤسس بالتنسيقية الوطنية للصحافة والإعلام الإلكتروني

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى