هل لجأ نتنياهو إلى خطة “هانيبال” للخلاص من الأسرى؟
القاهرة – محمد خيال
موقع: عروبة 24
رغم مناشدات أهالي الأسرى الإسرائيليين لدى فصائل المقاومة وضغوطهم المستمرة للإفراج عن ذويهم، ظلّ رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو يماطل لتعطيل إبرام صفقة تبادل أسرى حتى ولو جزئية، حتى رضخ لضغوط الولايات المتحدة من جهة، ولأُسر المخطوفين من جهة أخرى، معلنًا قبول حكومته ما وصفه بأنه “قرار صعب لكنه صحيح”.
هل لجأ نتنياهو إلى خطة
نتنياهو قال خلال كلمة في مستهل اجتماع الحكومة الإسرائيلية مساء الثلاثاء 21 نوفمبر/تشرين الثاني إنّ “استعادة الرهائن مهمّة مقدسة وأنا ملتزم بذلك”، مضيفًا: “الحرب مراحل واستعادة الأسرى ستكون على مراحل ولكن لن نستكين إلا بتحقق النصر الكامل”.
ومع مماطلة نتنياهو كل تلك الفترة التي خسرت فيها إسرائيل 67 من أسراها لدى فصائل المقاومة الفلسطينية نتيجة للقصف المستمر الذي يتعرّض له قطاع غزّة، ورفضه لكلّ العروض التي طرحها الوسطاء، تجدّد الحديث في الأوساط الإسرائيلية عن توجيه “هانيبال”، وما إذا كان قد صدر قرار بتفعيله سرًا في الأيام الأولى من الحرب.
جندي قتيل أفضل من جندي أسير
وبروتوكول “هانيبال” هو الاسم الكودي لتوجيه عسكري يطبّقه جيش الاحتلال، ويتعلّق برد فعل الوحدات الميدانية عندما يتم أسر جندي إسرائيلي، إذ يسمح هذا التوجيه باستخدام الأسلحة الثقيلة لمنع الآسرين من مغادرة موقع الحادث.
وتتلخّص فلسفة البروتوكول (الذي يضمّ نصوصًا صُنّفت باعتبارها سرّية، وحظرت الرقابة العسكرية الإسرائيلية مناقشتها في الصحافة) في مصطلح “جندي قتيل أفضل من جندي أسير”.
تلك الفلسفة يمكن قراءتها بوضوح في الاسم المختار للتوجيه العسكري، وهو “هانيبال” المنسوب إلى القائد العسكري القرطاجي هانيبال بن هاميلكار، الذي فضّل قتل نفسه بالسمّ على أن يسقط أسيرًا في قبضة الرومان.
ووُضع توجيه “هانيبال” للحد من عمليات اختطاف الجنود والتي تجبر الحكومات الإسرائيلية على تقديم تنازلات كبيرة وغير متوازنة، ففي عام 1985 اضطرت إسرائيل لعقد اتفاق “جبريل” مع الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين – القيادة العامة – والذي تمّ بموجبه إطلاق سراح 1150 سجينًا فلسطينيًا مقابل 3 جنود إسرائيليين، وهو ما كان سببًا مباشرًا لصياغة هذا التوجيه بعدها بعام واحد فقط.
وفي عام 2011، اضطرت إسرائيل إلى إبرام صفقة “وفاء الأحرار” مع حركة حماس، والتي تمّ بموجبها الإفراج عن 1000 أسير فلسطيني مقابل الجندي الإسرائيلي جلعاد شاليط، وتحدث رئيس حكومة الاحتلال وقتها بنيامين نتنياهو عن اضطراره لـ”صفقة غير متوازنة”.
وجاء الاستخدام الأبرز لتوجيه “هانيبال” خلال حرب 2014، عندما وقع 3 ضباط إسرائيليين في كمين لحركة حماس، بمدينة رفح، وأسفر الحادث عن مقتل 2 منهم، واختطاف الضابط هدار جولدين.
وعندما تيقّن جيش الاحتلال من فقدان جولدين، ردّدوا عبر أجهزة الاتصال اللاسلكي، كلمة “هانيبال”، لتقتحم بعدها الدبابات الأحياء المأهولة في رفح وتهدم المنازل وتقصفها، بما في ذلك جميع المركبات التي كانت تغادر المنطقة.
وذكرت تقارير فلسطينية، آنذاك، أنّ عدد القتلى جراء القصف بلغ 150 شخصًا، وفي اليوم التالي مباشرةً، أعلن الجيش الإسرائيلي مقتل جولدين خلال الهجوم.
“هانيبال”.. و”طوفان الأقصى”
ثمّة مؤشرات تناقلتها وسائل إعلام عبرية بعد ساعات من عبور السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي، تلمح إلى أنّ جيش الاحتلال مُنح “ضوء أخضر” لتفعيل توجيه “هانيبال” في مستوطنات غلاف غزّة ضد مقاتلي حماس الذين كانوا يتحصّنون في بعض المنازل والوحدات العسكرية التي هاجموها، وبرفقتهم مستوطنون وجنود إسرائيليون، لمنع هؤلاء المقاتلين من اقتياد إسرائيليين إلى قطاع غزّة كأسرى.
أبرز تلك المؤشرات، هو التباين في أعداد القتلى الإسرائيليين، فبعدما أعلنت تل أبيب أنّ العدد بلغ 1400 قتيل عادت السلطات الإسرائيلية لتعلن أنّ عدد القتلى الدقيق هو 1200، ولم يحسم هذا العدد فيما بعد. هذا التباين فسّره مارك ريغيف كبير مستشاري نتنياهو، بأنه “كانت هناك جثامين متفحّمة بشكل كامل في مواقع الهجوم تبيّن لاحقًا أنها كانت لمقاتلي حماس”، وهو ما يشير بوضوح لقصف سلاح الجو الإسرائيلي دون تمييز للمواقع التي كان يتواجد بها مقاتلو الحركة رفقة محتجزين معهم من سكان المستوطنات أو الجنود في المواقع العسكرية التي هاجموها.
وفي الثاني عشر من أكتوبر/تشرين الأول الماضي نشر موقع “تايمز أوف إسرائيل” تصريحات للجنرال إيتاي فيروف قائد فيلق العمق في جيش الاحتلال، مصحوبة بصورة له وهو يقف على أنقاض منزل مدمّر بالكامل بكيبوتس بئيري، قائلًا: “عثرت إسرائيل على جثث 103 من مسلحي حماس في الكيبوتس حتى الآن، ولكن ما زال هناك المزيد تحت الأنقاض”، في إشارة إلى المباني المدمّرة فوقهم، لافتًا إلى أنّ عدد القتلى من المستوطنين بالكيبوتس بلغ نحو 110 من أصل 1200 يسكنون تلك المستوطنة.
صور المباني المدمّرة بالكامل في الكيبوتس والتي تداولتها وسائل إعلام إسرائيلية تشير بشكل واضح لطبيعة الهجوم المضاد لجيش الاحتلال.
وفي الرابع عشر من نوفمبر الجاري نشر موقع “i24” الإسرائيلي، تحت عنوان “الجيش الإسرائيلي يكشف المزيد من أسلحة حماس خلال هجوم 7 أكتوبر”، مرفق بمقطع فيديو يظهر خلاله مراسل يستعرض مجموعة من الأسلحة والمعدات العسكرية، قال الجيش الإسرائيلي إنه “استحوذ عليها من مسلحي حماس”، دُعيت وسائل الإعلام إلى معرض داخل إحدى القواعد العسكرية، ويظهر خلاله 4 سيارات “بيك آب” ماركة تويوتا، إحداها مدمّرة بشكل كامل جرّاء ما يبدو أنه قصف جوي، بينما بدت أخرى أقل تدميرًا، وهو ما يشير بشكل واضح إلى مشاركة سلاح الجو في مواجهات يتداخل فيها مقاتلو المقاومة مع المستوطنين والجنود الإسرائيليين.
تكرار المشهد في أكثر من موقع، يشير بوضوح إلى أنّ عمليات القصف التي طالت إسرائيليين في ذلك اليوم لم تكن عن طريق الخطأ كما ألمحت تقارير إسرائيلية، ولكنه ربما يحمل دليلًا دامغًا على تفعيل التوجيه “هنيبال”، خاصة بعدما كشفت صحيفة “هآرتس” العبرية في الثامن عشر من نوفمبر الجاري أنّ “تحقيقًا أوليًا للشرطة أفاد أنّ طائرة حربية إسرائيلية قصفت يوم 7 أكتوبر محتفلين قرب ريعيم بغلاف غزّة”، وتتطابق تلك الرواية مع الصور المتداولة من موقع الحفل الذي قُتل فيه 346 شخصًا، والتي ظهر فيها عدد هائل من سيارات الإسرائيليين مدمّرة بالكامل وبداخلها جثامين متفحّمة.
ماذا عن أسرى إسرائيل في غزّة؟
في هذا الإطار، يقول قيادي في حركة حماس تحدث لـ”عروبة 22″ مفضّلًا عدم ذكر اسمه، إنّ كافة المؤشرات تقود إلى أنّ “نتنياهو كان يفضّل التهرّب من إبرام صفقة تبادل الأسرى مع المقاومة”، لافتًا إلى أن “ذلك يعني إعلان فشله رسميًا في تحقيق الهدف الأساسي من هجومه البرّي، والمتمثّل في استرداد كامل الأسرى، قبل القضاء على حماس”.
وينتقل القيادي نفسه إلى ما يصفه بـ”ملاحظة هامة” وصل إليها المختصّون بالرصد في “كتائب القسام”، فيقول: “لاحظنا أنه بعد كل إعلان من جانب الكتائب عن مقتل أسرى لديهم في قصف لطيران الاحتلال، كان الجيش الإسرائيلي يكثّف قصفه للمواقع التي قصفها في التوقيت المعلن خلاله قتل أسراه، والمناطق القريبة منه، وكأنه يريد الإجهاز على باقي الأسرى، في الوقت الذي تبذل فيه كتائب القسام أقصى جهد لتأمين هؤلاء”.
وإذ يعرب عن اعتقاده بأنّ “نتنياهو ربما يرغب في عدم تحمّل الكلفة السياسية المتعلّقة باسترداد وتحرير الأسرى”، يجيب ردًا على سؤال حول ما إذا كان لدى الحركة معلومات بشأن تفاصيل المواجهات التي جرت في بعض المستوطنات يوم السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي: “هناك بالفعل مجاهدون من “القسّام” تم استهدافهم من جانب طيران إسرائيلي خلال تواجدهم في بنايات تمركزوا داخلها في ذلك اليوم”.
لا يريد تكرار الخطأ
ولا شكّ في أنّ هناك سببًا آخر يجول في ذهن نتنياهو، متمثّلًا في التداعيات التي خلّفتها صفقة شاليط عام 2011 والتي جرى خلالها إطلاق سراح قيادات من “حماس” جدّد بعضهم دماء الحركة، وكان من بينهم يحيى السنوار زعيم “حماس” في قطاع غزّة والذي تُحمّله إسرائيل مسؤولية التخطيط لـ”طوفان الأقصى”، وحسام بدران عضو المكب السياسي، وروحي مشتهى مسؤول الملف المالي للحركة والذي تصفه إسرائيل بأنه رئيس وزراء “حماس” في القطاع، وموسى دودين عضو المكتب السياسي، وتوفيق أبو نعيم قائد قوات الأمن التابع لوزارة الداخلية بالقطاع.
ويبدو أنّ هواجس صفقة “وفاء الأحرار” لا تزال تسيطر على حكومة الاحتلال وأجهزتها، خاصة وإن كانت قائمة الأسرى الذين ترغب المقاومة في تبييض السجون منهم عبر الصفقة الأكبر التي تشمل جنود جيش الاحتلال لدى المقاومة، هم عبد الله البرغوثي قائد “كتائب القسّام” في الضفة الغربية المعروف بـ”أمير الظل” والذي يقضي مجموع أحكام تبلغ 5200 عام، وتشمل القائمة أيضًا 50 من أصحاب المحكوميات العالية غالبيتهم من المحسوبين على “القسّام” وتصفهم حكومة الاحتلال بـ”الملطخة أيديهم بالدماء”، فضلًا عن رموز وقيادات من فصائل أخرى.
لا يعني إتمام صفقة جزئية لتبادل عدد محدود من الأسرى، أنّ رئيس حكومة الاحتلال ووزراءه المتطرّفين يرغبون في إتمام صفقة كبرى بالشروط التي وضعتها “حماس”، إذ سيمثّل ذلك انتصارًا للمقاومة وهزيمة لإسرائيل التي لم تحقّق أيًا من أهدافها، لذا فليس من المستبعد أن يمضي نتنياهو في مخطّطه… فالرجل يخشى على مستقبله السياسي أكثر من خشيته على حياة الإسرائيليين الرهائن.
خاص “عروبة 22”