تقديم كتاب :”هكذا ظهر جيل صلاح الدين وهكذا عادت القدس”
بقلم الاستاذ : عبد الرحيم مفكير
تقديم :
من أهم الكتب الفكرية التي أنتجها الدكتور زياد عرسان الكيلاني، كتاب “هكذا ظهر جيل صلاح الدين وهكذا عادت القدس” قام فيه المؤلف بإعادة قراءة التاريخ وإيجاد النقاط المهمة للنهضة في الأمة والتغيير للأفضل. يقع الكتاب في 320 صفحة اعتمادنا في التعريف به الطبعة الرابعة الصادرة سنة 2005م. تصدر هذه الطبعة كما جاء في المقدمة، ” في وقت تشن فيه الغارة على العالم الإسلامي من جديد، ويُقام للمسلمين المسالخ البشرية التي تسفك فيها الدماء، وتهتك الحرمات، وتدنس المقدسات وسرقة السلطة” .ص 13، وكأن التاريخ يعيد نفسه، حيث نعرف بالكتاب في زمن الطغيان الصهيوأمريكي على غزة والشعب الفلسطيني أمام الصمت الرهيب للمنتظم الدولي، والتواطئ المفضوح، والعجز العربي.
” وانطلاقاً من الثقة المطلقة بوعد الله وسننه التي يزخر بها تاريخ الأمة الإسلامية وعمل هذه السن في الانتصارات والهزائم التي مر بها المسلمون، أتقدم بهذه الطبعة من الكتاب لمختلف الفئات من الجماعات والقيادات” . ص 14
أهداه صاحبه إلى الذين يتطلعون إلى الصحوة الإسلامية الصحيحة ويقلبون وجوههم في السماء، متضرعين إلى الله لرؤيتها. ويتصدره بيت شعري للشاعر المصري محمد التهامي
القدس في دينه ++++++ يكون كمن هان حتى كف
نبذة عن الكاتب:
ماجد عرسان الكيلاني، من الأسرة الكيلانية “فرع الربابعة الأردن” التي ترجع بنسبها للسيد الشيخ عبد القادر الجيلاني” الحسني ، ولد في الأردن عام 1351 هـ / 1932م، حاصل على شهادة ماجستير في التاريخ الإسلامي من الجامعة الأمريكية في بيروت، وشهادة ماجستير في التربية من الجامعة الأردنية، وشهادة دكتوراه في التربية من جامعة بتسبرغ في بنسلفانيا في الولايات المتحدة الأمريكية.
من أهم مؤلفاته: هكذا ظهر جيل صلاح الدين وهكذا عادت القدس، الفكر التربوي عند ابن تيمية “رسالة الدكتوراه”، أهداف التربية الإسلامية ، مقومات الشخصية المسلمة، .الأمة المسلمة، .فلسفة التربية الإسلامية .رسالة المسجد .حياة الإنسان في العالم العربي .التربية والمستقبل في المجتمعات الإسلامية .الخطر الصهيوني على العالم الإسلامي .أهداف التربية الإسلامية .تقييم كتاب جغرافية الباز الآشهب .صناعة القرار الأمريكي .أصول العقل الأمريكي وتطبيقاته الاقتصادية والسياسية والعسكرية .الدور اليهودي في التربية المعاصرة. تطور مفهوم النظرية التربوية الإسلامية.
ميزة الكتاب :
تعدُّ الميزة الرئيسة للكتاب أنه تناول موضوع نشأة جيل التحرير وتربيته، ولم يتناول سيرة وأعمال القائد الفذّ صلاح الدين بشكل معزول عن محيطه الحضاري والاجتماعي، وهذا يؤكد على مبدأ الإصلاح الجماعي ودور الأمة والمجتمع متمثلة بنخب العلماء والقادة الذين يصنعون الوعي ويصقلون توجهات الأمة نحو السمو والرقي. يقول في المقدمة: إن هذا الكتاب دعوة إلى إعادة قراءة تاريخنا واستلهام نماذجه الناجحة، ودعوة إلى فقه سنن التغيير وكيف ان ظاهرة صلاح الدين ليست ظاهرة بطولة فردية خارقة ولكنها خاتمة ونهاية ونتيجة مقدرة لعوامل التجديد ولجهود الامة المجتهدة، وهي ثمرة مائة عام من محاولات التجديد والإصلاح. وبذلك فهي نموذج قابل للتكرار في كل العصور. ص 11.
هذا الكتاب هو فاتحة سلسلة جديده عن حركات الإصلاح في تاريخ الامة الإسلامية. وهو يتعرض أولا للتكوين الفكري للمجتمع الإسلامي قبل الحروب الصليبية، واثار اضطراب الحياة الفكرية على الحياة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية في ذلك الوقت، ثم يتحدث عن مراحل الإصلاح فيبدا بالمحاولات السياسية للإصلاح ويخص منها دور الوزير في نظام الملك ثم مشروعات التجديد والإصلاح الفكرية والتربوية، ويستعرض منها ادوار عدد غير قليل من الائمة المصلحين كالإمام أبو حامد الغزالي، وعبد القادر الكيلاني وعدي بن مسافر، ورسلان الجعبري وعثمان بن مرزوق القرشي، ويبين الاثار العامة لهذه المحاولات والمشروعات الإصلاحية، ويحلل هذه الاثار ويقومها، ويخرج في النهاية بقوانين وسنن تاريخية مع بيان تطبيقاتها المعاصرة في الأمة.
سياق الكتاب
وحين تناقش وقائع هذا الهجوم الكبير في أروقة الأمم المتحدة وغيرها من المنظمات العالمية، ومحافل السياسة الدولية يقلب باطل المعتدين حقاً، وحق المعتدى عليهم باطلاً، وتصدر قرارات هذه الهيئات آيات بينات للإعجاز المتضمن في قوله تعالى : كَيْفَ وَإِن يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ لَا يَرْقُبُوا فِيكُمْ إِلَّا وَلَا ذِمَّةً يُرْضونَكُم بِأَفْوَاهِهِمْ وَتَأْبَى قُلُوبُهُمْ وَأَكْثَرُهُمْ فَسِقُونَ ﴾ [التوبة : ٨].
ويتلفت المسلمون من حولهم فلا يجدون نصيراً إلا أن يتمثلوا قوله تعالى : وَمَا لَكُم مِّن دُونِ اللَّهِ مِن وَلِي وَلَا نَصِير ﴾ [البقرة : ١٠٧].
ومما يزيد في شدة المحنة أن الهجوم المشار إليه يخفي أهدافه الحقيقية بعدد من الذرائع والتبريرات التي اخترعتها مراكز صنع الرأي» و«صنع القرار» الغربية والصهيونية في عقدي السبعينات والثمانينات من القرن العشرين، ثم سلّم بها العقل المسلم باعتبارها أسبابا حقيقية أفرزتها حماقة المتطرفين المسلمين ونفذتها أيديهم الخاطئة !! وترتب على هذه السذاجة العربية – الإسلامية أن صار ساسة المسلمين ومفكروهم وعلماؤهم وكتاب الزوايا والصفحات السياسية في صحافتهم والمعلقون والمنتدون في إعلامهم، يقسمون في اليوم عشرات المرات أن الإسلام بريء مما اقترفه المتطرفون الإرهابيون»، وأنهم على استعداد لاستضافة مؤتمرات حوار الحضارات ويرجون العقل الغربي أن يتخلى عن القول بصراع الحضارات ص 13 وأن المسلمين مستعدون للتعاون للقضاء على الإرهاب» وإغلاق كل الجمعيات الخيرية الإسلامية التي يشتبه بتمويلها للإرهاب، غافلين عن الأسباب الحقيقية التي تتلخص على تقويض الجدار الإسلامي – ماديا وفكريا – لأنه يشكل ملاذ المسلمين الباقى أمام المشروع الصهيوني – الاستعماري في مرحلته الحالية بعد أن استهلكوا في العمل طاقاتهم في المشروعات القومية والاشتراكية والوطنية . في هذا البلاء العظيم لم يبق أمام – المسلمين – إلا التوجه إلى الله وحده النصر واسته في قوة المجتمعات وضعفها، وفي انتصارها وهزيمتها فيهتدوا إلى الصواب» الإعداد والتخطيط والإدارة واستثمار الطاقات ومواجهة التحديات، مطمئنين إلى وعده تعالى عند أمثال قوله “وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ وَعِنا دَ اللَّهِ مَكْرُهُمْ وَإِن كَانَ مَكْرُهُمْ لِنَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ . وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ، رُسُلَهُ إِن اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ ) [إبراهيم : ٤٦ – ٤٧] ص 13/14
…… حين تناقش التحديات والأخطار التي تواجه المسلمين اليوم، كثيراً ما يستشهد الباحثون والدعاة والمفكرون بانتصارات صلاح الدين ليدللوا على أهمية الروح الإسلامية في مواجهة هذه التحديات والأخطار. والأسلوب الذي يتم به هذا الاستشهاد يبدأ باستعراض الحملات الصليبية والمجازر والأهوال التي رافقت هذه الحملات، ثم يقفز عدة نصف قرن من الزمان، ليتحدث عن حركة الجهاد العسكري التي قادها آل زنكي، ثم صلاح الدين والتي انتهت بتحرير البلاد وتطهير المقدسات. وهذا أسلوب يقود إلى الاستنتاج التالي: أن ما تحتاجه الأمة في معاركها – مع التخلف من داخل والقوى الطامعة. من خارج – هو قائد مسلم يستلهم روح الجهاد ويعبئ الصفوف ويعلن المعركة .ص25
محتويات للكتاب:
جاء الكتاب في مقدمة وستة أبواب توزعت في أبواب الخمسة الأولى على عشرين فصلاً في حين جاء ترتيب الباب السادس بصورة مغايرة. حيث تناول الباحث رحمه الله تعالى في مقدمته خطأ تناول بعض الباحثين موضوع الحملات الصليبية بتركيزهم على مبدأ القائد الملهم الفذّ، بعيداً عن تناول الأمراض التي نخرت جسم الأمة، مما يؤدي لشيوع فكرة التواكل على القيادات وحدها.ثم وضع المؤلف أربعة أسئلة للبحث، وتحدث عن فلسفة التاريخ ، ثم بين القوانين الثلاثة للتغيير التي أشار إليها القرآن الكريم، بعد المقدمة أخذ المؤلف رحمه الله تعالى بتناول الموضوع في أبواب متعددة وقسم كل باب لمجموعة من الفصول. الباب الأول: التكوين الفكري للمجتمع الإسلامي قبيل الهجمات الصليبية، حيث قسمه لأربعة فصول تناول في كل فصل مظهراً من مظاهر الضعف، الباب الثاني: آثار اضطراب الحياة الفكرية في المجتمعات الإسلامية:الباب الثالث، المرحلة الأولى لحركة التجديد والإصلاح، الباب الرابع: انتشار حركة الإصلاح والتجديد والمدارس التي مثلتها، الباب الخامس: الآثار العامة لحركة الإصلاح والتجديد، الباب السادس: قوانين تاريخية وتطبيقات معاصرة:صاغ المؤلف رحمه الله تعالى في هذا الباب تسعة قوانين وأدرج تحتها تطبيقاتها المعاصرة.
خلاصة: لقد ركز الكيلاني المصنف رحمه الله تعالى على فلسفة التاريخ بعيداً عن السرد التاريخي وصناعة النجوم الفردية على حساب الحالة الجمعية للأمة. وهذا موجود في الفصل التمهيدي للكتاب 13-21.، وعلى إنتاج جيل التحرير وليس قائد التحرير، وبيان أن القائد جزء من منظومة متكاملة.ص 18-19، كما بين وكشف منهج مهم في مدرسة الإمام الغزالي وهو: الاعتماد على منهج النقد الذاتي بعيداً عن منهج التبرير.ص 96 وقام بصياغة القوانين التسع في الباب السادس، حيث أكدت على أن دراسة التاريخ ليست للسرد والمتعة بل للاستفادة منه. ص 289-338، ومن مميزاته الإيجابية والبعد عن السلبية والانهزامية، وضرورة الاعتماد على النقد الذاتي في جميع دوائر حياتنا الشخصية والعامة.والبعد عن التربية التبريرية ومواجهة الأخطاء والحقائق واستلهام التاريخ والاستفادة من دروسه لبناء الحاضر والمستقبل. ومسؤولية النهوض بالأمة من كبوتها مسؤولية جماعية على كل شخص تحمل مسؤوليته فيه. والأثر العظيم للعلم في نهوض الأمة ؛ مما يرتب علينا المزيد من البذل والاجتهاد. والتركيز في قراءاتنا وكتاباتنا التاريخية على فهمها من خلال فلسفة التاريخ، وعدم الاكتفاء بالوصف والسرد والتغني