طوفان الأقصى تحوّل تاريخي وإسرائيل خسرت الوسط الأكاديمي.
حميد دباشي: طوفان الأقصى تحوّل تاريخي وإسرائيل خسرت الوسط الأكاديمي.
“الأكاديمي الإيراني الأميركي حميد دباشي له كتب عديدة بينها “ما بعد الاستشراق: المعرفة والسلطة زمن الإرهاب”.
عبد الحكيم أحمين
موقع: الجزيرة
يعرفه القراء كناقد ثقافي مرموق ومؤلف حاصل على جوائز عدة، لكنه أيضا مفكر صاحب نظر سياسي وعالم اجتماع خبير بقضايا منطقة الشرق الأوسط، وكاتب مختص بالتاريخ الأخلاقي والسياسي والفكري للمسلمين.
ويحلل الأكاديمي والكاتب الإيراني الأميركي حميد دباشي في أعماله موضوعات ثقافية عديدة بما فيها تاريخ إيران المعاصر معتبرا أن بلاده في جدل مستمر بين رؤيتين متناقضتين للحداثة، إحداهما استعمارية والأخرى مناهضة للاستعمار، وينظر دباشي لصعود التيارات الإسلامية كأحد أشكال “لاهوت التحرير” مؤكدا رفضه لسردية حتمية التناقض بين مفهومي الإسلام والغرب، إذ قام بتفكيك العديد من مفاهيم المستشرقين والإسلاميين على حد سواء.
ولد دباشي ونشأ بمدينة الأهواز في إيران، وتلقى تعليمه هناك قبل أن يسافر إلى الولايات المتحدة، وحصل على الدكتوراه في علم اجتماع الثقافة والدراسات الإسلامية من جامعة بنسلفانيا عام 1984.
وعمل أستاذ كرسي هاكوب كفوركيان للدراسات الإيرانية والأدب المقارن بجامعة كولومبيا في مدينة نيويورك، وترجمت كتبه ومقالاته إلى لغات عديدة بينها الألمانية والفرنسية والعربية والفارسية والبرتغالية واليابانية، وقد حاورته الجزيرة نت حول حرب إسرائيل على غزة وانعكاساتها على عالمي الأفكار والسياسة بمنطقة الشرق الأوسط:
جرت أحداث كبرى السنوات العشرين الماضية: في التاسع من سبتمبر/أيلول 2001 تعرضت الولايات المتحدة لهجوم فاحتلت العراق وأفغانستان، ونهاية 2010 وقعت أحداث الربيع العربي، ثم جاءت حرب إسرائيل على غزة. ترى أي صلة بينها، أم أن طوفان الأقصى يمثل حقبة جديدة بالمنطقة العربية والإسلامية؟
يمكنك بالطبع ربط كل هذه الأحداث لتستنتج أن هناك صحوة كبيرة في المنطقة ضد طغيان الأنظمة العربية الفاسدة والهيمنة الأجنبية أيضًا. لكنني أعتقد أن الأحداث الحالية التي بدأت مع “طوفان الأقصى” هي نقطة تحول في تاريخنا الحديث، سواء في النضال الفلسطيني الطويل ضد “المستعمرة الاستيطانية الإسرائيلية” أو في مؤامرة الأنظمة العربية لتطبيع العلاقات مع إسرائيل كما نرى في اتفاقات أبراهام.
الأحداث الحالية التي بدأت مع “طوفان الأقصى” نقطة تحول في تاريخنا الحديث وسوف يستمر داعمو الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وداعمو إسرائيل في محاولة التستر على الإبادة الجماعية في غزة واستئناف وهم “الدولتين” من أجل خداع الأنظمة العربية الراغبة في تطبيع العلاقات مع إسرائيل. لكن الشعوب العربية لن تكون أبداً جزءاً من تلك الخيانة.
هناك من يرى أن جلب الغرب حاملات طائراته المقاتلة وغيرها يهدف لعدم إعطاء إيران فرصة لتمديد نفوذها وسيطرتها مثلما فعلت بتدخلها في سوريا وقت الحراك العربي، هل تختلف مطامع طهران عن تطلعات شعوب المنطقة؟
المواجهة بين النظام الحاكم في إيران والولايات المتحدة وحلفائها الأوروبيين والعرب تدعم أنظمتهم، وهذه المواجهة تأتي على حساب الشعوب التي يساء إليها في كلا من إيران والعالم العربي.
وينبغي ألا نخلط أبدا بين النظام الإيراني والشعب الذي كما ترون يثور بشكل دوري ضد حكومته ويتعرض للقمع الوحشي. يجب علينا أن ننظر إلى نضالات الإيرانيين من أجل الحرية وضد طغيان النظام الحاكم ضمن سياق الأمم والشعوب الأخرى التي تناضل في المنطقة.
“إسرائيل حامية عسكرية ومستعمرة استيطانية اخترعتها إنجلترا، ودعمتها الولايات المتحدة، وسلحتها ألمانيا ودول أوروبية أخرى”
رغم الجرائم البشعة التي يرتكبها الاحتلال بحق الشعب الفلسطيني في غزة والضفة، فإن الحكومات الغربية ترى حقا لإسرائيل في الدفاع عن نفسها ولا تهتم بالاحتجاجات الشعبية. هل نحن أمام تناقض أم تشتت وفراق بين تلك الحكومات وشعوبها؟
لا يحق لأي مستعمرة استيطانية عنصرية ونظام فصل عنصري أن يحتل ويجرم ويقتل ويعتدي على السكان المحليين في بلد استعمره لأكثر من قرن.
إسرائيل حامية عسكرية ومستعمرة استيطانية، اخترعتها إنجلترا، ودعمتها الولايات المتحدة، وسلحتها ألمانيا ودول أوروبية أخرى. إنها ليست دولة مثل مصر أو تركيا أو إيران أو أي دولة كبرى أخرى في المنطقة لها الحق في الدفاع عن نفسها. ترتكب هذه المستعمرة الاستيطانية الآن واحدة من أبشع أعمال الإبادة الجماعية في التاريخ الحديث، وهي تفعل ذلك باسم كامل الإرث الاستعماري الغربي الذي ورثته وما زالت تحمله على عاتقها.
هل تتوقعون أن يستمر الدعم الشعبي الغربي للقضية الفلسطينية في ظل إصرار الحكومات الغربية وإعلامها وشبكاتها الرقمية على حجب الرواية الفلسطينية وتضليل الرأي العام العالمي؟
الدعم الشعبي كان حاضرا على الدوام وسيظل موجودا، لكن هذا الدعم لا يُترجم إلى تغيير سياسات في دول من قبيل الولايات المتحدة أو المملكة المتحدة أو كندا أو أستراليا أو ألمانيا وما إلى ذلك.
في هذه البلدان توجد جماعات الضغط الإسرائيلية -التي تضم وسائل الإعلام الكبرى مثل نيويورك تايمز وبي بي سي- عملت بجد لعقود من الزمن بموارد مالية هائلة لإفساد مؤسسات الأنظمة الحاكمة والسيطرة عليها نيابة عن إسرائيل- وهناك بالطبع ثورة شعبية ضد الهيمنة الصهيونية على وسائل الإعلام، وهناك مصادر بديلة للأخبار والتحليلات حول العالم.
أصبحت إسرائيل اليوم المستعمرة الاستيطانية الأكثر بغضًا في العالم. وليس هناك الكثير مما تستطيع جماعات الضغط الإسرائيلية في الولايات المتحدة وأوروبا وكندا وأستراليا فعله لتغيير هذه الحقيقة.
ولكن كما يتضح بشكل كبير في قضية جنوب أفريقيا في لاهاي التي اتهمت إسرائيل بارتكاب جرائم إبادة جماعية، فإن الناس في جميع أنحاء العالم لا يقفون مكتوفي الأيدي بينما تفعل إسرائيل وداعموها ما يحلو لهم. ومن خلال ارتكاب هذه الإبادة الجماعية ضد الفلسطينيين في غزة وبقية فلسطين، أصبحت إسرائيل اليوم المستعمرة الاستيطانية الأكثر بغضًا في العالم. وليس هناك الكثير مما تستطيع جماعات الضغط الإسرائيلية بالولايات المتحدة وأوروبا وكندا وأستراليا فعله لتغيير هذه الحقيقة.
لا يمكن اليوم لأي كفاح من أجل التحرر في أي مكان -في العالم العربي والإسلامي على وجه الخصوص- أن يكون مشروعًا دون البدء أولاً من فلسطين ومن الفلسطينيين كنقطة انطلاقه
ما توقعاتكم لمستقبل الدراسات المعرفية والفكرية للقضية الفلسطينية من منظور دراسات ما بعد الاستعمار؟
لقد كانت فلسطين موضوعًا لدراسات واسعة النطاق من قبل الفلسطينيين أنفسهم بشكل رئيسي لعقود من الزمن -وفي كثير من النواحي- وأصبح التحرير الوطني الفلسطيني اليوم في الطليعة ومصدر إلهام لجميع حركات التحرير في جميع أنحاء العالم. وما يميزها عن غيرها من الحركات المماثلة هو ضخامة المعركة غير المتكافئة بين الفلسطينيين ومحتليهم، لدرجة أنه لا يمكن اليوم لأي كفاح من أجل التحرر في أي مكان في العالم، في العالم العربي والإسلامي على وجه الخصوص، أن يكون مشروعًا دون البدء أولاً من فلسطين ومن الفلسطينيين كنقطة انطلاقه.
ما الذي يميز حركة التحرر الفلسطينية عن باقي حركات التحرر بفيتنام وشمال وجنوب أفريقيا وغيرها؟ وهل يمكن القضاء على المقاومة الفلسطينية كما يسعى لذلك الاحتلال الإسرائيلي وداعمه الغرب؟
لا، هذا مستحيل. لديك جاريد كوشنر مقابل محمود درويش! لديكم بنيامين نتنياهو مقابل إدوارد سعيد! لديك دونالد ترامب وجو بايدن مقابل غسان كنفاني ومي المصري، أيهما سينتصر وأيهما سيخسر في معارك العقل والمنطق الكبرى ضد الوحشية والجنون؟ سوف ننتصر، وسوف يخسرون.
في إطار ما يواجهه الأكاديميون والباحثون بالجامعات الغربية من ضغوط لعدم التعبير عن رأي محايد أو مخالف للرواية الصهيونية، ما السبيل إلى العودة لحرية حقيقية للتعبير عن الرأي بمؤسسات أنشئت لتعليم الشباب التفكير النقدي والتعبير عن الرأي؟ بعبارة أخرى، كيف يمكن التخلص من هيمنة القراءة الغربية غير المحايدة على الأقل فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية؟
لقد خسروا المعركة في الوسط الأكاديمي والعلمي منذ فترة طويلة. في الولايات المتحدة يعتقدون أنهم إذا مارسوا الضغط على رؤساء الجامعات فإنهم سيسيطرون على الجامعات، لكنهم مخطئون تمامًا. لقد قام المفكرون النقديون على مدى عقود من الزمن بتغيير الخطاب من الألف إلى الياء، من خلال المساقات الدراسية والدورات التي يدرسونها، والكتب التي ينشرونها، والمحاضرات التي يقدمونها، واللغة النقدية القوية والدقيقة التي يستخدمونها.
ولقد ظل مشروع إنهاء استعمار المعرفة قائمًا منذ عقود. فالمليارديرات الصهاينة الذين يسعون إلى تغيير رؤساء الجامعات عن طريق السيطرة على الجامعات يجربون الطريق الخطأ.
سوف تتذكر ذلك الشعوب العربية، من المغرب إلى العراق ولن تسمح لإسرائيل وحلفائها أبداً بالإفلات من عقاب جريمة الإبادة الجماعية
ما العبر التي يمكن الخروج بها من طوفان الأقصى؟ وإلى أي مدى يمكن الاستفادة من هذه الدروس تجاه مستقبل العرب والمسلمين شعوبا ومنظمات وأحزابا وحكومات؟
الدرس بسيط: المقاومة الفلسطينية -ضد سرقة الوطن- حية وبصحة جيدة! من الأفضل للأنظمة العربية أن تنتبه وألا تهلوس بشأن التطبيع مع إسرائيل أو سيصبح حكمها معرضا لخطر ما حدث خلال الربيع العربي.
تذكروا أنه منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، جلس حكام العالم العربي بأكمله مكتوفي الأيدي بينما قامت إسرائيل، بقيادة تحالفها الغربي، بقتل عشرات الآلاف من العرب الفلسطينيين، وجرح أكثر من هذا العدد، وجرى تدمير غزة، ومعاملة 2.2 مليون إنسان بوحشية.
وسوف تتذكر ذلك الشعوب العربية، من المغرب إلى العراق، ولن تسمح لإسرائيل وحلفائها أبداً بالإفلات من عقاب جريمة الإبادة الجماعية. دولة أفريقية (جنوب أفريقيا) هي من جلبت إسرائيل إلى محكمة العدل الدولية، ولم تدعمها أي دولة عربية أو إسلامية واحدة. العالم سوف يتذكر ذلك!
المصدر : الجزيرة