ما أجمل أن تستمع أكثر من أن تتحدث، فلقد خلق الله لنا أذنين اثنتين ولساناً واحداً لنستمع أكثر للطرف الآخر ونتحدث أقل، فكن مستمعاً جيداً لتكن متحدثاً لبقاً، وبالصمت نعطي الفرصة للطرف الآخر ليذكر ما يخفيه ويقول ما يريده، أو يعبر عن ما يجيش بخاطره دون مقاطعة، وعندما تصغي للطرف الآخر بإعطائه الفرصة الكافية، فإنك بذلك تتعلم الهدوء والجمال كله، وقد يكون في لغةِ الصمتِ كلامٌ أبلغ، غير أن الكثيرين لا يملكون مهارة الإصغاء الجيد للآخرين، فالصمت شعور فريد قد يوصل ما عجز اللسان عن إيصاله.
لذلك من الضروري أن تتعلم هذه المهارة لأنها ستفتح لك آفاقا ومجالات أكبر للتعرف على من حولك بصورة أقرب، وأيضا ستفتح لك المجال في بناء علاقات وتواصل جيد مع الآخرين خصوصاً في زمنٍ أصبح فيه الإصغاء الفعَال والإنصات لغيرنا مشكلة كبيرة، فبالإصغاء الجيد يكون الفهم، وبه يكون التعلم.
ولكوننا نحسن الاستماع إلى الآخرين، هذا يعني أننا نحترمهم ونقدرهم بالإصغاء إليهم ونهتم بما يقولون، والأهم من ذلك كله، تشجيعهم على مواصلة الحديث لمعرفة مشاعرهم ودوافعهم الحقيقية، في المقابل قد نحتاج لإبقاء أوراقنا غير مكشوفة حين يتحدث الآخرون حتى نطمئن لمن نتحدث إليه، وبذلك يكون التواصل أعمق.
وحتى نمارس ثقافة الإنصات الجيد إلى الآخرين، علينا بالنظر في عين الشخص المتحدث وإظهار الاهتمام بما يقوله، وأن نعبر له بوجوهنا وابتساماتنا كل ما هو ايجابي، وألا نستعجل في إصدار حكم على المتحدث وعدم مقاطعته وأن نجعله يشعر بالارتياح، حتى يحس المتحدث أننا بالفعل نريد الإصغاء إليه، إذن لنولي ما يقوله الآخرون اهتماما بالغا، وألا نشغل بالنا في التفكير بالرد على المتحدث قبل أن يتم حديثه وقبل أن نفهم ما يقوله فهماً كافياً، ولنكن مهذبين منفتحين وصادقين في ردودنا، ولنؤكد على أفكارنا ومعتقداتنا باحترام، ولنتعامل مع المتحدث بإيجابية وفعالية.
لماذا لا نمنح من حولنا القليل من الهدوء والإنصات؟ كي نصل إليهم ويصلون إلينا، فقد أورثتنا التجارب ، أن الاستماع الجيد من أهم الأدوات الرئيسية للوصول إلى قلوب الآخرين والتفاهم المثمر معهم.
الإصغاء الجيد هو الطريق إلى الحوار والنقاش الهادف، وهو الأساس لفهم كيف يفكر الآخرون وماذا يريدون منا؟ بينما هو المنطلق الحقيقي للتوصل إلى نقاط محددة مع الطرف الآخر.
فالإصغاء يتطلب وعياً ويقظة من المستمع بما يقوله المتحدث وليس التأكيد بالإيجاب، نلاحظ جميعاً أن غياب قيمة الإصغاء ينتج عنها تدنٍ في الحوار وخلق الكثير من المشاكل، لأن فقدان هذه القيمة يعني فقدان القدرة على التواصل بين الأفراد في المجتمع، وبالتالي فقدان الرؤى على الساحة السياسية والثقافية، وهو دليل على الرفض المسبق لما يمكن أن يقوله المتحدث للمستمع، ولكل وجهة نظر تختلف مع وجهة نظر الآخر بغض النظر عن منطقية هذا الرأي.
وفي بعض الأحيان نجد الذي يتحدث لا يستمع له الآخرون، وإن فعل أحدهم فقد يكون شارد الذهن حتى إذا سألته عن مدى فهمه لما قيل، نجده إما ذكر آخر جملة قالها المتحدث أو أنه يؤكد بالإيجاب على ما قيل، فعدم الإصغاء في تقديري عادة غير حميدة غُرِست في البعض منذ صغرهم، وخطورة هذه الظاهرة نجدها في أن مشكلاتنا المحلية والإقليمية تكثر فيها الحوارات دون جدوى وبلا حل، وستبقى كذلك إلى أن نجيد فنَ الحوارِ الهادف.
ذ. مطريب بوشعيب