بقلم ذ محمد غولي
في خضم النقاش الدائر اليوم بين مختلف المتدخلين الحقوقيين والسياسيين والاجتماعيين… حول تعديل مدونة الأسرة التي تم إقرارها سنة 2004 -بعد نقاش واجتهاد قانوني وفقهي…وبعد رصد أثر تطبيق تلك المدونة المراد تعديلها اليوم ، ولاسيما على المستوى الأسرى من ارتفاع حالات الطلاق ، وارتفاع حالات العنوسة لدى الرجال والنساء معا ، وارتفاع حالات التفكك الأسري وانعكاس ذلك سلبا على الناشئة…تتعالى اليوم أصوات المطالبة بالتعديل في بنوذ وأحكام هذه المدونة ، من لدن فئات تدعي لنفسها الأحقية القانونية والشرعية للقيام بذلك رغم انتفاء هذه الصفة…لذلك وقبل الخوض في مناقشة هؤلاء من يطلقون على أنفسهم اسم الحداثيين ، لابأس من تسجيل بعض الملاحظات المنهجية الضرورية في عملية التعديل أو بعبارة أدق “عملية الاجتهاد” :
-أولا : مدونة الأسرة الحالية هي مدونة منبثقة من أحكام شرعية تستند بالدرجة الأولى لكتاب الله عزوجل وسنة نبيه عليه الصلاة والسلام ، ومن اجتهادات فقهية تستند للمذهب المالكي أولا ، وبعض المذاهب الأخرى ثانيا…إذن وللحفاظ على الطابع الشرعي لهذه المدونة لابد من احترام شروط الاجتهاد الفقهي فيمن توفرت فيه هذه الشروط ، أو الاستناد للاجتهاد الجماعي وفق ضوابط وشروط صارمة…لكن وبالنظر للأصوات المتعالية اليوم المنادية بوجوب التعديل أو بالأحرى التغيير نلاحظ غياب الصفة لدى معظم المتدخلين ، مما يوحي بأن الأمر لايتعلق بالاجتهاد الفقهي المتعارف عليه لدى العلماء ، بقدر مايتعلق بعملية استبدال المرجعية الشرعية المستندة للكتاب والسنة ومقاصد الشريعة ، بمرجعية تستند في توصياتها “للمواثيق الدولية ، والاتفاقيات الحقوقية “… إذن نحن أمام الدعوة لاستبدال المرجعية الشرعية بمرجعية وضعية لا تمت بصلة لثوابت الأمة المغربية الإسلامية…
– ثانيا : معظم التغييرات التي يطالب بها دعاة الحداثة وحقوق الإنسان تتمحور حول المرأة في علاقتها بالرجل ، سواء أكان زوجا أو أبا أو أخا أو ابنا…دافعهم في ذلك هو رفع الحيف بزعمهم عن المرأة وتمكينها اقتصاديا ومدنيا واجتماعيا وسياسيا…عن طريق تغيير مضامين الإرث الشرعي إلى إرث وضعي ، وتغيير أحكام الحضانة الشرعية إلى حضانة تستند لمفهوم الندية والتدافع بدل مفهوم الرحمة والتكافل ، وتغيير أحكام أركان الزواج وشروطه ومقومات الأسرة المتماسكة إلى أحكام غربية تستند لمفاهيم الحرية الجنسية ومفاهيم تقاسم السلطة الأسرية مع الحق في الاختيار دون ضوابط أو شروط شرعية…هاجسهم في هذا التوجه الغريب هو ارتفاع حالات الطلاق بعد مدونة 2004 ، وارتفاع حالات التفكك الأسري والعزوف عن الزواج…ولتصحيح هذا الزعم في نظر هؤلاء ، تنبغي الإشارة أن حالات الطلاق لاتعود بالأساس لأحكام مدونة الأسرة ، بل السبب الرئيسي في ذلك هو تردي الوضع الاقتصادي والاجتماعي لمعظم فئات المجتمع سواء تعلق الأمر بالرجل أوالمرأة ، وبدل توجيه الاتهام لأحكام مدونة الأسرة، وجب تحليل حالات البؤس والعوز لكل من الرجل والمرأة والشاب والطفل ، وحرمان فئات كثيرة من التمكين الاقتصادي العادل المستند للتوزيع العادل للثروة ، ومحاربة اقتصاد الريع والفساد المستشري بكثرة في الوضع الاقتصادي والاجتماعي والسياسي للبلاد…
– ثالثا : تمكين المرأة اقتصاديا واجتماعيا وسياسيا وثقافيا لايتأتى بتغيير ثوابت الأسرة المسلمة بل يتأتى بترسيخ القيم السمحة في النفوس ، وترسيخ تعاليم الدين الحنيف لدى الناشئة ، فالقضية قبل أن تكون اجتماعية صرفة فهي قيمية تربوية بالدرجة الأولى ، انزياح الناشئة عن هذا الإرث الروحي القيم هو ماساهم في التفكيك الأسري المنتشر اليوم ، وهو ماجعل الآباء والأمهات يرفعون أيديهم عن ضبط أبنائهم بفعل هذه الاختلالات الاقتصادية ، والثوارت المتسارعة في ميدان الاتصال والتواصل دون حصانة قيمية ثابتة تقي هذه الأجيال الصاعدة من الآثار المدمرة على العقول والنفوس والسلوك…
وأخيرا وجب التأكيد أن محاسبة الأحكام الشرعية لمدونة الأسرة لاينبغي بأي حال أن يكون بمعزل عن أحكام الإسلام في شموليته…فهذه الأحكام تندرج ضمن نظام عادل سواء في جانبه الاقتصادي أو الاجتماعي أو التربوي أو السياسي …فهي منظومة متكاملة يشد بعضها البعض…نعم قد تتأثر هذه الأحكام الاجتهادية للتقادم وعدم الصلاحية في فترة زمنية معينة ، ولكن لايمكن استبدالها بأحكام أخرى تفتقد للإطار المرجعي الذي يحدد هوية المجتمع ، بل يمكن استبدالها بأحكام شرعية اجتهادية أخرى تستند لنفس المرجعية المؤطرة من لدن علماء لهم الأهلية والصفة الشرعية اللازمة للقيام بذلك حتى لايحلل حرام حرمه الله ، ولايحرم حلال أحله الله…
موضوع في غاية الأهمية
قبل تعديل مدونة الأسرة يجب تعديل الوضع الاقتصادي للمرأة و الرجل والشاب و الشابة ، هذا هو التعديل الجدري الحقيقي ، فلا إصلاح فكري اجتماعي دون إصلاح اقتصادي
ممكن تكون ضيف على برنامج انت او المعني بالامر وتقولو بوجه مكشوف اش وقع ولل انا من المواطن الاصفر