عبد الواحد عوزري يسلط الضوء على أعمال محمد بهجاجي عن المسرح المغربي.
تحت عنوان “محمد بهجاجي .. مسارات النقد والإبداع”، قدم المؤلف والمخرج المسرحي عبد الواحد عوزري، مساء أمس الثلاثاء إصدراه الجديد بمسرح محمد الخامس بالرباط.
ويتضمن الكتاب، الواقع في 74 صفحة من القطع المتوسط والصادر عن (دار النشر المغربية)، والذي سلط الضوء على مضامينه خلال هذا الحفل كل من الصحافيين الحسين الشعبي وأحمد الطاهري، قراءات في أعمال بهجاجي: “ظلال النص”، و”الحفل التنكري”، و”بلاغة الالتباس”، و”كاتارسيس”، و”المسرح في المغرب، أفق السؤال”، و”كتاب السفر”.
واعتبر عوزري أن أعمال بهجاجي تعد “مساهمة جدية في كل ما كتب بذكاء عن المسرح المغربي، باعتبار أن الكتابة عن المسرح تطيل عمر العرض المسرحي الزائل بطبيعته”.
وبهذه المناسبة، أوضح أنه عبر هذه الأعمال يكون القارئ أمام نوع من التأريخ للمسرح المغربي ومبدعيه من أبنائه وبناته، “وهو تاريخ يمتد خلال الفترة التي قضاها بهجاجي متابعا مثابرا لإبداعات المسرح المغربي”، مشيرا إلى أن هذه الكتب يمكن تلخيصها في كتاب واحد، هو كتاب المسرح المغربي، حيث هو نوع من الملخص المكثف، “إذ يعبر أجيالا من هذا المسرح واتجاهاته من خلال رؤية عميقة وثاقبة”.
واستعرض عوزري، في قراءاته المجمعة في كتابه عن بهجاجي، أبرز النقاط المضيئة في أعمال الأخير، ومنها ارتكازه في نصه الموسوم ب “الحفل التنكري” على الاختصار في كل شيء، “وهو الاختصار الذي يعوض عنه بعمق الأشياء والأحاسيس المعبر عنها حتى بإيحاءات صغيرة أحيانا، وبلغة عربية سلسة شاعرية شفافة خجولة ومختزلة في كثير من الأحيان”.
واعتبر أن هذه “هي إحدى النقط التي تجعل هذا النص يندرج بحق في إطار المسرح المغربي المعاصر، الذي يبحث بشغف عن نصوص من هذا النوع، تعبر عن أن ضعف الإمكانيات لا يمكنه أن يكبل المخيلة، بل على العكس كلما كنا على اضطرار للاشتغال في ظروف الإجحاف، كلما أمكن للمخيلة أن تملأ كل الثقوب الأخرى”.
وأوضح أن النص جاء “محملا جدا بأسئلة وقلق ومخاطبات عصرنا، ذلك أن الشخصيات تعيش زمنها بضجر شديد حتى يكاد هذا الضجر أن يخنقها، ويصل أحيانا إلى أقصاه حين يمزج النص بين أجواء عبثية وتفاصيل يومية دون تكلف وقفز على آليات التداعي التي أدخلت الشخصيتين فيها عن قصد أو عن غير قصد أحيانا”.
وأضاف أن هناك وراء اللعب المسرحي متن حكائي، لأن المسرح يحكي من خلال الكشف، وذلك لا يستقيم أحيانا إلا من خلال العرض المسرحي، وتلك ربما هي أهم مميزات هذا النص لأنه يظل مشروعا جد مفتوح.
وفي معرض قراءته لكتاب بهجاجي الموسوم ب”بلاغة الالتباس”، يوضح عوزري أن الأخير يقدم درسا في قراءة المسرح علما أن العرض المسرحي لا يقرأ بل يشاهد، مبرزا أن بهجاجي يحكي بدراية ومعرفة عن مشاهداته، “ومن هنا أهمية كتابه لأنه ذاكرة للمشاهدة وشهادة عن المبدعين لهذا الفن (الطيب الصديقي، وعبد اللطيف اللعبي، وفاضل يوسف، وجواد الأسدي، وعبد الواحد عوزري، ومحمد قاوتي، وثريا جبران، رفيقة دربه بالمعنى المجازي والفعلي، ومحمد الكغاط، ومصطفى سلمات ومحمد سكري)”.
وعن نص “كاتارسيس”، أوضح أنه يعد إضافة جديدة لمخزون النص المسرحي المغربي والعربي، “وجاء سلسا ومتميزا في التعبير وفي صياغة المشاهد والمقاطع، باعتبار أن الحكي عن الدمار والخراب (دمار وخراب لبنان) لا يعني في شيء افتقاد شاعرية اللغة وجماليتها السردية الأخاذة، بل على العكس يأتي الحكي متينا وسلسا يحس القارئ معه وكأنه أمام عرض حي”.
واستنتج عوزري أن بهجاجي في هذا النص، كما في نصوصه المسرحية الأخرى المعروضة منها وغير المعروضة على الخشبة، قلما يكتب للقراء ولرفوف المكتبات، بل يظل هاجسه يكمن في أن المآل العادي والطبيعي لأي نص مسرحي حتى ولو كان نوعا من النص الذاتي، هو الخشبة والجمهور.
وعن كتاب “المسرح في المغرب، أفق السؤال”، قال عوزري إنه بخصوص إسهامه النقدي، وبخلاف عدد من النقاد، لا يمارس بهجاجي وظيفة ناقد يفتح “دكانا” ليكتب عن كل العروض، بل هو على العكس من ذلك انتقائي في اختياراته، بحيث يختار الأعمال التي يكتب عنها بعد أن تتهيأ له المادة الأولى التي تشكل عنصر الانطلاق، ومن هناك يحصل التفاعل.
أما بخصوص “كتاب السفر” الذي أصدره بهجاجي عام 2022، أبرز عوزري دقة الوصف وبلاغة التفاصيل فيه، ذلك أنه عند قراءة أسفار بهجاجي الذي “يسافر بذاكرة متقدة، وبعدة معرفية قوية”، يثار الانطباع لدى القارئ كما لو أنه سبق أن زار تلك الأمكنة، مبرزا أنه “بنشر هذا الكتاب يعود بهجاجي، في هذه المرة، أقوى من ذي قبل”.
على صعيد آخر، تضمن كتاب عوزري حوارا أجراه مع بهجاجي وعنونه ب”في الحاجة إلى جيل جديد من الإصلاحات”، وهو حوار يطال محاور النص المسرحي، والإخراج، والحاجة إلى إصلاح نظام الدعم، والمسرح والجامعة، والمسرح والجمهور، والنقد والإبداع، والمسرح في زمن الطوارئ.
يذكر أن عبد الواحد عوزري أصدر عدة كتب بالفرنسية والعربية، منها “المسرح في المغرب.. بنيات واتجاهات” – 1998، و”تجربة المسرح” – 2014، و”قريبا من الخشبات، بعيدا عنها” –